icon
التغطية الحية

أخطار الذكاء الصناعي في رواية تشيكية صدرت عام 1936

2024.07.30 | 10:23 دمشق

آخر تحديث: 30.07.2024 | 10:23 دمشق

الذكاء الصناعي (صورة تعبيرية)- المصدر: الإنترنت
الذكاء الصناعي (صورة تعبيرية)- المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عندما سيجمع المؤرخون في القرون القادمة الحوادث الكاملة للبشرية، سيقسمون كل ذلك على مجلدين، أولهما سيتحدث عن آلاف السنين كان البشر خلالها يتمتعون بأعلى ذكاء بين المخلوقات على وجه البسيطة، وسيسرد هذا المجلد كيف أصبح الإنسان الذي تطور عن قرد يصنع أدوات من الحجارة، ثم اخترع الكتابة، وصار يقطع الخبز، وبعد ذلك اخترع الأسلحة النووية، وسافر إلى الفضاء، وصار يستعين بالإنترنت، كما سيتحدث المجلد عن الطرق العديدة التي أساء الإنسان استخدام تلك الأمور من خلالها. في حين سيصف المجلد الثاني كيف تأقلم البشر مع ذكاء أعلى من ذكائهم، وكيف أصبح حالنا بعد أن ظهر نوع من الذكاء يفوق ذكاءنا، والمثير للحماسة هنا هو أن الصفحات الافتتاحية للمجلد الثاني قد أصبحت جاهزة بانتظار من يكتبها، وهذا يعتمد على الجهة التي سيطلب الإنسان منها تدوين تلك الصفحات، أي الذكاء الصناعي العام ويقصد بذلك النظم القادرة على التصرف كما البشر، ومن ثم ترك تلك الصفحات ليغطيها غبار المعرفة، لأن ما يفصلنا عن تلك المرحلة هو مجرد أشهر أو سنوات أو عقد أو عقدين من الزمان ليس أكثر، أما التوقعات حول ما ستؤول إليه الأمور فتتراوح ما بين استمتاع الجميع بوقت الفراغ وصولاً إلى انقراض الجنس البشري بفضل الروبوتات القادرة على استخدام مشابك الورق بطريقة صحيحة.

لم يتجاوز عمر ChatGPT السنتين، إلا أن جهابذة الذكاء الصناعي يختلفون حول مدى ذكائه الذي لا يمكن مقارنته حتى بذكاء قطة، وإن كان في ذلك شيء يبعث على الطمأنينة، فما علينا إلا أن نفكر بسمندل الماء، والمقصود بذلك ليس السمندل فحسب، بل الأبطال المتخيلين لرواية: "حرب مع السمادل" التي ألفها كارل كابيك ونشرت في تشكوسلوفاكيا عام 1936، لتصبح أفضل رواية بوسعك أن تقرأها في إجازتك بما أنها تحمل رمزية مخيفة تحمل بين طياتها تنبؤات حول تطور الذكاء الصناعي.

 

في هذه الرواية الساخرة، يعثر قبطان سفينة هولندية على سلالة لمخلوقات بحرية في إندونيسيا، ومما يثير ذهول الطاقم أن تلك المخلوقات الصغيرة أصبحت ترد عليهم عبر رشقهم بالحجارة بكل مرح، إذ بدت وكأنها تستجيب لأي تعليمات تردها من البشر. يا لذكائها! هذا ما قاله أسلافنا المتخيلون واندهشوا كدهشتنا جميعاً في عام 2022 أمام قدرة الذكاء الصناعي على توليد صورة لكلاب تلعب البوكر على طريقة الفنان الإيطالي كارافاجيو، كما ذهلوا لسرعة تعلم تلك الأشكال الجديدة من الذكاء على استخراج اللؤلؤ الثمين من البحر، وكما حدث لنا الآن، لاحت فرصة للتربح من وراء ذلك، فطالبت السمادل بسكاكين حتى تستخرج مزيداً من اللآلئ، إذن فما الخطأ الذي يمكن أن يقع هنا بصورة مؤكدة؟

ضريبة على الروبوت!

قد تبدو الكوميديا التي تولدها العواقب غير المقصودة والتي حدثت من جراء ذلك شيئاً مألوفاً بالنسبة لكل من ينتابهم القلق حيال الذكاء الصناعي، لأن السكاكين ساعدت السمادل على هزيمة أسماك القرش المفترسة التي بقيت تهدد أعداد السمادل، وهذا ما أدى لحدوث طفرة ديموغرافية تتبع لقانون مور (قانون مور ‏ هو القانون الذي ابتكره غوردون مور أحد مؤسسي إنتل عام 1965. حيث لاحظ مور أن عدد الترانزستورات على شريحة المعالج يتضاعف تقريباً كل عامين في حين يبقى سعر الشريحة على حاله). ومع تضاعف أعداد السمادل، بات من الواضح أن عددها بقي أقل من عدد البشر، لكنها أخذت تتطور بسرعة مذهلة، إذ لم يمض وقت طويل حتى أخذت تتحدث وتحاور بكل طلاقة مثل روبوتات المحادثة. ثم أسست "نقابة السمادل" الغامضة، وهي أشبه بكبرى شركات التقانة، فصارت تبيع السمادل بالملايين، وتبحث عن طرق جديدة لتدريب عدد كبير من تلك المخلوقات ودفعها للعمل في المزارع والمعامل. وبذلك جرى توسيع قناة بنما بتكلفة ضئيلة دفعها البشر، فيما نبذ الجميع الخوف من أن يحدث ذلك بسرعة كبيرة على اعتبار أن ذلك يمثل الجدل القديم للحركة اللودية التي تعتبر إحدى حركات العمال الإنكليز خلال السنوات الأولى للثورة الصناعية. بيد أن منظمة العمل الدولية انتقدت وفرة العمالة الرخيصة التي تقدمها السمادل بوصف ذلك شيئاً "غير اجتماعي"، واليوم يحذر صندوق النقد الدولي من احتمال تضرر 40% من الوظائف بسبب الذكاء الصناعي. ولذلك أصبحت أستراليا تفرض ضريبة على السمادل، تشبه الضريبة المفروضة على الروبوتات والتي سبق أن اقترحها مطور الروبوتات الشهير بيل غيتس.

