يبلغ عدد المخيمات في الشمال السوري المحرومة كلياً من مياه الشرب 590 مخيماً، و269 مخيماً آخر يعاني من نقص توريد المياه، من أصل 1489 مخيماً، وفقاً لتقرير حديث لمنظمة "منسقو الاستجابة في سوريا".
يتزامن انقطاع مياه الشرب عن مخيمات الشمال مع موجة حر شديدة تضرب المنطقة، تصل درجة الحرارة في بعض الأيام إلى 44 درجة مئوية، مع توقعات المراصد المناخية باستمرار موجة الحر خلال الأيام القادمة.
وتشتد معاناة المهجرين في الصيف الحار من أزمة نقص المياه النظيفة، وسط غياب أي نوع من الحلول الجذرية التي تخفف معاناتهم، فضلاً عن تذبذب المشاريع الإنسانية في المنطقة.
انقطاع المياه بسبب توقف المشاريع
أزمة انقطاع المياه في المخيمات، ليست الأولى ولم تكن وليدة اللحظة، وإنما ترجع بدايتها إلى خمس سنوات ومرت بمراحل.
مدير "منسقو الاستجابة في سوريا"، محمد حلاج، يقول في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، إن انقطاع المياه عن المخيمات مر على ثلاث فترات زمنية الأولى بدأت منذ خمس سنوات حيث انقطعت المياه النظيفة عن 42% من إجمالي 590 مخيماً.
ويضيف، كانت المرحلة الثانية قبل سنتين، انقطعت عن 37% من المخيمات، والمرحلة كانت قبل ستة أشهر.
وبحسب مدير "منسقو الاستجابة"، تعود أزمة انقطاع مياه الشرب إلى توقف وانتهاء مشاريع المنظمات التي كانت معنية بضخ المياه.
يقدر احتياج العائلة اليومي من المياه النظيفة في فصل الصيف بـ 70 لتراً يومياً للفرد الواحد موزعة على الشرب والاستحمام والنظافة والغسيل.
يبلغ ثمن ألف لتر من المياه النظيفة 30 ليرة تركي، في شمال غربي سوريا.
أبو محمد سائق صهريج مياه يزوّد المخيمات، يرجع السبب الرئيسي لغلاء أسعار المياه إلى ارتفاع أسعار المحروقات.
شراء مياه الشرب على نفقتهم الخاصة
تصنف الغالبية العظمى من سكان المخيمات من الأشخاص معدومي الدخل ويعتمدون بشكل رئيسي على المساعدات التي تقدمها المنظمات الإنسانية، وفي مقدمتها المياه النظيفة.
وبحسب عمار الأحمد، مدير مخيم جبل كللي، فإن العوائل اضطرت لشراء المياه على نفقاتها الخاصة منذ ثلاثة أشهر بعد انقطاع التزويد.
ويضيف الأحمد، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، بسبب الضائقة الاقتصادية تضطر العوائل إلى بيع بعض المواد الغذائية لتتمكن من شراء المياه النظيفة.
أما عن سبب انقطاع المياه عن المخيم الذي يديره، يقول الأحمد، إن سكان مخيم جبل كللي كانوا يحصلون على المياه النظيفة من بئر ارتوازي حفرته إحدى المنظمات، يزود 13 مخيماً في المنطقة، مثل مخيمات الإمداد والصدقة والأمة وخالد بن الوليد والفرج ضمن تجمع وادي عباس بالقرب من سرمدا، شمالي إدلب.
ويضيف الأحمد، تكفلت المنظمة بعد الحفر بتشغيل البئر لمدة أربعة أشهر فقط والآن البئر متوقف بسبب انتهاء فترة التشغيل وعدم وجود الدعم اللازم لتشغيله.
ارتفاع الحرارة يضاعف المعاناة
تفتقر المخيمات في شمال غربي سوريا إلى أبسط مقومات الحياة، لاسيما الكهرباء التي تعد من أهم المقومات التي تسهم في التخفيف من درجات الحرارة.
وتشكل الخيم "الشادر" النسبة الأعلى من المخيمات وهي في معظم الأحيان تكون مهترئة بسبب قدمها، فضلاً عن افتقارها للعوازل الحرارية.
