ترافقت امتحانات الشهادة الثانوية (البكالوريا) في منطقة سيطرة الجيش الوطني بريفي حلب الشمالي والشرقي خلال الأيام الماضية، بشكاوى واحتجاجات لبعض الطلاب، بسبب أخطاء وردت في عدة أسئلة، لا سيما في مادتي الرياضيات واللغة التركية.
وبدأت امتحانات الشهادة الثانوية بفرعيها الأدبي والعلمي في ريف حلب الشمالي، يوم الأحد الماضي، برعاية وزارة التربية التركية، ومديريات التربية التابعة للمجالس المحلية، ومن المقرر أن تنتهي يوم غدٍ الخميس.
وتتولى وزارة التربية التركية وضع أسئلة الامتحانات التي ترعاها المجالس المحلية في كل مدينة وبلدة شمالي وشرقي حلب، بشكل منفصلٍ تماماً عن الامتحانات التي تتم بإشراف وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة.
أسئلة تثير غضب الطلاب
مع انتهاء تقديم مواد اليوم الأول من الامتحانات، بدأ عشرات الطلاب بإنشاء مجموعات خاصة بهم على تطبيق الدردشة (واتساب) والتنسيق لاحتجاجات أمام مديريات التربية، بدعوى أنّ أسئلة مادة الرياضيات تضمنت عدة أخطاء، كوجود سؤال لا جواب له ضمن الاحتمالات الموضوعة، ووجود سؤال آخر، له أكثر من إجابة صحيحة، وأيضاً كانت أسئلة اللغة التركية صعبة للغاية، معظمها من المستوى الثالث.
وتعتمد الامتحانات في مديريات التربية بالمجالس المحلية على نظام "الأتمتة"، أي يتم وضع أسئلة مرفقة بعدة أجوبة، أحدها صحيح والبقية خاطئة، ليقوم الطالب باختيار الإجابة الصحيحة وتظليلها بواسطة قلم رصاص، من دون الحاجة للكتابة والشرح، كما هو الحال في امتحانات الحكومة السورية المؤقتة، لذلك يفضّل بعض الطلاب النظام الأول لسهولته مقارنة بغيره، خاصة الطلاب المنقطعين عن الدراسة منذ سنوات.
الطالب عبود الخالدي تقدم لامتحان الشهادة الثانوية (أدبي) في عفرين بريف حلب الشمالي، وقال لموقع تلفزيون سوريا إن أسئلة الرياضيات كان من بينها سؤالان خاطئان لا حلّ لهما ضمن الأجوبة المقترحة، في حين كانت أسئلة اللغة التركية "صعبة جداً"، لدرجة أن طلاب سنة ثالثة في الجامعة حاولوا حلّها، ووصفوها بالتعجيزية.
وأضاف "الخالدي" أن أساتذة اللغة الإنكليزية نصحوا الطلاب قبل الامتحان بالتركيز خلال الدراسة على "القواعد"، لكن الأسئلة لم تركز على ذلك، في حين توجد خمسة أسئلة بمادة العربي "صعبة أيضاً وفيها خلل".
بيان من نقابة المعلمين ودعوة لوقفة احتجاجية
وتابع: "الأسئلة جميعها كُتبت في تركيا، ومعاييرها صعبة، وتُفتح فقط في قاعة الامتحان دون أن يطّلع عليها أحد سوى الأتراك الذين وضعوها، وعلى لسان مدرّسين توجد أسئلة في الرياضيات والتركي خارج المنهاج، ويوم الخميس سننظّم وقفة احتجاجية جديدة بهذا الخصوص".
من جهتها أصدرت نقابة المعلمين السوريين الأحرار - فرع حلب، بياناً قالت فيه إن "الإخفاق في إدارة ملف التعليم في المناطق المحررة أصبح حديث الشارع وحديث الإعلام (...) حيث تطل علينا امتحانات الشهادة الثانوية هذا العام بأخطاء من نوع آخر، فبعض الأسئلة ليست من المنهاج المقرر، فضلاً عن عدم تدقيق الأسئلة قبل طباعتها، وعدم وجود نماذج بديلة في حال وجود خلل أو تسريب للأسئلة، وغياب الجهة المسؤولة التي تنصف الطلاب".
وتواصلت النقابة مع عدد من مدرسي الرياضيات واللغة التركية للوقوف على الأخطاء في أسئلة الامتحان (العلمي)، فتبين بحسب تقارير المدرسين، أن الرياضيات فيها سؤال غامض (رقم 35)، وسؤالان أجوبتهما مكررة (رقم 40 و42)، وأسئلة لا يوجد فيها أيّ خيار صحيح (رقم 24 و26 و48)، إضافة إلى عدم شمولية الأسئلة لكل أبحاث المنهاج المقرر.
