لم تكن أزمة الكهرباء في سوريا وليدة الحرب، بل عانت البلاد من أزمات مستمرة في قطاع الكهرباء قبل عام 2010. لم تصل الدولة لمرحلة الاكتفاء الذاتي، بل اعتمدت بجانب إنتاجها المحلي على استيراد الكهرباء عبر مشروع الربط الكهربائي بين الدول الثماني (سوريا، مصر، العراق، الأردن، ليبيا، لبنان، الأراضي الفلسطينية، تركيا). في عام 2012، توقفت واردات الكهرباء عبر مشروع الربط الكهربائي من تركيا بعد اشتعال العمليات العسكرية وتضرر البنية التحتية، وتخلي النظام عن المشروع لصالح مشاريع مع إيران.
أنتجت سوريا في عام 2010 نحو 6.5 ميغاواط من الكهرباء، في حين قُدّرت الحاجة اللازمة للاستهلاك بـ 8.6 ميغاواط، ما يعني أن البلاد كانت في حالة عجز عن تأمين 2 ميغاواط. غطت الحكومة جزءًا من هذا العجز عبر الاستيراد، واعتمدت سوريا على محطات الطاقة الحرارية التقليدية لتأمين 94% من مجموع الكهرباء المنتجة، والتي تتغذى على المنتجات البترولية المكررة (الفيول بنسبة تتعدى 60% والباقي على الغاز الطبيعي). كانت الحكومة تخطط لتحويل جميع مرافق توليد الطاقة الحرارية للعمل بالغاز الطبيعي الذي يعد أرخص وأكثر توفرًا من الفيول. ساهمت السدود المائية في إنتاج 6% من الكهرباء، والمعروفة بالطاقة الكهرومائية.
حاليًا، تعاني سوريا من أزمة كهرباء خانقة، وتعد مناطق سيطرة النظام الأكثر معاناة مقارنة بمناطق المعارضة شمال غرب البلاد التي تستورد الكهرباء من تركيا. تتناول هذه المقالة أزمة الكهرباء لدى النظام، بدءًا من تسليط الضوء على مصادر الطاقة التي يعتمد عليها في توليد الكهرباء، وتقديم إحاطة حول البنية التحتية لتوليد الكهرباء.
تقف وراء أزمة الكهرباء في مناطق النظام عدة عوامل رئيسية:
أولاً، عدم القدرة على تكرير النفط واستخراج مشتقاته (الفيول) التي تشغل المحطات الحرارية، وصعوبة استيراده بكميات كافية وبشكل دائم نتيجة للعقوبات المفروضة على النظام من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. إضافة إلى تراجع واردات الفيول من 15 ألف طن إلى 1200 طن، وانخفاض إنتاج الغاز من 20 مليون متر مكعب إلى 8 ملايين متر في اليوم، مما حال دون تغطية الطلب الداخلي. ورغم أن النظام يستورد من إيران حاجته من النفط الخام ومشتقاته، إلا أن طهران قلصت مؤخراً إمداداتها للنظام السوري، ورفعت سعر برميل النفط إلى الضعف، وتطالب النظام بتسديد قيمة ما يستورد منها نقداً، وذلك على خلفية ضغوط اقتصادية تعاني منها.
ثانياً، حاجة البنية التحتية لإنتاج الكهرباء إلى الصيانة. بحلول عام 2013، كانت أكثر من 30 محطة طاقة في سوريا غير نشطة، وتعرض ما لا يقل عن 40% من خطوط الجهد العالي في البلاد للتلف، بالإضافة إلى حاجة المحطات الحرارية إلى صيانة مستمرة وقطع تبديل، وهذا كله من الصعب تحقيقه في ظل العقوبات الدولية، والحاجة إلى التمويل غير المتوفر.
