ما بعد حادثة تقسيم ليس كما قبلها!

2022.11.16 | 06:13 دمشق

إسطنبول
+A
حجم الخط
-A

أسفر الحادث الإرهابي الذي وقع في شارع الاستقلال في منطقة تقسيم في قلب إسطنبول عن سقوط قتلى وجرحى ، ووضع الحالة الأمنية التركية على المحك في مواجهة إرهاب منظم يضرب في عصب السياحة التركية. حادث أريد له ضرب قطاع السياحة في تركيا وزعزعة الوضع الأمني في البلاد وشلّ الاقتصاد التركي قبيل الانتخابات الرئاسية التي تأتي تتويجًا لترسيخ النظام الرئاسي بعد أن ودعت تركيا النظام البرلماني. وتسبق تحضيرَ تركيا للاحتفالات المئوية لإعلان الجمهورية التركية ، الذكرى التي طالما راهن عليها الرئيس رجب طيب أوردغان في تحول تركيا لقوة دولية كبرى.

التوقيت والهدف

لاشك أن المخطِط لهذا العمل الإرهابي لم يغب عن ذهنه التوقيت، فهو لم يختر على سبيل المثال أن يضرب في فصل الصيف، وهو الموسم السياحي في تركيا حيث يفد ملايين السياح إلى تركيا-  قدر عدد السياح في هذا العام نحو 30 مليونا فيما قدرت حصة إسطنبول وحدها بنحو 10 ملايين سائح -  ولكنه اختار ما قبل رأس السنة الميلادية وهو أيضًا يعد فرصة للسياح الغربيين، باعتبار إسطنبول وجهة مثالية لقضاء أعياد الميلاد ورأس السنة، وبالتالي فهناك هدف بعيد وهو ضرب هذا القطاع مما ينعكس سلبًا على الوضع الاقتصادي التركي بشكل عام، كذلك اختيار التوقيت في وقت تقترب فيه الانتخابات الرئاسية وهي دون شك انتخابات صعبة على جميع المتنافسين ولابدّ من إضعاف طرف منها " الحزب الحاكم" بإعطاء تصور للناخب التركي أن النظام الحالي عاجز عن تحقيق الأمن وأن حياة المواطنين باتت بخطر، وكذلك مطالبة القضاء التركي، قبل يومين من التفجير الإرهابي بسجن رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو لمدة عام وثلاثة أشهر بعد محاكمة بتهمة "إهانة" أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات. كذلك في هذه الأيام تمر الذكرى الثالثة لمقتل زعيم تنظيم داعش "أبو بكر البغدادي" وهو الذي ظهر قبيل مقتله في تسجيل فيديو قصير يتسلم من أحد معاونيه ملف "ولاية تركيا" فصانع الحدث يحاول خلط الأوراق والإفادة من أي مشكلة داخلية أو خارجية لكي يحقق أهدافه ويبقى المنفذ مجهولا أو قيد التكهنات

قوة الأمن التركي

بقدر ما كانت العملية الإرهابية مؤلمة، كانت سرعة إلقاء القبض على الجناة مذهلة ، ففي أقل من 24 ساعة كانت المنفذة للعملية في قبضة الأمن التركي، وعدد من المتعاونين معها ، وقد تمت عملية إلقاء القبض عليها قبل أن يقوم تنظيم بي كا كا الإرهابي بتصفية المنفذة بعد أن أعطى أوامره بذلك. بعيدًا عن تفاصيل إلقاء القبض على المنفذة ومن معها ومن سيقع لاحقًا من المتورطين والمسهلين دخولها لتركيا، وتزويدها بالمتفجرات، والخدمات اللوجستية التي قدمت لها ، فهذه قضايا تدخل تحت بند السرية الأمنية ، وستعلن عنها الداخلية التركية في موعدها ، بعيدًا عن كل ذلك فاللافت في العملية الأمنية سرعة كشف الجانية وإلقاء القبض عليها قبل أن يتم تصفيتها حتى لا تنكشف الخلية التي تنتمي إليها ، هذه العملية الدقيقة يقف خلفها أجهزة أمنية تدرك أن تركيا بلد مستهدف سواء بسبب الصراعات التي تحيط بها أو  نتيجة التطور السريع في صناعاتها ولاسيما العسكرية التي أثبتت جدارتها ، كذلك تحول تركيا لأكبر بلد في المنطقة يحوي لاجئين من شتى الجنسيات، فضلا عن صراع الدولة التركية مع تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي  على مدى أربعة عقود، وعينها على تموضع ذلك الحزب في بقعة سورية شاسعة على الحدود التركية تحت مسمى "قوات سورية الديمقراطية" المعروفة اختصارًا بقسد، بحماية أمريكية، وهي تدرك جيدًا أن هذه المليشيات ليست سورية ولا ديمقراطية بل واجهة للبي كا كا الإرهابي، هذه الظروف المختلفة جعلت الأمن التركي في حالة يقظة دائمة ، لا سيما أن العدو الذي يستهدف تركيا سيحاول أن يضرب أهم مفاصل الاقتصاد التركي " السياحة".

ماذا بعد حادثة تقسيم ؟

تحاول تركيا منذ سنوات صناعة منطقة آمنة شمال سوريا، حيث تحقق من خلالها أمرين مهمين:

توطين اللاجئين السوريين بتعاون دولي في هذا الملف

منع خطر حزب العمال الكردستاني الذي يسيطر على منطقة الثروة الباطنية السورية ما يؤمن له تمويلًا ذاتيًا في زعزعة الأمن القومي التركي.

لكن ذلك الأمر كلما كان يقترب من التحقق ، تتأجل العملية العسكرية التركية أو تكون محدودة المساحة ، والسبب في ذلك عدم الرضا الأمريكي عن تلك العملية أو إنهاء الوضع الشاذ في الشمال والشمال الشرقي السوري، بل تحاول تجميل وجه قسد القبيح باستمالة القبائل العربية في تلك المناطق بأن هذا الكانتون ليس انفصاليًا أو أنه يتبع أيديولوجيًا لحزب العمال الكردستاني ، بل هو لجميع تلك المكونات ، وأن تشكيله كان بسبب وجود داعش في تلك المنطقة . وهذا ما كان يمنع تحرك تركيا ، واليوم بعد عملية تقسيم الإرهابية ، وإلقاء القبض على الجناة، وأن منفذة العملية قادمة من تلك المناطق وهي عضوة في هذا التنظيم ، فلا شك أن كل أسباب اتخاذ قرار إنهاء قوة التنظيم في سوريا قد بات وشيكًا، وأن أي عملية جراحية "تركية" أو تأديبية لا تستأصل هذا التنظيم وتقتلعه من الأرض السورية لن تنهي خطره، سواء على الأمن القومي التركي، أو على وحدة الأراضي السورية ، وكذلك سيبقى أهم ورقة بيد النظام السوري الذي أنشأه ودعمه وسهّل له السيطرة على الأرض والثروة لضرب الثورة السورية في مقتل ، وتهديد أمن تركيا ، ومن ثم بات طوق نجاة له في التقارب مع تركيا في أن تقبل تركيا بأن تعود تلك المناطق لسلطة النظام مقابل إنهاء ورقة قسد!