تتوالى الأخبار عن قرارات حول إعادة قسرية للاجئين السوريين والفلسطينيين من بلدان أوروبية إلى سوريا في الآونة الأخيرة، وقد تصدرت ذلك كل من الدانمارك والسويد، لكن الأمر حقيقة بدأته دول عربية منها لبنان، فمنذ عام 2017 أطلقت بعض الشخصيات السياسية يتقدمهما الوزير السابق جبران باسيل الدعوات إلى عودة اللاجئين إلى سوريا، وقد انعكس ذلك سلباً على أوضاع اللاجئين لجهة زعزعة مركزهم القانوني في البلاد وتوتر علاقاتهم مع محيطهم الاجتماعي.
كما ضغطت السلطات اللبنانية على المفوضية كي تنظم عمليات العودة بالرغم من الظروف الخطيرة التي قد تنتظر العائدين، في حين قالت المفوضية حينذاك إنها لا تستطيع تشجيع عودة اللاجئين أو تسهيلها قبل تيقّنها من أن الوضع في سوريا آمن.
ثم تواترت أخبار قرارات الإعادة القسرية، وتصاعدت هذه القرارات تزامناً مع عقد مؤتمرات العودة للاجئين السوريين التي نظمتها السلطات السورية بتعاون وتشجيع وإيعاز من الحكومة الروسية، والتي تضمنت إحدى دعواتها لتلك المؤتمرات أنه "نظراً لأن الأزمة السورية استقرت نسبياً وزادت الأعباء على الدول المضيفة للاجئين، على المجتمع الدولي أن يضاعف جهوده لتقديم دعم شامل لجميع السوريين الراغبين في العودة إلى بلدهم، وإيجاد الظروف المناسبة لمعيشتهم، خصوصاً ما يخص البنية التحتية والمرافق المعيشية والدعم الإنساني".
وتلك مزاعم غير صحيحة وتسويق وترويج يزيّف الواقع ويجمله وتختبئ خلفه الأهداف الحقيقية لتلك المؤتمرات والتي كانت تتمثل في إطلاق عملية إعادة الإعمار على اعتبار أن البنى التحتية السورية غير مؤهّلة لعودة اللاجئين السوريين، وبالتالي سوف تحتاج إلى إعادة إعمار بمليارات الدولارات، وهنا يحصل النظام على فوائد عدة منها تسويق مشاريع إعادة الإعمار من جديد ودخوله كشريك فيها، فضلاً عن تعويمه من جديد وتجني روسيا حصاد وثمار كل ما سعت إليه من تدخلها في القضية السورية على الصعيد السياسي والاقتصادي، وتتخلص لبنان من عبء اللاجئين السوريين الذين ترى فيهم بعض الأطراف اللبنانية الداخلية قنبلة ديموغرافية موقوتة وتهديدا "طائفيا".
بالطبع هذه المؤتمرات لم يحضرها الاتحاد الأوروبي وتركيا أكبر الدول الحاضنة للاجئين السوريين وتحفظت عليها الأمم المتحدة، ولم تساندها الأوضاع الداخلية السورية من تردي الاقتصاد وتذبذب أسعار صرف العملة، وتراجع خدمات الكهرباء والمياه وشح الموارد على اختلافها وطوابير الخبز والمحروقات وأزمات الدواء، وعدم قدرة السلطات السورية على معالجة أي من هذه الأزمات وإن بدا أن الأعمال العسكرية والنزاع المسلح قد انخفض نسبياً. وبالتالي فإن ورقة مؤتمرات العودة قد سقطت مبدئياً، رغم استمرار كل المحاولات والسعي الحثيث لإحداث اختراق ما في ملف عودة اللاجئين عبرها!
مخاطر الإعادة القسرية
تحمل الإعادة القسرية إلى سوريا مخاطر تُهدّد حياة اللاجئين، وقد أصدرت وزارة الخارجية الألمانية في وقت سابق تقريراً، أفاد أنه ما من مكان آمن تماماً في سوريا، مُظهراً أن على الذكور العائدين الذين تتراوح أعمارهم من 18 إلى 42 عاماً إما الالتحاق بالجيش، أو مواجهة احتمال السجن بتهمة "التخلّي عن بلادهم".
كما واجه اللاجئون السوريون الذين عادوا من لبنان والأردن بشكل طوعي بين 2017 و2021 انتهاكات حقوقية جسيمة واضطهاداً من الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، مثل التعذيب، والقتل خارج نطاق القانون، والاختفاء القسري.
وفي السياق ذاته أوصت هيومن رايتس ووتش بالوقف الفوري لجميع عمليات الإعادة القسرية للسوريين والفلسطينيين المقيمين بشكل اعتيادي في سوريا من جميع البلدان إلى جميع المناطق السورية. وأشارت إلى أنه: "رغم أنّ الأدلة تشير إلى أنّ الأعمال العدائية التي كانت منتشرة على نطاق واسع ومستمرة ربما تراجعت في السنوات الأخيرة، إلا أنّ الوضع لا يزال متقلباً، وفترات الاستقرار النسبي لا تٌلبّي الشروط الأساسية لعودة آمنة وكريمة ودائمة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة التي ارتكبت جرائم ضدّ الإنسانية، واضطهدت من عارضها، وتسببت في هروب الملايين، هي نفسها ما زالت في السلطة. وتستمر في ارتكاب الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان".
