icon
التغطية الحية

هل تحقق إدلب معجزة توحد الفصائل وتنهي سيناريو الفشل بالاتفاق؟

2019.07.24 | 13:07 دمشق

مقاتلون من الفصائل العسكرية في معركة ريف حماة الشمالي (تلفزيون سوريا)
عمر الخطيب - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

ما تزال تعاني الثورة السورية من تفرق قواها السياسية والعسكرية، وإن كان تشرذم الجسم السياسي للثورة أفقدها الكثير من التأييد الشعبي والاحترام، فإن الفصائل العسكرية على اختلاف اتجاهاتها ما تزال تحظى بتأييد كبير نوعاً ما، على الرغم من تشرذم هذه الفصائل الذي أدى في أحيان كثيرة إلى الاقتتال فيما بينها.

 ولكن مع الحملة الحالية على الشمال السوري من قبل النظام وروسيا وخطورتها الكبيرة على آخر المناطق المحررة في سوريا، عادت الدعوات لتوحيد الفصائل، أو تحالفها على الأقل تحت قيادة واحدة، خصوصاً وأن الفصائل استطاعت إيقاف الحملة الحالية للنظام وروسيا على الشمال السوري، والتي وصفت بأنها الأشرس نسبة لعدد الغارات والقوة النارية التي تستخدمها روسيا، وانتقال الفصائل من حالة الدفاع إلى الهجوم في بعض المناطق جعل موسكو، بحسب تقارير إعلامية، تبدأ البحث عن إعادة إحياء اتفاق خفض التصعيد، وبحسب هذه التقارير، التي لم يتم تأكيدها بعد، فالروس يعرضون العودة لخطوط ما قبل الحملة، وبكل الأحوال سواء صحت هذه التقارير أم لا، فالتفاوض قادم.

خلافات قاتلة

لطالما كانت الخلافات بين الفصائل هي بوابة للتدخلات الإقليمية، بالإضافة لتلاعب النظام بها، وتم رسم سيناريو تكرر على مدى السنوات، يتلخص بحصر بعض المعارك مع النظام بمنطقة ما، مع التزام باقي الفصائل في مناطق أخرى الصمت والتجاهل، وفي بعض الأحيان تحاول الفصائل الصامتة درء تهمة الصمت بتصرف عاد على السوريين المعارضين بالوبال، ليتحول الصمت إلى كلام عاطفي ورشق الشعارات هنا وهناك ومن ثم انطلاق الاتهامات وتحميل المسؤولية للآخرين، وهذا ما رأيناه بوضوح في العامين الماضيين اذ استطاع النظام المدعوم روسياً وإيرانياً من الاستفراد بالمناطق المحررة منطقة تلو أخرى، وأحياناً بلدة تلو أخرى.

الدعوات المتجددة والمتكررة للتوحد تحت قيادة مشتركة بعد كل مواجهة مع النظام، لم تصل لأكثر من إنشاء غرف عمليات مشتركة بين بعض الفصائل، وفي أحيان قليلة تمكنت هذه الغرف من تحقيق بعض الإنجازات تحت تأثير الضغط الشعبي، لكنها ما تلبث أن تتفكك بعد انتهاء المعارك. ويعيد الكثير من المراقبين السبب في عدم توحد الفصائل تحت مسمى واحد إلى اختلاف مشاربها وألوانها بالإضافة لدور الكفيل الإقليمي أو الدولي.

العدو المشترك ليس كافياً لتنحية الخلافات

أثبتت السنوات الماضية أن اشتراك الفصائل عدائها لجهة واحدة ليست سبباً كافياً للتعاون، فاتفاقها على محاربة النظام وداعميه لم تمنعها من الاقتتال فيما بينها، بل وطلب الموافقة سواء من الداعم "الدولي" أو حتى من الفصيل الأقوى، للاشتراك في التصدي لحملات النظام وروسيا، كما حدث في الحملة الحالية على إدلب حيث تأخرت مشاركة "الجبهة الوطنية" حتى وافقت هيئة تحرير الشام على ذلك.

والخلاف بين الفصائل يبدأ من اختلاف الإيديولوجيات فيما بينها وصولاً إلى حب التملك والنزاع على الموارد الاقتصادية، وبرغم انتماء معظم الفصائل الكبرى الرئيسية للتيار الإسلامي، لم تستطع حتى هذه الفصائل الوصول لتفاهمات حقيقية بل شاهدنا عدة صراعات فيما بينها وكانت هيئة تحرير الشام، الطرف الرئيسي في معظم هذه الصراعات.

