منذ وصول نصر الحريري إلى رئاسة الائتلاف الوطني السوري، بموجب انتخابات الهيئة العامة بدورتها الـ 51، بدأ بجملة من الإجراءات تهدف إلى إنهاء حالة الجمود أو العطالة السياسية التي تمر بها هذه المؤسسة على مستوى التمثيل والرؤية وآليات العمل والتعاون والاستقلاليّة والاستحقاق الانتخابي والحوكمة.
وخلال فترة تزيد بقليل عن 4 أشهر قام نصر الحريري بتشكيل اللجنة السورية – التركية في 24 تموز/ يوليو، وإنشاء لجنة الحوار الوطني، وإقرار وثيقة الخطاب الوطني في 17 أيلول/ سبتمبر، والاستعداد لنقل ممثلية الائتلاف الوطني من تركيا إلى سوريا بعقد الدورة 53 للهيئة العامة في اعزاز لأول مرة، وتشكيل مفوضية وطنية للانتخابات في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر.
لكن هناك ما يدعو للتشكيك بوجود نوايا جادة لدى رئاسة الائتلاف الوطني والهيئة السياسية للدخول في مسار يقضي بتفعيل خطة للإصلاح، وأنّ تلك الإجراءات المتخذة تهدف بالدرجة الأولى لاحتواء نشاط القوى السياسية والمدنية التي قد تشكّل مصدر تهديد مستقبلاً لدوره ومكانته في الوقت الذي يسعى فيه لإعادة إنتاج نفسه كممثل لقوى الثورة والمعارضة السورية.
وعليه، يأمل الائتلاف الوطني بأن تساهم اللقاءات التشاورية مع الكيانات السياسية والفعاليات المدنية بالتسويق لوجود رغبة في الإصلاح، عبر فتح مسارات للحوار تساهم في تحديد وتأطير العلاقة معه، لكن دون وجود رؤية واضحة تتعلّق بعملية التوسعة والتمثيل وبتجاوز أيّ نقاش يتطرّق إلى إعادة صياغة النظام الداخلي كشرط مسبق.
لقد تحوّل الائتلاف الوطني السوري خلال السنوات السابقة إلى نموذج حزبي مغلق من حيث التمثيل والأداء وحتى الخطاب
افتقرت الإجراءات التي اتخذها الائتلاف الوطني إلى الشفافية، فلا يُمكن الاكتفاء بتقديم الوعود حول الرؤية وخطة العمل المستقبلية، أو تقديم استعراض إخباري لوثيقة الخطاب الوطني دون عرضها كاملة. هذا عدا عن غياب المصداقية، إذ لا يُمكن الدعوة إلى تشكيل مفوضية للانتخابات تقوم، في أحد مهامها، على تنظيم محاضرات وندوات توعية عن الاستحقاق الانتخابي، في الوقت الذي تعتمد به انتخابات الهيئة العامة لديه على مبدأ المحاصصة.
لقد تحوّل الائتلاف الوطني السوري خلال السنوات السابقة إلى نموذج حزبي مغلق من حيث التمثيل والأداء وحتى الخطاب، ولا بدّ أنّ لديه مخاوف من أن تتسبب أيّة توسعة شاملة في صفوفه بتقليص الامتيازات التي يحظى بها أعضاؤه، والقائمة على المكانة بالدرجة الأولى، لكنّه أيضاً قد يفقدها في حال استمرّ تواصل الكيانات السياسية والفعاليات المدنية فيما بينها على نحو وثيق، بما قد يؤسس للدعوة إلى إعادة النظر في الصفة والدور اللذين يشغلهما الائتلاف.
خصوصاً وأنّ الدافع الذي تم تأسيس الائتلاف الوطني السوري بموجبه في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، لم يعد موجوداً، فلا هو التزم بتطبيق البنود الاثني عشر التي تم الاتفاق عليها، ولا هو قادر على الاحتفاظ باحتكار صفة الممثل الوحيد للقوى الوطنية والمعارضة، فهيئة التفاوض السورية منذ تأسيسها عام 2017، لم تلتزم بالوظيفة الأساسية التي تشكّلت على أساسها، وهي تمثيل المعارضة في مباحثات العمليّة السياسيّة، بل عملت على مزاحمة الائتلاف في مهام التمثيل الخارجي وتصدير المواقف السياسيّة وغيرها.
نظريّاً، تبدو خيارات الائتلاف الوطني السوري واسعة؛ لكنّها مرتبطة بمدى قدرته على الاستجابة لمطالب الإصلاح ومستوى الجرأة في اتخاذ القرار، وإلّا فإنّ مساعي إعادة إنتاج نفسه كممثل لقوى الثورة والمعارضة السورية قد تواجه انسداداً في ظل غياب الجدية والمصداقية والشفافية.
يستطيع الائتلاف الوطني الاستمرار في كسب الوقت وتقديم الوعود للكيانات السياسية والفعاليات المدنية، لكنّه لا يضمن أن تحافظ هذه السياسة على قدرته في التأثير على اتجاهات وأنشطة تلك القوى، في ظل التآكل المستمر للثقة المتبادلة، والدعوة بين الفترة والأخرى لتشكيل بديل عبر مؤتمر وطني عام.
وإذا كان الائتلاف الوطني جاداً في الإصلاح، ومتخوفاً بنفس الوقت من نتائجه، فلا يُمكن الاعتماد على مجرد إجراءات تهدف بالدرجة الأولى لاحتواء القوى السياسية والمدنية والرأي العام، ولا بدّ له أن يقود بنفسه الدعوة إلى مؤتمر عام يشمل إعلان نظام داخلي جديد بما يعيد تعريف دور وصفة وطبيعة هذه المؤسسة، سواءً كممثلية سياسية أو برلمان تمثيلي.
أمّا حفاظ الائتلاف على واقعه دون تغييرات جذرية، سيقود تباعاً إلى قبوله بوقائع جديدة تفرضها الظروف الداخلية والخارجية، مثلما حصل حين اضطر للقبول بالتنازل عن ملف مباحثات العملية السياسية لصالح هيئة المفاوضات السورية، بحيث يصبح إحدى منصات المعارضة السورية التي تمتلك حق التمثيل والمشاركة، على غرار منصات أخرى كالقاهرة وموسكو، أو يصبح حزباً سياسياً كبقية أحزاب المعارضة السورية.
عموماً، إنّ استمرار التعاطي دون مسؤولية من قبل الائتلاف الوطني مع جملة التحديات التي تواجهه، لن يؤدي إلى اقتصار النتائج والتأثير فقط هذه المؤسسة؛ من ناحية خسارة السقف الذي يأمل بتحقيقه أو الحفاظ عليه، بل قد يؤدي إلى مزيد من التراجع في العملية السياسية، مما قد يدعو للتساؤل دائماً بإلحاح متى يعيد الائتلاف الوطني السوري تعريف نفسه؟