توجّهت الأنظار خلال الأشهر الأخيرة إلى كييف، في ظلّ تصاعد التوتّر بين روسيا والغرب على النفوذ في دول شرق أوروبا. وخلق سعي أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو شعورا بالتهديد لدى الروس، ما جعل روسيا تطالب أوكرانيا بالامتناع عن دخول حلف الناتو وعدم توقيع أيّ اتفاقية في هذا الخصوص، لا في الحاضر ولا في المستقبل.
كما يُطالب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الغرب بتقديم واشنطن ضمانات قانونيّة ومكتوبة، تكفل عدم ضمّ أوكرانيا نهائيًّا إلى حلف شمال الأطلسي، وسحب قوّاته للأسلحة الهجومية من دول شرق أوروبا، مثل بولندا والمجر.
ومع تفاقم فتيل الأزمة، حشدت موسكو، منذ نيسان الفائت، نحو 100 ألف جندي على الحدود الأوكرانيّة، ما دفع الولايات المتحدة الأميركية، لمطالبتها بتاريخ 10 من تشرين الثاني عام 2021، بتفسير لِما وصفته بقيام موسكو بتحركات غير عادية على الحدود. وبعد القمّة المُتوترة التي عُقدت بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي، جو بايدن، في 7 من كانون الأوّل الفائت، هدّد الأخير بفرض عقوبات شديدة على روسيا في حال غزوها لأوكرانيا.
وفي ظلّ تعمّق الخلافات الروسية الغربية، أعلن الناتو في 24 من كانون الثاني الفائت، حالة الطوارئ، وأرسل سفنا وطائرات مقاتلة لتعزيز دفاعاته في أوروبا الشرقية. كما وضعت الولايات المتحدة نحو 8500 جنديّ في حال تأهب.
وعلى الرغم من تعدّد الوساطات والمبادرات لحلّ الأزمة الأوكرانية خلال الفترة الفائتة، إلّأ أنّ الناتو بقي مُصِرّاً على إمكانية اندلاع الحرب على الحدود الأوكرانية الروسية، ودعت العديد من الدول رعاياها لمغادرة أوكرانيا.
رسم هذا المشهد حالة من الترقّب، وشكّل مادة خصبة لمروجي الأخبار الزائفة، لنسج الروايات المُلفَّقة وفبركة الصور والفيديوهات؛ معلنين، تارة، عن قدوم ساعة الصفر، وانطلاق الجيوش نحو المعركة، عبر نشر صور وفيديوهات مزيّفة تدعم ادعاءاتهم. وتارة أخرى، عن تحذيرات روسية أو انسحاب قوات روسيّة. واختلفت الأخبار مع اختلاف الحدث المرافق لها. ونستعرض هنا أبرز الأخبار التي رصدها "مسبار" في هذا الخصوص.
الناتو يُصر على وجود تهديد روسي بغزو أوكرانيا
نشر "مسبار" مدوّنة بعنوان "البنتاغون يتّهم روسيا بالتخطيط لفبركة فيديو كي تُبرّر غزوها لأوكرانيا"، تتناول تحذيرات أميركية من هجوم روسي على أوكرانيا، قائمة على معلومات استخبارية. وتتضمّن اتهام البنتاغون لروسيا، بسعيها لفبركة فيديو تُظهر فيه هجومًا أوكرانيًا عليها، من أجل حصولها على مُبررات لغزو أوكرانيا.
ومع إصرار حلف الناتو على واقعية الغزو الروسي المُرتقب، نشر مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي أخبارًا زائفة ومضلّلة، تروّج لبدء العملية العسكريّة الروسية بالفعل.
ومن جملة الأخبار التي رصدها "مسبار" صورة مضلّلة زعم متداولوها أنّها لمنظومة صواريخ روسية في طريقها إلى الحدود الأوكرانية، ليتبيّن أنّ الصورة قديمة وتعود إلى عام 2014، أثناء مرور مركبة عسكرية تحمل منظومة صواريخ S-400 الروسية، خلال عرض عسكريّ في موسكو.
وانتشر مقطع فيديو زعم ناشروه أنّه لجنود روس يرقصون أثناء تقدمهم نحو الحدود الأوكرانية، ليتّضح أنّه قديم ومنشور منذ عام 2018 على أنّه لفرقة موسيقية تابعة للقوات المسلحة الأوزبكية وهم يرقصون في مترو العاصمة طشقند، ضمن فعالية نظمتها وزارة الدفاع، بمناسبة إحياء ذكرى انتصار الاتحاد السوفييتي على النازية، إبان الحرب العالمية الثانية.
