أسر لي أحد قادة المعارضة قبل يومين بأنهم ينتظرون لقاء وزير الخارجية التركي السيد هاكان فيدان لأجل معرفة وجهة نظر الأتراك من التطورات الأخيرة، حيث جرت العادة أن يلتقي مسؤولو الحكومة التركية مع قادة المعارضة بشكل دوري بعد كل لقاءات تجريها تركيا حول سوريا لإشراكهم بالأفكار وإطلاعهم على آخر المستجدات، هذا اللقاء سيكون الأول مع وزير الخارجية الجديد ومن المرجح أن يعقد في الأيام المقبلة قبل أو خلال عطلة العيد، وبعد أن يحصل اللقاء نستطيع تقييم الرؤية التركية لكل ما يجري في سوريا وعنها خلال هذه المرحلة.
كان الأسبوع الماضي حافلاً بالأحداث والتطورات، البداية كانت مع رفض الاتحاد الأوروبي لعقد اجتماع مع جامعة الدول العربية بعد أن أعادت الجامعة المقعد لنظام الأسد، وهذا مؤشر مهم على عمق الأزمة - الورطة التي وضعت السعودية نفسها مع بعض الدول العربية بها لأنهم أرادوا فك عزلة النظام وترويج قبوله دولياً وإقليمياً لكنهم وجدوا جامعتهم منبوذة بسببه ونستطيع معرفة الإحراج الذي تسبب به إلغاء هذا الاجتماع العربي الأوروبي من ردة فعل وزير الخارجية المصري خلال مؤتمره الصحفي مع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، حيث عبر خلال المؤتمر عن استيائه الشديد وأسفه لإلغاء الاجتماع الذي لم يعقد منذ أربع سنوات.
مشروع قرار يدعو إلى إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة نظام الأسد على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت بحق المدنيين في سوريا، عن طريق إنشاء آلية قضائية مختصة بسوريا وعن طريق الجمعية العمومية للأمم المتحدة
من أميركا جاء خبران مهمان يتعلقان بسوريا الأول جاء بعد أن أعلنت المنظمة السورية للطوارئ، وهي إحدى المنظمات السورية الأميركية والتي تنشط في أميركا لدعم المعارضة، عن عملية الواحة السورية لكسر الحصار الذي فرضه الروس والنظام على مخيم الركبان الذي يقطنه ٨٠٠٠ مدني. والثاني جاء على لسان منظمات التحالف الأميركي لأجل سوريا والتي قالت في بيان لها إن مشروع قرار يدعو إلى إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة نظام الأسد على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت بحق المدنيين في سوريا، عن طريق إنشاء آلية قضائية مختصة بسوريا وعن طريق الجمعية العمومية للأمم المتحدة وهذا يعني أن لا مكان للفيتو الروسي هنا.
الحدث الأخير جاء من أستانا بعد أن أُعلن عن انتهاء مسلسل الاجتماعات والذي وصل للحلقة 20 والتي كانت تجمع الدول الضامنة الثلاث مع ممثلين عن المعارضة والنظام، هذا الإعلان جاء بعد أن وصلت الجهود الروسية في مسار التطبيع بين النظام وتركيا إلى طريق مسدود، تعثر مسار التطبيع له أسباب كثيرة يأتي في مقدمتها الدور الإيراني المعطل والذي طلب من النظام رفع السقف في مواجهة الضغوطات الروسية حيث عاد النظام للحديث وبنبرة عالية عن استحالة التطبيع قبل الانسحاب التركي، وأيضاً تركيا اليوم أقوى مما كانت قبل الانتخابات وهي غير مستعدة لإعطاء النظام شيئا في الوقت الراهن. هذا الانسداد يحتاج إلى تفاهم جديد بين بوتين وأردوغان لأن المصالح المشتركة بين الدولتين كثيرة ومتشابكة في أكثر من ملف، خصوصا بعد استنزاف بوتين في الحرب الأوكرانية وهو بالوقت الراهن بحاجة لأردوغان أكثر من حاجة أردوغان له، وربما تتم صفقة لاحقا بينهما تتعلق بمنح تركيا استضافة اجتماعات اللجنة الدستورية بعد توقف انعقاد اجتماعاتها في جنيف بسبب الاعتراض الروسي، بعد محاولة السعودية لأن تعقد في الرياض لكن نظام الأسد رفض المقترح وقال إنه أعطى وعدا لسلطنة عمان. بشكل عام فإن الغموض يكتنف إعلان الخارجية الكازاخية عن انتهاء جلسات أستانا وأعتقد أن محاولات روسية ستبدأ لأجل أن تعقد الجولات القادمة من هذا المسار بالتناوب بين إسطنبول ودمشق، بعد الانتهاء من خريطة الطريق التي تعمل عليها اللجان الرباعية في موسكو.
كانت الأحداث كثيرة ولافتة فالرفض الأوروبي للاجتماع مع الجامعة العربية يؤكد أن لا تغيير قريبا في موقف أهم الدول الأوروبية من نظام الأسد، خصوصا مع تصاعد الأحداث في أوكرانيا ودعم الأسد لروسيا في عدوانها، ويجب أن نقرأ فك الحصار عن الركبان من زوايا مختلفة أهمها فاعلية الوجود العسكري الأميركي في سوريا، لأن المخيم يقع في محيط قاعدة التنف، وكسر الحصار عن طريق وزارة الدفاع الأميركية بعد أن عززت وجودها في منطقة الجزيرة بمدافع متطورة لم يسبق لها أن استخدمتها في سوريا يعني أن هناك تعزيزاً للوجود الأميركي، سبقته معلومات تتحدث عن زيادة تسليح وتدريب جيش سوريا الحرة (مغاوير الثورة سابقاً) وزيادة أعداد منتسبيه، وفي حال نجح تحالف المنظمات السورية في تمرير مشروع القرار المتعلق بإنشاء محكمة خاصة بسوريا، يعني هذا إنهاء أي احتمال لأن تطبع الإدارات الأميركية مع نظام الأسد، ويعني مزيداً من العزلة للنظام وداعميه والمطبعين معه أيضاً.
هناك حديث عن ترتيبات جديدة في صفوف المعارضة حيث سيتم اختيار رئيس ائتلاف مع هيئة رئاسية جديدة بداية شهر أيلول، بعد تأجيل لشهر بناء على توصية من الجانب التركي
وبالعودة للقاء المرتقب بين المعارضة ورجل تركيا القوي وزير الخارجية هاكان فيدان، أعتقد أنه من خلال ما سيقال للمعارضة في هذا الاجتماع سيتضح لنا بعض من ملامح السياسة التركية تجاه المعارضة السورية، وتجاه كل ما يتعلق بسوريا من مسارات سياسية وعسكرية، خصوصا هناك حديث عن ترتيبات جديدة في صفوف المعارضة حيث سيتم اختيار رئيس ائتلاف مع هيئة رئاسية جديدة بداية شهر أيلول، بعد تأجيل لشهر بناء على توصية من الجانب التركي بعد أن كانت الانتخابات الداخلية للائتلاف مقررة نهاية شهر تموز، وأيضا هناك حديث عن اختيار رئيس حكومة مؤقتة جديد.. ما سيقوله لهم السيد هاكان فيدان سيكون مؤشراً على ما سيحدث في سوريا عسكرياً وسياسياً في المرحلة القادمة.