ثالثاً، سيطرة تجارة الأمبيرات على قطاع الكهرباء، والتي تنتشر في سوريا بشكل مفرط، والمرتبطة بشبكة فساد وأشخاص محسوبين على النظام. توسعت تجارة الأمبيرات بعدما أصدر النظام قراراً يسمح للشركات الخاصة بتنفيذ مشاريع توليد الطاقة بأشكال تقليدية. ولا تتوفر نسبة مساهمة قطاع الأمبيرات من مجموع ما يتم إنتاجه من الكهرباء في البلاد، إلا أن هذا القطاع يشكل مورداً مالياً كبيراً يعود على الشبكة المرتبطة به. يعد قطاع الأمبيرات عائقاً أمام تشغيل المحطات لسببين أساسيين: أولاً، عرقلة أصحاب مشروع الأمبيرات -ذي النفوذ على الدولة- من تشغيل المحطات الحرارية بشكل دائم، لأنها ستنعكس على انخفاض الطلب على الأمبيرات. ثانياً، كمية المحروقات المستهلكة في قطاع الأمبيرات كبيرة جداً، وتؤثر على كمية المحروقات المتوفرة في السوق واللازمة لعمل المحطات. يعتمد أصحاب مولدات الأمبيرات في تأمين المحروقات على جهات غير رسمية مع الحكومة، مما يشكل جماعات ضغط على الدولة تحتكر استيراد المحروقات. كل ذلك كان من شأنه أن يخفض إنتاج الكهرباء من 5800 ميغاواط في عام 2010 إلى 2000-1800 ميغاواط في عام 2023.
مستقبل قطاع الكهرباء في سوريا
سعى النظام السوري في الفترة السابقة للاستعانة بإيران لإصلاح محطتين للطاقة الحرارية في مدينة حلب، إذ تبلغ الطاقة الإجمالية للمحطتين نحو 480 ميغاواط. من المنتظر أن تُفتتح محطتان جديدتان تعملان بالغاز قريبًا بعدما انتهت شركات إيرانية من بنائهما في اللاذقية. إلا أن ذلك يلبي جزءاً بسيطاً من حاجة مناطق النظام للكهرباء، لذلك لجأ النظام إلى الطاقة البديلة ولا سيما الطاقة الشمسية، حيث أطلق في عام 2021 قانوناً لاستحداث صندوق لدعم إنتاج الطاقات المتجددة ورفع كفاءتها والتوسع في مشروعات الطاقة الشمسية لتوليد 2000 ميغاواط بحلول عام 2030. إلا أن هذا الرقم ما زال بعيداً جداً عن الواقع بحسب المشروعات التي نفذها، ولأن نجاح مشاريع الطاقة الشمسية تحتاج إلى توفر مجموعة من العوامل أهمها: القدرة المالية على تمويل المشاريع، الاستقرار والبيئة الآمنة. كما تعرقل العقوبات الدولية المفروضة عليه من جذب الشركات العالمية للاستثمار في مناطق سيطرته. وقع النظام في بداية العام الجاري 2024 اتفاقية مع شركة صينية لتنفيذ مشروع طاقة شمسية لإنتاج 36 ميغاواط من الكهرباء.
يحاول النظام إيجاد حلول لتأمين الكهرباء في البلاد بما يتناسب مع وضعه الاقتصادي والسياسي ومع مصالحه. لذلك لجأ إلى تخصيص قطاع الكهرباء في البلاد عبر منح الدول الحليفة عقود استثمار طويلة الأجل في قطاع الكهرباء مثل التي منحتها للصين وإيران، ومنح شركات خاصة ملاكها مقربين منه أو من هم واجهات للنظام مثل قطاع الأمبيرات.
بالنتيجة، يحتاج قطاع الكهرباء في سوريا إلى ميزانية تمويل كبيرة تمكن حكومة النظام من إعادة تأهيل وصيانة البنية التحتية لإنتاج الكهرباء من محولات وخطوط التوتر العالي والمحطات الحرارية إلى جانب تأمين المحروقات. عدم توفر هذه الإمكانيات سيجعل من الصعب على النظام إحداث أي تطور في قطاع إنتاج الكهرباء، وسيرافق ذلك تسلط شركات الأمبيرات والشخصيات التي تقف وراءها على قطاع الكهرباء. لن تُحدث مشاريع الطاقة الشمسية فارقاً مؤثراً في إنتاج الكهرباء لعدم توفر الشروط الكاملة لنجاحها، لذلك من المتوقع بشكل كبير أن تبقى مناطق سيطرة النظام تعاني من أزمة كهرباء على المدى المتوسط بأقل تقدير ما لم تتدخل دول إقليمية لدعم النظام السوري مالياً وتقنياً.