"هل لـ ChatGPT روح؟"

لم تسعد "حقبة السمادل" جميع الناس، وهي حقبة تنذر بـ"عصر الذكاء الصناعي" الذي نعيشه اليوم، وذلك لأن استهلاك تلك المخلوقات لكمية الغذاء المتوفرة للعالم بأسره أقلقت منتقديها، تماماً كما تتعرض اليوم نماذج التعليم الآلي لانتقادات بسبب استهلاكها للكهرباء. وثمة أسئلة طرحت حول مسؤولية البشر الذين يستعينون بسمادل عن أفعالها، تماماً كما أجبرت محكمة شركة طيران كندية بتقديم خصم طرحه روبوت محادثة معزز بالذكاء الصناعي والذي هلوس مقترحاً تلك السياسة. ثم إن بعض البشر تعلقوا بالسمادل لأنها تعلمت الرقص والغناء، ولهذا وكما تساءلت صحيفة ديلي ستار : "هل للسمادل روح؟"، تسألت صحيفة أميركية في عام 2023: "هل لـ ChatGPT روح؟" ثم إن كثيرين اليوم باتوا يشعرون بان البرمجيات أصبحت تلتهم العالم بشكل مجازي، بيد أن سمادل كابيك بدلاً من أن تلتهم الأرض، أوجدت موائل جديدة لها على الساحل لتستوعب أعدادها التي لم تنفك عن الازدياد.

فات الأوان

فيما أخذ بائعو السمادل يطمئنون الناس عبر قولهم بإن منتجاتهم من السمادل تحاكي البشر فحسب وليس من شأنها أن تتفوق عليهم (وقد يبدو هذا أيضاً مألوفاً في يومنا هذا)، إذ لا مفر من تتفوق تلك المخلوقات على البشر الذين لم يكن بوسعها تجاوزهم. وعندما أدرك الناس بأنهم لا يعرفون أي شيء عن طريقة عمل السمادل، وما الذي تفعله تحت الماء، بما أن ذلك بقي سراً بعيداً عن عيون البشر في رواية كابيك، تماماً كما يحدث في السحابة التي يستعين بها مستخدمو الذكاء الصناعي اليوم، كان الأوان قد فات. والناس اليوم باتوا منشغلين بهواجسهم الخاصة لدرجة تمنعهم من مراقبة ما يجري، فالألمان يشغلهم مدى تفوق سمادلهم أخلاقياً على غيرها من السمادل، على الرغم من أنه بوسع تلك السمادل أن تعثر دوماً على إنسان طماع حتى تبيعه مواد متفجرة وغواصات.

 

نشط كابيك وسط الدوائر السياسية في التشيك وكان قد درس الفلسفة في باريس وبرلين، وثمة إحساس أوروبي خالص يحيط بخوفه من أي شيء جديد، إذ هنالك أسباب وجيهة لدى أوروبا تدفعها للقلق إزاء التغيرات السريعة التي تحملها سمادل أو حواسيب تطرأ عليها تطورات سريعة. لأن الأنظمة الاجتماعية تعتمد على تطور الأمور بوتيرة يمكن معها حتى لدولة الطغيان أن تلحق بركبها، ونجد ذلك بشكل خاص في جنوبي أوروبا، ولهذا نكتشف في تلك الرواية بأن الفرنسيين كانوا أول من حاول كبح جماح السمادل ومنعها من السيطرة على كل شيء. واليوم، حتى مع استثمارات أميركا الكبيرة في مجال الذكاء الصناعي، نجد بأن الاتحاد الأوروبي يترأس المحاولات الساعية لتنظيم هذا المجال وقوننته، إذ إن قانون الذكاء الصناعي الذي سيعتمده الاتحاد الأوروبي يعتبر من أكثر القيود صرامة على التقانة في العالم حتى الآن، وسيقر هذا القانون بصورة رسمية في شهر آب المقبل. كما سيجري من خلاله حظر الأجهزة التي تتعرف على الوجوه في الأماكن العامة، وكذلك الأمر بالنسبة لنظم تسجيل النقاط على المستوى الاجتماعي بحسب الطريقة الصينية.

تخيل كابيك أيضاً مستقبلاً يسوده الفساد بفضل الروبوتات، بما أنه صاغ هذا المصطلح في رواية سابقة بعنوان: "العبد المرتبط بالأرض"، ولكن من غير الممكن حتى لمؤلف يكتب روايات في الخيال العلمي أن يسبر غور التقانة التي صنعها البشر وكيفية تطورها بالسرعة التي يتطور بها الذكاء الصناعي اليوم، الذي تمثله السمادل. إذ في تلك الرواية، نجد بشراً من ذوي الإرادة الضعيفة يسلمون الصين لأسيادهم الجدد على أمل تحقيق السلام. وفي عام 1938، أي قبل أسابيع من وفاة كابيك، ضحت بلده بطريقة مماثلة استرضاء لهتلر، ولذلك حظيت رواية "حرب مع السمادل" بإشادات كثيرة لتصويرها غطرسة البشر وجشعهم في القرن العشرين، ولعل التاريخ سيخلدها لكونها الرواية التي أدركت ما ستفعله الآلة في القرن الحادي والعشرين.

المصدر: The Economist