وفي تقرير حمل عنوان "حياة أشبه بالموت" وثقت المنظمة الحقوقية انتهاكات تعرض لها لاجئون سوريون عادوا إلى البلاد في الفترة ما بين عام 2017 حتى العام الجاري.
وفي تقرير لها الشهر الماضي، ندّدت منظمة العفو الدولية (أمنستي) بتعرّض العشرات من اللاجئين الذين عادوا أدراجهم إلى سوريا لعدة أشكال من الانتهاكات على أيدي قوات أمن نظام الأسد، بينها الاعتقال التعسفي والتعذيب وحتى الاغتصاب.
كما دعا الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، اليونان والاتحاد الأوروبي إلى احترام مبدأ "عدم الإعادة القسرية" للاجئين، الذي يشكل جزءاً من القانون الدولي.
ورداً على سؤال حول إعادة اليونان طالبي اللجوء إلى تركيا، قال: "دعوتي لليونان والاتحاد الأوروبي وجميع دول العالم، هي أن مبدأ عدم الإعادة القسرية إلزامي ويجب على كل البلاد احترامه".
جاء ذلك في حديث لرئيس الاتحاد فرانشيسكو روكا، خلال مؤتمر صحفي عقده افتراضيا اتحاد الصحفيين المعتمدين لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف.
ما هو موقف المفوضية بهذا الخصوص؟
تقول المفوضية بالنص: إن اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئ وبروتوكولها لعام 1967 هما الوثيقتان القانونيتان الأساسيتان اللتان تشكلان جوهر عملنا. مع وجود 149 دولة طرفًا في أي من الاتفاقية والبروتوكول أو في كليهما، فإنهم يعرّفون مصطلح ”اللاجئ“ ويحددون حقوق اللاجئين، فضلاً عن الالتزامات القانونية للدول بتوفير الحماية لهم.
ويتمثل المبدأ الأساسي في عدم الإعادة القسرية، والذي يؤكد على أنه لا ينبغي إعادة اللاجئ إلى بلد يمكن أن يواجه فيه تهديداً خطيراً لحياته أو حريته. ويعتبر ذلك الآن قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي.
تعمل المفوضية بصفتها ”الوصي“ على اتفاقية 1951 وبروتوكولها لعام 1967. ووفقاً للتشريعات، من المفترض أن تتعاون الدول معنا لضمان احترام وحماية حقوق اللاجئين.
ماذا بعد؟
أولاً: ندعو الدول الأعضاء الموقعة على الاتفاقية إلى تجديد التزامها باحترام الحق في اللجوء، وحماية المدنيين من العودة القسرية، وإيجاد حلول دائمة للاجئين. وهذه دعوة لكل قوى الثورة والمعارضة السورية أن تؤكد عليها في كل المحافل والمنابر الدولية وأن تشدد على الالتزام بها.
ثانياً: مع إن بعض البلدان ليست من الدول الموقِّعة على اتفاقية العام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين أو بروتوكول العام 1967 المُلحَق بها، لبنان نمودجاً إلا أنه تبقى مُلزمة باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، أي عدم إرغام اللاجئين على العودة إلى بلدٍ قد يتعرضون فيه للاضطهاد والتعذيب.
ثالثاً: رحيل الأسد وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي والكشف عن مصير المعتقلين والمختفين قسرياً وإطلاق سراحهم هذه أهم المحددات لبيئة آمنة تسمح بعودة طوعية وتشجع عليها؟! ماعدا ذلك هو جريمة ترتكب بحق كل من يُجبر على العودة.
رابعاً: عودة فلسطينيي سوريا من دول اللجوء الأوروبي أو غيرها من دول العالم يجب أن تكون إلى بلادهم الأصلية وليس إلى سوريا لأنهم مصنفون بـ "بلا وطن" أو "عديمي الجنسية".
خامساً: تؤكد الأمم المتحدة، أن سوريا وبعد عشر سنوات من بدء الصراع، ما زالت غير آمنة لعودة اللاجئين، وذكر تقرير اللجنة الأممية التابع لها، أن العنف في سوريا ما زال يزداد، مشيرة إلى الأعمال القتالية في عدة مناطق سورية، مع انهيار واضح في الاقتصاد ناهيك عن هجمات تنظيم داعش، في حين تم توثيق حالات وفاة في أثناء الاحتجاز، وحالات اختفاء قسري، وليس حالات تعذيب وعنف جنسي فقط.
سادساً: الحماية الدولية للاجئين (International Protection for Refugees ) مسؤولية أساسية وإنسانية وهي تتسم بأهمية كبيرة لما تمثله من وجود رابطة قانونية بين الفرد والنظام الدولي الذي يؤسس لهذه الحماية ويؤطرها إلى جانب ما تؤديه هذه الحماية الدولية من وظيفة أساسية في حماية اللاجئين، وكفالة سلامتهم الشخصية وأمنهم في النظام القانوني الدولي للاجئين باعتبارها آلية دولية لتعويض الحماية الوطنية التي فقدها اللاجئون في بلدانهم، فهؤلاء لم يعودوا يتمتعون بحماية حكوماتهم التي أصبحت عاجزة أو غير مستعدة للقيام بهذا الواجب، وعليه فإن على المجتمع الدولي أن يضطلع بهذا الدور ويوفرها لهم .