وفي مادة اللغة التركية، توجد أسئلة من المستوى الثاني والثالث، في حين يقتصر المنهاج المقرَّر على المستوى الأول، إضافة إلى وجود "كلمات صعبة جداً غير موجودة في المنهاج، واستخدام قواعد المستوى الثالث في بعض النصوص"، كما أن المواضيع شملت قوانين بعض الألعاب الرياضية غير المعروفة، وغموضا في صياغة الأسئلة.
وطالبت النقابة، وزارة التربية والتعليم في تركيا بتحمّل مسؤولياتها كاملة كونها المسؤول المباشر عن التعليم في "المناطق المحررة"، وبسبب عدم تجاوب المجالس المحلية ومديريات التربية، بحسب البيان.
مدرّسون يعلّقون
وفقاً لمدرّس مادة الرياضيات في عفرين، الأستاذ محمد جمعة الأش، بلغ عدد أسئلة امتحان المادة 50 سؤالاً، وكانت معظم التمارين من خارج المنهاج، مضيفاً أن سؤالا أو اثنين كانت الإجابات الصحيحة فيهما مكررة ضمن الخيارات، ونحو خمسة أسئلة إجاباتها الصحيحة غير موجودة، ما سبَّب توتراً لدى الطلاب وأثّر عليهم بشكل سلبي.
وأضاف جمعة في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن الأمر الآخر الذي لم يساعد الطلاب هو ضيق الوقت، حيث كانت مدة امتحان ثلاث مواد (الرياضيات - التركي - الإسلامية) ثلاث ساعات فقط، علماً بأن أسئلة الرياضيات وحدها والبالغ عددها 50 تحتاج إلى ثلاث ساعات لحلّها.
في حين قال مدرّس فيزياء في عفرين لموقع تلفزيون سوريا: "لا توجد أخطاء في أسئلة الفيزياء، لكن يوجد تركيز على وحدة عادة تكون مهملة بالمنهاج، حيث يوضع سؤال أو سؤالان من وحدة الإلكترونيات، لكن في الامتحان الأخير وجِد قرابة 8 أسئلة حول هذه الوحدة، لكنها بالمحصلة من المنهاج".
ردّ مديريات التربية
التقى عدة طلاب مع مدير التربية في مدينة عفرين، ووعدهم بتلافي الخطأ، من خلال إضافة علامات الأسئلة التي تحتوي على خلل لصالح الطالب، وهو حال بقية مديريات التربية بريف حلب.
ووفقاً لمسؤول التربية في مدينة الراعي، علي رضا حاجي محمد، يتم اختيار أسئلة الامتحانات من "بنك أسئلة" تساهم في تشكيله مديريات التعليم وعدد من المدرسين المختصين في المنطقة.
وحول الخلل في بعض الأسئلة، أشار محمد في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إلى أن المديريات ترفع تقريراً للتربية التركية بعد نهاية الامتحان، يتضمن تفاصيل عن الأخطاء التي قد تقع لتجنب الوقوع بها في السنوات المقبلة، ويتم اقتراح حذف السؤال الخاطئ وإضافة علامته إلى مجموع نتيجة الطالب.
بدوره ذكر مدير المكتب التعليمي في المجلس المحلي بمدينة اعزاز، يوسف حاجولة، أن بعض الطلاب يدّعون وجود أسئلة في امتحان اللغة التركية من المستويين الرابع والخامس، وهو ما أكده عدة معلمين.
وأضاف حاجولة في حديث مع موقع تلفزيون سوريا أن أسئلة الرياضيات تضمنت بالفعل بعض الأخطاء، على سبيل المثال، هناك سؤال ليس له جواب ضمن الخيارات، وسؤالان لهما أكثر من إجابة صحيحة من أصل 5 إجابات.
من يعدّ الأسئلة؟
عزا بعض الطلاب وجود أخطاء في الأسئلة إلى فرضها من التربية التركية بشكل مباشر، من دون مشاركة مديريات التربية المحلية في إعدادها أو المساهمة بها، الأمر الذي نفاه "حاجولة"، إذ قال: "بسبب عدم وجود مديرية موحّدة، تخرج لجان من مديريات التعليم في المجالس المحلية إلى تركيا، بهدف اقتراح أسئلة والمشاركة في تحضيرها، لعدم وجود إمكانات لإعدادها في الداخل السوري".
