أصبحت مقاطعة كنت البريطانية رديفة لكلمة اللجوء، وذلك بفضل منظماتها التي تفتخر بدعمها لهم وبفضل مجتمعها الذي يرحب بهم، ولذلك ارتبط اسمها بمن يعملون على إعادة توطين اللاجئين.
تحولت تلك المقاطعة إلى موطن لحسان وزوجته وولديه الصغيرين، إلا أن الانتقال إليها لم يكن سهلاً، إذ ترتب عليهم أن يتكيفوا مع الثقافة الجديدة وأن يتعلموا لغة مختلفة وأن يندمجوا في ذلك المجتمع الجديد.
يذكر أن ملايين السوريين أجبروا على الخروج من بلدهم منذ عام 2011 بعد بدء الحرب فيها، ولذلك انتقل حسان إلى لبنان وبعد سنة على هروبه من العنف الدائر في بلده، وخاصة في مدينته حمص، تشكلت لديه الرغبة بضمان مستقبل آمن ومشرق لأسرته.
وعن ذلك يحدثنا حسان، وهو أب لطفلين عمل في دار لتصميم الأزياء في شمالي لبنان، فقال: "أقمنا في لبنان لمدة خمس سنوات، وكان أمر التواصل معهم مقبولاً بوصفنا لاجئين، كما استفدت من إقامة أبي في لبنان طوال ثلاثين عاماً، ولهذا لم يكن من الصعب علي العثور على عمل، وهكذا عشنا حياة طيبة في لبنان، إذ إنني لم أعش في البادية أو في الجبل ولم أكن مشرداً قبل أن آتي إلى إنكلترا".
"لم تعجبني في بداية الأمر"
عرض مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على تلك الأسرة الانتقال إلى إنكلترا في عام 2016، فرفضت الأسرة ذلك العرض في البداية، قبل أن يغير أفرادها رأيهم بعد مدة قصيرة.
وعند وصول حسان إلى المملكة المتحدة، أخذت الكثير من المخاوف تراوده، وعن ذلك يقول: "كنت خائفاً لأني لم أكن أفهم طبيعة الحياة هناك، وطريقة التواصل مع الناس، وهل سأجد عملاً أم لا، أي أنني باختصار شعرت بأني أمضي نحو المجهول، ولذلك قلقت على مستقبلي وعلى ابني وزوجتي وأين سنعيش، إذ كانت صورة إنكلترا في مخيلتي شبيهة بصورة نيويورك، ولكن عندما وصلت إليها أصبت بصدمة، ولم تعجبني".
وهكذا سألت تلك الأسرة إن كان بوسعها العودة إلى لبنان، إلا أن مفوضية اللاجئين أقنعتهم بأن أمورهم ستتحسن بمرور الوقت، ثم عرضت على الأسرة فرصة الإقامة في شقة قديمة بشمالي كنت، أي في مكان لا يمكن الكشف عليه للتأكد من أنه يوفر حماية لتلك الأسرة أم لا.
"أحب لبنان"
يحدثنا حسان عن تلك التجربة فيقول: "أعطوني شقة قديمة، عمرها أربعمئة أو خمسمئة سنة، فتصميمها الداخلي يتبع للطراز القديم، ولهذا لم تعجبني بصراحة. فلقد أتيت إلى إنكلترا بطريقة قانونية، وفي لبنان، كانت كل الأمور جيدة، فقد كنا نستأجر بيتاً هناك، وكان لدى والدي سيارة وكل شيء يلزمنا، ولذلك أحببت الإقامة في لبنان، وهذا ما دفعني لأن أقول لهم إن لم تحترموني فسأعود إلى لبنان، كما وقعت زوجتي على الدرج وهي حامل في ذلك البيت، وذلك لأن الأدراج قديمة جداً، إلا أنهم لم يأخذوا ما قلته على محمل الجد، ولذلك لم أصدق ما يحدث لنا بما أننا في إنكلترا، إلا أنهم طلبوا مني أن أبقى، وذلك لأن طلب أحد اللاجئين للمغادرة يعني أن المعيشة في ذلك البلد سيئة. إلا أننا ما نزال نقيم في الشقة ذاتها منذ عام 2016، بعدما أصبح لدينا طفل آخر، كما صرت أعدل على تصميمها، لأنني أقنعت نفسي بأننا ليست أمامنا فرصة للانتقال إلى مكان آخر، فلنحاول إذن أن نفعل شيئاً".
يخبرنا حسان أنه تعرض للتمييز، كما اكتشف ثلاث مرات بأن أحدهم قد تغوط أمام بيته، فاشتكى للشرطة إلا أنهم لم يحركوا ساكناً، ولهذا قرر أن يركب كاميرا تصور ما يحدث في الخارج، وعن ذلك يقول: "ركبت كاميرا للمراقبة، لكنها توقفت، إذ يبدو أن الأمر غير مرغوب فيه هنا. ولكني اليوم لم أعد أرغب في العودة إلى لبنان، لأن الحياة أصبحت أسهل هنا، خاصة بالنسبة لزوجتي التي لم يكن لديها أهل أو أقارب في لبنان، ولكن أصبح لديها اليوم صديقات وأهل هنا، ولديها أنا بكل تأكيد، بعدما أصبحت أفهم هذا البلد أكثر".
عمل حسان طاهياً ومديراً لمطعمين، أحدهما يقدم وجبات آسيوية والآخر متخصص بالمطبخ الهندي، إلا أنه ترك العمل عند تفشي كوفيد، غير أنه صار يعمل اليوم في مركز يقدم خدمات للطلاب الأجانب، والذي يشمل مساعدتهم في الحصول على تأشيرة طالب.
ويخبرنا حسان بأنهم عندما وصلوا لم يكن هنالك أي سوري يعيش في تلك المدينة، ولكن الآن توسعت الجالية السورية، وهذا ما يشعره بالارتياح.
المصدر: كنت لايف