هل يكون صاروخ "مجدل شمس" باب التسوية أم نفق الحرب المظلم؟

2024.07.30 | 06:09 دمشق

آخر تحديث: 30.07.2024 | 06:09 دمشق

تشييع قتلى مجدل شمس بالجولان السوري المحتل
+A
حجم الخط
-A

على الرغم من حجم ما جرى في مجدل شمس في الجولان السوري المحتل والخلفيات المريبة لسقوط الصاروخ، والنفي الفج لحزب الله عن مسؤولياته المباشرة عنه، إلا أن ما جرى أعاد النقاش حول مصير المنطقة وإمكانية تطور الأمور لتشمل حربًا واسعة، لكن بدا من خلال محاولة الأطراف الدولية لمحاصرة ذيول ما جرى أن ظروف الحرب غير متوافرة حتى اللحظة.

ورغم أن هذه القناعة لا تعني أن مستوى التوترات سيبقى منخفضاً، لا بل على العكس فإن الرد الإسرائيلي سيرفع من منسوب التوتر والتصعيد، ولكن من دون الذهاب إلى الحرب الشاملة التي لا طاقة لكل الأطراف على تحمل تبعاتها المحتملة.

ويستند أصحاب هذه السردية إلى ردود الفعل الأميركية المتتالية على ما حدث في مجدل شمس، وخاصة أن العملية تزامنت مع وجود رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في واشنطن بعد خطاب الكونغرس ولقاءاته مع المسؤولين الأميركيين، والموقف الأميركي الذي صدر عقب سقوط الصاروخ رسخ معادلة واضحة وهي أن واشنطن تدعم إسرائيل في ردها على ما حدث في الجولان لكن شريطة أن يكون الرد مدروسًا ودقيق الأهداف.

والأكيد أن ما سمعه نتنياهو من المسؤولين الأميركيين قبيل مغادرته لمواكبة اجتماعات الرد والتقييم لما حدث، كان واضحًا لجهة اشتراط ألا يشكل الرد مدخلاً للانزلاق باتجاه حرب واسعة النطاق، وهذا الموقف بدا مهمًا ويرتكز على نقطة رئيسية ثابتة وهي أن إسرائيل غير قادرة على الدخول في حرب ومغامرة عسكرية مع حزب الله من دون غطاء ودعم أميركي واضح المعالم.

إن المسؤولين في الإدارة الديمقراطية اقترحوا على نتنياهو الاستفادة من العطلة الصيفية للكنيست الإسرائيلي للمضي في صفقة وقف إطلاق النار مع حماس.

بالتوازي، فإن الوفد الإسرائيلي الممتعض من تعاطي إدارة بايدن مع الزيارة، عبر مواقف النواب الديمقراطيين أولاً وما تسرب عن لقاء نتنياهو مع المرشحة المحتملة عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس من توترات وخلافات، إلا أن اجتماع نتنياهو بالرئيس الأميركي جو بايدن بدا باردًا وأعقبه على الفور موقف لمستشاره آموس هوكشتاين دعا فيه لضرورة إنهاء الحرب في غزة ولبنان، وهو ما يعني ضمنًا أن الإدارة تعارض الذهاب إلى الحرب المفتوحة في لبنان، وهو الطلب الذي حمله نتنياهو إلى البيت الأبيض وجرى رفضه.

وثمة من بات يعتقد أن نتنياهو بات محشورًا في الزاوية، وهو لم يعد قادرًا على تضييع مزيد من الوقت للهروب من إعلان قبوله بوقف إطلاق النار في غزة. فهامش المناورة بات يضيق جدًا، وهو ما قد يدفعه للذهاب إلى هذا الإعلان خلال الأسابيع المعدودة المقبلة.

ووفقًا للأجواء الأميركية فإن المسؤولين في الإدارة الديمقراطية اقترحوا على نتنياهو الاستفادة من العطلة الصيفية للكنيست الإسرائيلي للمضي في صفقة وقف إطلاق النار مع حماس، لذا فإن اجتماعات روما بين المسؤولين في الولايات المتحدة وقطر ومصر مع رئيس الموساد ديفيد برنياع شهدت تسليم إسرائيل لتعديلاتها على مسودة المقترح الأميركي للصفقة.

لكن نتنياهو ورغم كل التطمينات الأميركية يشعر أن إعلان وقف الحرب نهائيًا في غزة ولبنان سيؤدي إلى خروجه النهائي من المشهد السياسي، وخاصة أن الرأي العام الإسرائيلي لا يزال ملتزمًا بمعارضة أدائه السياسي مع تحميله مسؤولية معركة طوفان الأقصى والتي أصابت إسرائيل بعطب بنيوي، رغم تدميره معظم قطاع غزة، إلّا أنه يعرف أيضًا أن حماس والقسام تعيش في أنفاق صلبة وصعبة الاختراق، وهي لا تزال تقاتل بشراسة وتشيع أنها تستطيع الصمود لسنة على الأقل بالزخم الميداني نفسه.