وتميل الفصائل دائماً إلى لوم الهيئة على فشل مشاريع توحيد الفصائل، ومن جهتها لا تقصر الهيئة في وضع اللوم على الفصائل، ليبق المشهد كما نراه اليوم: مجموعة كبيرة من الفصائل المتفرقة على بقعة جغرافية محدودة هي الأخيرة التي بقيت تحت سيطرتهم، بمواجهة تحالف روسي إيراني مع قوات النظام، فمن يتحمل مسؤولية فشل مشاريع الاندماج، وهل هناك أي فرصة حقيقية، بعيداً عن الكلام العاطفي لقادة الفصائل، لتحقيق شكل من أشكال الاندماج أو الشراكة المستدامة مع هيئة تحرير الشام وهل تتحمل لوحدها فعلاً فشل المشاريع السابقة؟ وإذا سلمنا جدلاً بمسؤولية الهيئة فماذا عن المناطق الأخرى التي لم يكن للهيئة تواجداً كبيراً فيها؟ لماذا لم تنجح في توحيد كلمتها؟

هيئة تحرير الشام الرقم الصعب

تشكل هيئة تحرير الشام "النصرة سابقاً" ، مفصلاً هاماً ضمن الخارطة العسكرية للفصائل السورية، وكانت سرعة نموها وازدياد نفوذها لافتاً، وبعيداً عن الأسباب التي سمحت للهيئة بذلك فهي تعتبر الآن الأكثر نفوذاً في الشمال السوري المحرر، وعرفت الهيئة منذ إنشائها الكثير من دعوات التحالف والاندماج وانخرطت فعلاً في عدة مشاريع، ولكنها باءت جميعها بالفشل، بل قامت الهيئة بمهاجمة أكثر من 14 فصيلاً سورياً آخر بينها فصائل تتبنى نفس الاتجاه الإسلامي للهيئة، وكان آخرها فصيلي "نور الدين زنكي" و "حركة أحرار الشام" التي لطالما كانت تعتبر المعادل وعامل الأمان بوجه طموحات و"تعديات" هيئة تحرير الشام.

تظهر أدبيات هيئة تحرير الشام وتصريحات قادتها و"شرعييها" بعض أسباب عدم تمكنها من الدخول بشكل حقيقي في أي تحالف مع باقي الفصائل، حيث أنها تطالب للاشتراك في أي مشروع توحيدي أن يتبنى فهمها المتشدد لتطبيق الشريعة الإسلامية "حاكمية الشريعة" بالإضافة لرفضها العملية السياسية. وكما يبدو واضحاً في سلوك الهيئة عدم استعدادها لتحمل أي مسؤولية عن المعارك التي خاضتها ضد الفصائل السورية سواء من الجيش الحر أو الإسلامية، وبالتالي عدم التراجع عن مكتسباتها من هذه المعارك، ويظهر سلوك الهيئة بوضوح أن طموحها وثقتها بقوتها ولا سيما بعد سيطرتها على المعابر التجارية للشمال السوري،  دفعت الهيئة للاعتقاد بقدرتها منفردة على السيطرة على بقية الفصائل، وبذلك لطالما كانت التحالفات وغرف العمليات مؤقتة يعقبها غالباً مهاجمة الهيئة للفصائل وأحيانا هذه الفصائل تكون ذاتها التي تحالفت معها مثل "نور الدين زنكي" و"أحرار الشام".

وكذلك باقي الفصائل

وبعيداً عن هيئة تحرير الشام فشلت كذلك الفصائل الأخرى التي تتبنى ما تسميه بـ"المشروع الإسلامي" إتمام أي من مشاريع الاندماج أو التنسيق فيما بينها، ومن جديد لا بد التفريق بينها، حيث يضم طيف هذه الفصائل مختلف التيارات الإسلامية من أكثرها تشدداً أو غلواً، بحسب التعبير المستخدم، إلى الوسطية المعتدلة وما بينهما، ويغلب على معظم هذه الفصائل الاتجاه السلفي بفرعيه الدعوي والجهادي، مثل حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام وجيش الإسلام، ولطالما تماهت خطاباتها بحيث لا يكاد المراقب إدراك الفوارق فيما بينها.

ويمكن حصر أسباب فشل مشاريع الاندماج بأن التبعية والولاء الحقيقيين بعيدين عن الشعارات المرفوعة، فالفكر السلفي يرفض مبادئ الديمقراطية والحرية ومفهوم تداول السلطة بل إنه حذر جداً في استخدام كلمة الثورة والخروج على الحاكم، كما أن حب السلطة يغذي وهم هذه الفصائل بإمكانية السيطرة على غيرها، واخيراً التماهي مع طلبات الداعم ونظرة كل فصيل لنفسه على أنه الممثل الوحيد وصاحب المشروع الإسلامي الحقيقي، هذه الاختلافات أفشلت مشاريع التحالف والاندماج، وأدت إلى عداء حقيقي بين هذه الفصائل ونشوب معارك فيما بينها.

