بينما يشن الروس هجوما على أوكرانيا، يعود رئيس الوفد الإيراني المفاوض (باقري كني) إلى طهران للحصول على تفويض سياسي بإقرار النسخة النهائية للاتفاق بين إيران والغرب. فالحرب في أوكرانيا شجعت على إتمام المحادثات، حيث يعتقد الإيرانيون أن واشنطن ستكون أكثر حرصا على تجنب أزمة ثانية تضرب قطاع الطاقة، وربما ستعمل على إعادة النفط الإيراني إلى أسواق الطاقة العالمية التي أصبحت في حاجة أيضا إلى الغاز الإيراني وخاصة بعد أن أوقفت ألمانيا التصديق على مشروع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" من روسيا.
شروط أفضل لإيران في الاتفاق النووي:
إن تصاعد الضغط على موسكو، وتوتر العلاقات بين وروسيا والدول الغربية يصب في مصلحة إيران، ويعتقد البعض أن التطورات المتعلقة بأوكرانيا ستدفع الإيرانيين لرفع السقف أكثر سعيًا للضغط على الطرف المقابل، فإيران قررت أن تقف أقرب إلى الخندق الروسي، وقال الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" لنظيره الروسي فلاديمير بوتين بعد ساعات على بدء الهجوم الروسي ضد أوكرانيا: "توسع الناتو شرقًا يعد منشأ للتوتر ويشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرار وأمن الدول المستقلة في مختلف المناطق، ونأمل أن يعود ما يحدث بالفائدة على الدول والمنطقة". فإيران ترى أن الأزمة الروسية – الأوكرانية قد تمنحها عدداً من الفرص والأهداف لتعزيز موقفها التفاوضي والتشدد في مواقفها في مفاوضات فيينا، وأن ارتفاع أسعار النفط سوف يسمح لها بالتوسع في تهريب نفطها.
الموقف الرسمي الإيراني طالب بضبط النفس، بينما امتنعت طهران عن التصويت على مشروع قرار الجمعية العامة الأممية حول أوكرانيا، ويأتي هذا الموقف مكملا للتنسيق الموجود بالفعل في المواقف بين روسيا والصين.
صحيح أن روسيا وإيران حليفان تكتيكيان في الصراع السوري، وتتقاطع مواقفها في السياسة الخارجية عموما، إلا أن ذلك لا ينفي التنافس بينهما في سوق الطاقة العالمية. وقد استفادت الشركات الروسية من العقوبات على إيران، التي تمتلك ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي ولكنها عاجزة عن بيعه في الأسواق.
تداعيات الأزمة الأوكرانية على سوريا:
تطمح إيران أن تؤدي هذه الأزمة إلى تقليص حجم التنسيق الروسي – الإسرائيلي في سوريا، خاصة بعدما دان وزير الخارجية الإسرائيلي "يائير لابيد" الهجوم الروسي على أوكرانيا، إذ تأمل طهران أن تتجه موسكو للرد على هذا الموقف، بحيث لا يقتصر على اعتراف موسكو بالسيادة السورية على الجولان، ولكن كذلك تفعيل منظومات الدفاع الجوي الروسية في مواجهة الطيران الإسرائيلي، بما يخفف الضغط العسكري الإسرائيلي على التحركات الإيرانية في سوريا. وتزايد أنشطة الميليشيات الإيرانية.
على الطرف النقيض يرى محللون أن الموقف الإيراني قد يكسبها عداء موسكو، ويؤثر على التعاون المشترك بينهما، بعدما صرح وزير النفط الإيراني جواد أوجي، "أن بلاده قادرة على تصدير الغاز إلى دول الجوار والدول الأوروبية، وأن إيران شهدت اكتشافات جديدة للغاز في السنوات الماضية"، رغم أن موسكو أكدت أنها ملتزمة بتزويد الأسواق الأوروبية بالغاز بغض النظر عن التطورات الحالية، في مؤشر على سعي موسكو لإبعاد المنافسين المُحتملين من السعي لتعويض صادرات الغاز إلى أوروبا، وعلى رأسهم قطر وإيران.
ولذلك هناك احتمال أن تغير موسكو من سياستها، وتتجه إلى طرد القوى المناوئة لها من سوريا بشكل مباشر، خاصة إذا ما تمكنت موسكو من حسم الصراع الأوكراني لصالحها.
قلق وتخوف إسرائيلي:
إسرائيل متخوفة من التمدد الإيراني في سوريا، وعبر عن هذا التخوف المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس"، يانيف كوبوفيتش" حين كتب: يقول مسؤولو الجيش الإسرائيلي إنهم قلقون من أنه كجزء من محاولة تقريب إيران من روسيا، سيمنح بوتين طهران مزيدًا من الحرية للعمل في سوريا-أكثر بكثير مما تود إسرائيل رؤيته.
بما يمكن ترجمته أنه يمكن لبوتين أن يحد من قدرة الجيش الإسرائيلي على العمل من الجو ضد الوجود الإيراني في سوريا، وقد تنقل روسيا أسلحة متقدمة إلى سوريا ودول أخرى لخلق توازن رعب لمواجهة الغرب بالشرق الأوسط.
إن من شأن الانحياز الإسرائيلي الصريح للموقف الأميركي والغربي أن يكلف إسرائيل مخاطر أمنية شديدة سواء على جبهة المواجهة المفتوحة مع إيران في سوريا ولبنان، أو حتى على حدود إسرائيل الجنوبية مع قطاع غزة، أو حتى يسبب تقييد حرية الجيش الإسرائيلي في العمل وتعطيل التكنولوجيا العسكرية والمدنية في إسرائيل. لا سيما إذا ما اختارت موسكو أن تضايق إسرائيل، حيث غضت روسيا الطرف سابقا عن تنفيذ إسرائيل لمئات الهجمات الجوية على أهداف تابعة لإيران و"حزب الله" اللبناني في سوريا.
قال تقرير نشره موقع "إسرائيل ديفينس"، إنه "حتى ولو عادت طهران إلى الاتفاق النووي، فإنها ستفعل ما في وسعها من أجل امتلاك السلاح النووي، وإن أي فرضية أخرى، بالتحديد مع استخلاص دروس غزو أوكرانيا، ستعني أن الإيرانيين لا يمتلكون قدرا من العقلانية".