بالمقابل، فإن ما جرى في مجدل شمس سيزيد التصلب الإسرائيلي بضرورة إيجاد حل دائم للجبهة الشمالية بكونها غير آمنة لعودة المستوطنين، وأن الخطر الأهم هو بقاء حزب الله حاضرًا على هذه الجبهة، ما سيمنع سكان مستوطنات الشمال من العودة إلى مدن الشمال وقراها.

لكن الوقائع الميدانية والتي يزود الجيش والمخابرات العسكرية الإسرائيلية للحكومة أن الحرب مع لبنان قد تبدو أكثر صعوبة من تلك الحاصلة الآن مع حماس والتي لم تؤدِّ غرضها المعلن، لأن وفق المعنيين فإن الحرب مع حزب الله ستعني دخول إيران وكل ميليشياتها وشبكاتها المتحالفة معها على خط الحرب، وهي النقطة التي استوجبت طلب نتنياهو مساعدة واشنطن كونها الوحيدة القادرة على منع إيران من التحرك في حال ذهب باتجاه التصعيد مع لبنان.

التطمينات شملت تأكيدًا أميركيًا بعدم السماح بضرب العاصمة بيروت، ما يعني أن حدود الضربة قد تتوزع بين منطقتي الجنوب والبقاع، أي في عقر دار بيئة الحزب.

لكن الأساس أنه بات لدى حكومة نتنياهو قناعة تامة أن واشنطن أعادت تفعيل خطوط تواصلها المباشرة مع إيران لعقد تفاهمات مرتبطة بالأمن الإقليمي، وهذا التواصل المفتوح برعاية إقليمية من سلطنة عمان ودولة قطر يهدف للجم التصعيد وعقد التفاهمات على مستوى الشرق الأوسط تحضيرًا لمرحلة ما بعد بايدن، والتي لا تعني بالضرورة وصول ترامب وخاصة أن ترشيح كامالا هاريس أعاد تنشيط الأداء الانتخابي للحزب الديمقراطي عبر إعادة استقطاب أصوات الشباب وشريحة اليسار الديمقراطي الرافض للحرب.

لذا فإن ردة الفعل الإيرانية الباردة على عملية مجدل شمس وما تلاها من تصعيد إسرائيلي، عبر السفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني الذي غرد مستبعدًا حصول حرب، وهو ما يثبت نظرية حصول تفاهمات بين واشنطن وطهران وتطمينات أميركية بعدم دعم أي مشروع حربي ضد حزب الله.

لذا وانطلاقًا من هذه الوقائع الميدانية والسياسية فإن إسرائيل عبر كل مستويات المسؤولين فيها على الإشارة أنها تتجه لتوجيه "ضربة مؤلمة" ولكن من دون أن تعني الذهاب إلى الحرب أثمانها كبيرة، بدليل أن كل التعزيزات العسكرية على الحدود مع لبنان لا تحاكي حصول أي تخطيط لحرب كبرى.

بالمقابل ورغم تأكيد حزب الله عبر مصادره وأدواته ومحلليه السياسيين، أنه غير ملزم بضمانات حول عدم الرد على أي استهداف إسرائيلي مرتقب، إلا أن الاتصالات المفتوحة والمتكررة منذ مساء السبت ولغاية اللحظة، بين المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين ورئيس مجلس النواب نبيه بري والمفاوض الرئيسي عن حزب الله تؤكد أن الجانبين يعملان على ترتيب صيغة الرد بالتنسيق مع حزب الله منعًا لأي انفجار قد يجري في المنطقة إذا ما بالغت إسرائيل في ردها، وخاصة أن التطمينات شملت تأكيدًا أميركيًا بعدم السماح بضرب العاصمة بيروت، ما يعني أن حدود الضربة قد تتوزع بين منطقتي الجنوب والبقاع، أي في عقر دار بيئة الحزب.

في النهاية، فإن الأشهر الثلاثة القادمة هي الفاصل بين الحلول أو التصعيد المؤدي للحرب، وخاصة إذا ما غامر نتنياهو بالسماع لأصوات المتطرفين بن غفير وسموتريتش وهذا المصير يعني أن اللهيب قد يطاول كل المياه الدافئة وصولًا للبحر الأحمر لحدود الخليج.