كما تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، زعموا أنّه لقوّات روسية متوجّهة إلى الحدود مع أوكرانيا، إلّا أنّه قديم ومنشور منذ شهر آب عام 2018، حين رصدت بعثة التفتيش التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)، حركة دخول وخروج شاحنات عبر الحدود الأوكرانية بطريقة غير شرعية.
وفي السياق نفسه، انتشرت صور لحشد الجيش الروسي على الحدود الأوكرانية حديثًا، ولكن الحقيقة تقول إنّها منشورة منذ 29 من أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، وهي لجنود أوكرانيين كانوا بمُدرّعاتهم، في طريقهم قرب بلدة ديفيتشكي، التابعة للعاصمة الأوكرانية، كييف.
وتناولت الأخبار المفبركة القوّات البحرية الروسية، إذ انتشرت صورة زعم مستخدموها أنّها لمدمرة روسيّة في عرض البحر، وبعد التحقّق تبيّن أنّها للمدمّرة الأميركية DDG -72. ونُشرت مرفقةً بخبر توجّهها إلى البحر المتوسط منذ 19 من أغسطس عام 2015. وعمل ناشرو الادعاء على وضع العلم الروسي بدلاً من الأميركي وحذف الرقم الخاص بالمدمّرة.
وطالت الأخبار الزائفة أيضًا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي انتشر له مقطع فيديو ادّعى ناشروه أنّه يظهره بصدد تناول الفطور، أثناء الحديث عن الحرب على أوكرانيا. وأظهر التحقّق أنّ بوتين كان يتناول الفطور في أحد مطاعم مدينة دريسدن الألمانية، خلال زيارة له أجراها إلى ألمانيا عام 2006.
كما تحقّق "مسبار" من خبر إعلان روسيا غزوها لأوكرانيا يوم الثلاثاء 15 من فبراير الجاري، وكشف أنّه مضلّل.
من جهة ثانية، انتشرت أخبار حول الجانب الأوكراني، وتمّ تداول مقطع فيديو، على أنّه لإلقاء القبض على أحد الانفصاليين بعد نشر صور له وهو يدوس علم أوكرانيا. وكشف "مسبار" أنّ مقطع الفيديو عبارة عن صور قديمة تعود لعام 2015، وهي لأحد المرتزقة الروس الذين قاتلوا حينها في معارك ديبالتسيف ضدّ أوكرانيا.
انسحاب بعض القوات الروسية عن الحدود مع أوكرانيا
بتاريخ 15 من شباط الجاري، أعلن المُمثِّل الرسمي لقوات الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف، عن بدء عودة بعض القوات الروسية المنتشرة بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، إلى وحدة الانتشار الدائم بعد اكتمال فعاليات التدربيات القتالية. عوامل عديدة أدّت إلى إصدار البيان الروسي، الذي جاء بعد المفاوضات المستمرة بين روسيا والغرب، وزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى روسيا في 7 من شباط الجاري، وزيارة المستشار الألماني، أولاف شولتز إلى واشنطن، وإبداء أوكرانيا نيّتها من لندن، بالتراجع عن دخول حلف الناتو.
في هذا الوقت انتشر عدد من الأخبار الزائفة والمضللة حول انسحاب القوات الروسية عن الحدود مع أوكرانيا. ورصد "مسبار" خبرًا يذكر أنّ جميع القوات الروسية انسحبت من المكان، وكشف أنّه مضلّل.
كما رصد صورة ادعى ناشروها أنّها لانسحاب القوات الروسية، ليتبيّن أنّها قديمة سبق ونشرتها وكالة RUSSIA'S ARM على أنّها لتدريب أجرته وحدات الدبابات في المنطقة العسكرية في ميدان تدريب شيباركلسكي، وهي من التقاط المصور الروسي ألكسي كتايف Alexei Kitaev.
وورد ادّعاء ينطوي على إثارة، يقول إنّ أوكرانيا أقامت احتفالات يوم 15 من فبراير الجاري، بسبب عدم غزو روسيا لها، بينما اتّضح أنّ الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، أعلن في 14 من شباط الجاري، اليوم التالي يوم وحدة، في ظلّ التهديدات الروسية على أوكرانيا.
كان هذا بعضًا من الأخبار الزائفة والمضللة التي رصدها "مسبار" حول الأزمة الأوكرانية، حتى هذه اللحظة، وهي متواصلة في ظلّ حديث للرئيس الأميركي، جو بايدن الأربعاء في 16 من شباط عن استمرار التهديد الروسي، وقصف انفصاليين أوكرانيين في 17 من الشهر الجاري، روضة للأطفال في لوهانسك، شرقي أوكرانيا.
المصدر : مسبار