من جهته ولأسباب مشابهة بالإضافة لقلة الموارد والمناطقية والاستهداف من قبل الفصائل الإسلامية فشلت فصائل الجيش الحر أيضاً في التفاهم فيما بينها ولم تقدم أي شكل وحدوي حقيقي.

 وتقدم تجربتي "جيش الفتح" و "فصائل الغوطة الشرقية" أمثلة واضحة عن الفشل في اختراق الفرقة والاختلاف بين الفصائل مع النتائج الكارثية التي نجمت عن فشل كلتا التجربتين.

جيش الفتح.. تجربة لم تكتمل

في 24 آذار 2015 أعلنت سبعة فصائل عن تأسيس غرفة عمليات مشتركة باسم "جيش الفتح" واستطاع جيش الفتح، الذي أصبح أقرب للتحالف منه لغرفة عمليات مشتركة، خلال فترة قصيرة من تأسيسه تحقيق نجاحات كبيرة في مواجهة النظام حيث تمكن من تحرير مدينة إدلب، 28 آذار، ومدينة جسر الشغور الاستراتيجية، 25 نيسان، ومعسكر معمل القرميد بالإضافة للعديد من الإنجازات اللاحقة حيث عادت غرفة عمليات جيش الفتح لتنشط مع حصار النظام المدعوم روسياً وإيرانياً لأحياء حلب الشرقية وصولاً لانهيار هذا التحالف بل والهجوم على بعض مكوناته من قبل جبهة النصرة، هيئة تحرير الشام حالياً.

تعتبر تجربة جيش الفتح من أهم المشاريع التوحيدية، وتقدم قصة صعود هذا التحالف وانهياره الكثير من الدلالات، فجيش الفتح كان الدليل العملي على الأهمية الكبيرة والضرورية لوجود نوع من الاندماج أو التحالف بين مختلف الفصائل الثورية السورية، ومن جهة أخرى فانهياره يشير بوضوح إلى العوامل التي منعت وتمنع وجود هكذا تحالفات وأسباب فشل مختلف مشاريع الاندماج. 

عند إعلان غرفة عمليات جيش الفتح كان يتكون من سبع فصائل وهي: حركة "أحرار الشام الإسلامية"، "جبهة النصرة"، "جند الأقصى"، "فيلق الشام"، "جيش السنة"، "أجناد الشام"و"لواء الحق"، وتنتمي جميع هذه الفصائل للتيار الإسلامي، ولما اعتقد الجميع أن الإيديولوجية الموحدة للفصائل ستحمي التحالف وربما تحوله لاندماج كامل، أثبتت الأحداث أن اختلافات كبيرة موجودة بين الفصائل وهي ما ستؤدي إلى انهيار التجربة، ويرى بعض المراقبون أن فشل تجربة جيش الفتح بالاستمرار والانتقال إلى حلف عسكري حقيقي، كان له دوراً مهماً في سقوط حلب لاحقاً.

وكان "جند الأقصى" أول المنسحبين في تشرين الأول 2015 قبيل إطلاق جيش الفتح معركة كبرى للسيطرة على مدينة حماة، وعزا الفصيل يومها انسحابه بسبب ما قال، في بيان له، أن بعض فصائل الفتح وقعت على "بيانات تتعارض مع الشريعة الإسلامية" وبسبب طلب حركة أحرار الشام مهاجمة تنظيم "الدولة" وهو ما يرفضه "جند الأقصى" وأرجع المراقبون وقتها السبب الرئيسي للانسحاب إلى رفض الفصيل مواجهة تنظيم الدولة رغم أن الجند في بيانهم أعلنوا عدم صحة "الخلافة التي أعلنها تنظيم "الدولة".

انسحاب جند الأقصى وما تلاه من انسحابات، تخللتها محاولات عديدة لرأب الصدع وإعادة الزخم لجيش الفتح، كشفت عن عمق الاختلافات بين الفصائل المنتمية للتيار الإسلامي من حيث فهمها للثورة السورية وأهدافها، ما بين من وافق على أن الهدف هو الوصول إلى دولة ديمقراطية وشارك في الاجتماعات مع الموفدين الدوليين، وبين من رأى أن هدف "الجهاد" هو "تحكيم الشريعة" ويرفضون مبدأ الدولة المدنية والديموقراطية والتفاوض.