وعن آلية تعويض الطلاب عن الأخطاء، أفاد "حاجولة" بأن المديريات بشكل عام تعد تقريراً عن سير الامتحانات، وتشير إلى الأخطاء الموجودة في الأسئلة، وبعدها تخرج لجان أيضاً إلى تركيا، ويتم اتخاذ قرار نهائي بشأن الأخطاء، وفي العام الماضي تقرر أن تمنح العلامة للطالب إذا كان السؤال خاطئاً أو ليس له إجابة، وفي حال كان السؤال يحتمل أكثر من إجابة، يتم احتساب علامة السؤال للطالب إذا كانت إحدى اختياراته صحيحة.
الحكومة المؤقتة: يجب أن يكون ملف التعليم تحت إشرافنا
سلط موقع تلفزيون سوريا الضوء في تقارير سابقة، على غياب التنسيق والعمل المشترك بين الحكومة السورية المؤقتة، والمجالس المحلية في ريف حلب، والتي تنقسم أصلاً لثلاثة أقسام من ناحية الإشراف التركي على عملها ودعمها، وقد نتج عن هذا النوع من الدعم والإشراف الإداري غير المنتظم والمنفصل فوارق جمّة في مستوى الخدمات ونوعيتها، وفارق كبير في عمل مديريات التربية بين منطقة وأخرى في ظل غياب التنسيق والعمل المشترك.
وبحسب وزير التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة، الدكتور جهاد الحجازي، فقد تقدم لامتحانات الشهادة الثانوية في الحكومة 44 ألف طالب، في 6 مديريات، وكانت الامتحانات "مثالية وقمة في الانتظام، ومستوى الأسئلة كان جيدا ولم يظهر أي إشكال".
وأوضح الحجازي في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن الأخطاء تظهر كل عام في الامتحانات التي تشرف عليها المجالس المحلية، ولهذا السبب يجب أن يكون الملف التعليمي تحت إشراف الحكومة المؤقتة بحكم "خبرتها الطويلة" بهذا المجال ووجود كفاءات عالية.
وبخصوص الحلول، قال الوزير: "تكلمنا مع كل الجهات والأشخاص الفاعلين، ولدينا تواصلات نسعى من خلالها لتسلّم الحكومة المؤقتة ملف التعليم، وتوحيد الامتحانات، وهناك وعود جيدة، ونتمنى أن يحدث ذلك قريباً لتلافي مختلف الأخطاء".
من يتحمل المسؤولية؟
يرى نقيب فرع حلب في نقابة المعلمين السوريين الأحرار محمد حميدي، أن من يتحمل مسؤولية فشل إدارة العملية التعليمية والامتحانات بريف حلب، هي مديريات التربية التابعة للمجالس المحلية، ووزارة التربية والتعليم التركية بشكل مباشر.
وذكر حميدي في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن مديريات التربية تتهرب من المسؤولية، مضيفاً أن الأسئلة وضعت بشكل كامل في تركيا، ولم يوضع إلا سؤال واحد في امتحان الرياضيات من النموذج الذي اقترحته المديريات السورية على وزارة التربية التركية.
وأضاف: "بالنسبة للمجالس المحلية ومديريات التربية، فهي بلا حول ولا قوة، والإشراف على الامتحانات هو لتركيا من الباب إلى المحراب، ومن بداية تسجيل الطلاب حتى كتابة الأسئلة وتصحيحها بعد وضع الأوراق بصناديق وإرسالها إلى تركيا".
واقترح حميدي حلاً ينهي 90 في المئة من مشكلات التعليم، حيث قال: "عندنا كمّ هائل من المشكلات، وهناك حلّ واحد مشترك، يتمثل بتشكيل مديرية تربية واحدة في المناطق المحررة، وتوحيد العمل التربوي، ويتم من خلالها الإشراف على الامتحانات وكتابة الأسئلة؛ لأن الجانب التركي همّشنا بشكل كامل، وليس له ثقة بنا".
ويعتقد حميدي أن إشراف وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة على الملف التعليمي والامتحانات هو أحد الحلول، لكن من وجهة نظره، أن القرار سياسي بهذا الخصوص، وغير تعليمي.
يذكر أن عشرات المتقدمين لامتحان الشهادة الثانوية هم من طلاب جامعة غازي عنتاب التركية، لكنهم اضطروا لإعادة تقديم الامتحان عبر المجالس المحلية التابعة للولايات التركية في شمال وشرق حلب، بسبب عدم اعتراف الجامعة بالشهادات الثانوية الصادرة عن الحكومة المؤقتة ونظام الأسد، من دون وجود وثيقة معادلة للشهادة، رغم أن الجامعة قبلت تسجيل الطلاب بتلك الشهادات من دون أن تشترط وجود وثيقة الدينكلك، التي تعدّ شرطاً أساسياً لقبول أي طالب أجنبي في الجامعات التركية بعد اجتيازه امتحان القبول المعروف باسم يوس "yös".