أبو زاهر، أحد الذين يقطنون مخيم جبل كللي، يقول إن نصف معاناة السكان متعلقة بتأمين المياه، في ظل ارتفاع درجات الحرارة في الصيف.
ويحذر أبو زاهر، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، من انتشار الجرب والقمل بين الأطفال بسبب قلة الاستحمام، مناشداً المنظمات والجهات المسؤولة بتحمل مسؤولياتها تجاه السكان في المخيم وبضرورة تأمين وقود لتشغيل البئر الذي يغذي المخيم.
المنظمات تنفي
بدروه تواصل موقع "تلفزيون سوريا" مع مديرية السياسة والدعوة في منظمة "NRC"، بهية زريكم، وسألها عن أسباب انقطاع المياه عن المخيمات،
نفت زريكم أن تكون المنظمة قد قطعت أو قللت كميات المياه التي تزود فيها المخيمات.
وأضافت أن " NRC" قطعت إمداد المياه عن المخيمات ليوم واحد فقط في شهر تموز/يوليو الجاري بسبب بعض الترتيبات اللوجستية ومن ثم عاودت الضخ كما كان في السابق.
وأكدت أن كميات المياه المخصصة لكل شخص هي 35 لتراً يومياً، وهي ثابتة لم يتم تخفيضها مطلقاً، مشيرة إلى عدم الاطلاع على أزمة المياه في المخيمات التي تقع في نطاق دعم المنظمة التي تعمل بها.
منظمة " NRC"، هي المجلس النرويجي لدعم اللاجئين، تعرف عن نفسها في موقعها الإلكتروني بأنها منظمة إنسانية مستقلة تساعد الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من ديارهم، وتقدم الدعم للاجئين لبناء مستقبل جديد لهم.
بدورها، أكدت إدارة البرامج في "هيئة الإغاثة الإنسانية" (IYD)، أنها تزود 180 مخيماً في الشمال السوري بالمياه، من دون انقطاع.
وفي رد على استفسارات الموقع، قالت " IYD"، وهي منظمة دولية غير حكومية تعنى بدعم اللاجئين، نحن نقوم دوماً بتقديم حصة مياه ثابتة بحسب معايير الاحتياج العالمية للفرد الواحد ولا يوجد أي تخفيض على الإطلاق لهذه الحصة خلال كامل دورة حياة المشروع.
أما منظمة "تكافل الشام" تؤكد أن سبب توقف الضخ المياه في مخيمات مشهد روحين بسبب انتهاء المشروع المقدم من الأمم المتحدة قبل ثلاثة أشهر ولم يتم تجديده بعد.
ويشمل المشروع المذكور تقديم 140 خزاناً، يتسع كل واحد متراً مكعباً مع قاعدة تثبيت، وتقديم مياه النقل بالصهاريج وتوّزيع 40 لتراً يومياً لحصة الفرد الواحد، كما توّزع أربع مراحل من السلل غير الغذائية (سلل نظافة) خلال فترة المشروع.
وبحسب مسؤول في منظمة "تكافل الشام"، فضل عدم الكشف عن اسمه، تم تقديم 208 حاويات (أنصاف براميل) ضمن مخيمات المشروع، وترحيل القمامة من ضمن المخيمات وبناء وتنفيذ 61 كتلة دورة مياه مزدوجة (للذكور والإناث).
كما بنت المنظمة أربعة خزانات عالية بحجم يصل إلى 100 متر مكعب في أربعة مخيمات مع تنفيذ 4 شبكات مياه توزع على الخزانات الفرعية داخل المخيم.
حلول مطروحة وصعوبات
تبقى الخزانات حلاً مبدئياً لا يشكل حلاً مستداماً لأزمة المياه النظيفة، لا سيما مع انتقال سكان المخيمات إلى مبانٍ وشقق سكنية.
ويتساءل معظم المهجرين عن جدوى الاعتماد على الخزانات طالما أنها ستبقى فارغة في حال انتهت عقود المشاريع أو خُفظت نسب الدعم من المنظمات المهتمة، ويطالبون بإنشاء شبكات إمداد مياه ويكون الضخ مركزياً.
وتجدر الإشارة إلى أن أغلب البيوت الإسمنتية المجهزة للنازحين تعاني من انعدام البنى التحتية الخاصة بالمياه، فضلاً عن انعدام بالكامل في جميع المخيمات.