ويرى الناشط أبو حسان أن قيادة حركة أحرار الشام الجديدة التي خلفت القيادة التاريخية، تم اغتيال معظم قيادات الصف الأول للحركة في تفجير مكان اجتماعهم في أيلول 2014، "تتبنى الفكر الوسطي للإخوان المسلمين" ونادت بالدولة المدنية وشاركت عبر مندوبيها في بعض اللقاءات الدولية بعكس القيادات التاريخية للحركة ذات التوجه السلفي، وبحسب أبو حسان فجماعتا "جند الأقصى"و"جبهة النصرة" اعتبرتا ذلك انزياحاً عن "السلفية الجهادية" وبالتالي نشأت خلافات بدأت مع انسحاب الجند ومن ثم انشقاق جماعة من أحرار الشام تحت اسم "جيش تحرير الشام" وتحالفها لاحقاً مع النصرة، وتصاعدت الاشتباكات بين النصرة وأحرار الشام، وصولاً إلى تمكن جبهة النصرة من السيطرة شبه الكاملة على محافظة إدلب وإخراج حركة أحرار الشام منها.

فصائل الغوطة.. المناطقية والتنافس

ولم يكن حال فصائل الجيش الحر بأفضل، حيث نشأت كذلك عدة تحالفات وغرف عمليات لكنها بقيت تجارب وقتية تتعلق بعمل عسكري وتنتهي بانتهائه، وتشكو فصائل الحر من مناطقيتها وصغر حجمها، بالإضافة لضعف التسليح والدعم بعكس الفصائل الإسلامية التي تتمتع بأعداد أكبر وتسليح أفضل، وأدى تمسك هذه الفصائل بمناطقهم ومكتسباتهم إلى فشل محاولات التحالف فيما بينها ناهيك عن الاندماج.

وتقدم تجربة "جيش الإسلام" كفصيل "جهادي" ينتمي للسلفية الدعوية و"فيلق الرحمن" كأحد فصائل الجيش الحر بالغوطة الشرقية جوانب أخرى لفهم أسباب التشرذم والفرقة بين الفصائل، فالفصيلان يتواجدان في منطقة جغرافية شديدة الأهمية، حيث يحاذيان مدينة دمشق وكانت الأحداث والصراعات الداخلية في الغوطة أدت  في نهاية الأمر إلى سيطرة الفصيلين على معظم الغوطة الشرقية.

وبالرغم من خضوع الغوطة للحصار فقد باءت كافة محاولات توحيد الفصيلين بالفشل وصولاً للاقتتال فيما بينهما في ظرف شديد الحساسية، فمع بدأ النظام وروسيا حملة عسكرية ضخمة على الغوطة الشرقية، أدت بالنهاية إلى سقوط الغوطة، كان الاقتتال بين الفيلق والجيش أحد أهم أسباب خسارة الغوطة الشرقية، وكان المشهد سريالياً للغاية حين اتجه كلا الفصيلين لأماكن منفصلة في الشمال المحرر بسبب العداء بينهما، حيث تم إخراجهم من الغوطة الشرقية إلى الشمال بناءً على اتفاق مع روسيا.

تجارب التوحيد وإنشاء كيانات عسكرية موحدة للغوطة لم تتوقف وقامت الفصائل في الانخراط في عدة كيانات سواء تابعة للجيش الحر كالجبهة الجنوبية أو إسلامية الهوى مثل "الجبهة الإسلامية" و"الفسطاط"، ولكن هذه التحالفات والكيانات لم تصمد ولم تستطع منع الصدامات البينية لا سيما مع طموح جيش الإسلام للسيطرة على الغوطة الشرقية، واعتقاده بأنه يجب أن يكون الممثل الوحيد لفصائل الغوطة، وسعيه المحموم للسيطرة على المعابر التي كانت مصدراً مهماً ورئيسياً للأموال والنفوذ.

 اختلال المشهد

ربما أن تغلب الفصائل على اختلافاتها يبدو بعيداً وصعباً، ولكن الحملة الحالية على إدلب وما حدث في السنتين الماضيتين من خسارات متكررة للمناطق برهن على عدم قدرة أي فصيل منفرداً على المواجهة لوحده، و"عدم القدرة" هذه هي الدافع الحقيقي الوحيد للفصائل للاتجاه إلى تجاوز ما يفرقها، حيث من الواضح أن كل الآمال التي عقدها البعض على موقف دولي أو دعم اقليمي هي مجرد وهم غير مبرر، فالعالم الآن غارق في مشاكل صعود الشعبوية المتطرفة ولن يتحرك إلا عند اختلال المشهد السوري، وأن تكون الفصائل السورية هي من يخل بالتوازن الموجود عبر تشكيل قيادة مشتركة يعني أن التدخل الدولي سيكون لمصلحتها.