ما إن بدأت الأنباء تتحدث عن تدهور حالة رائد الفضاء السوري اللواء محمد فارس، حتى بدأت الأصوات تتصاعد في الداخل السوري وخارجه بالدعاء له والتمنيات بالشفاء العاجل، وبدأ كثيرون من الحديث عن وطنية وخصال اللواء الفارس الذي تعرض لوعكة صحية وهو يزور مدينه غازي عينتاب التركية، مما استدعى الأمر لإجراء عمليه جراحية له لكن الأقدار شاءت أن يرحل رائد الفضاء إلى عالم الخلود الأبدي.
بعد يومين من وفاته تم الحديث عن نقل جثمان الراحل الى داخل سوريا في مدينه اعزاز، بناء على وصيته ليصار إلى دفنه في مقبرة الشهداء وقد أعدت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة كل التجهيزات لاستقبال جثمان الفقيد وقررت أن يكون له جنازة عسكرية كبيرة تليق به وبمكانته باعتباره شخصية وطنية عسكرية منشقة عن النظام السوري وقدم للسوريين الكثير قبل الثورة وبعدها.
يوم الإثنين 23/4/2024 دخل جثمان الفقيد الراحل الأراضي السورية عبر معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا، حيث حظي جثمان الراحل باستقبال رسمي عسكري وسياسي وشعبي وكان للفقيد للواء محمد فارس تشييع مهيب شارك به آلاف السوريين.
منذ إعلان ساعة الوفاة بدأت المواقع تكتب عن اللواء الفارس وأخلاقه ومناقبه ومواقفه تجاه الثورة السورية ودعمه لها، وهنا بدأت الأسئلة تطرح وتتحدث لماذا لم تكتب تلك المواقع والصفحات عن اللواء الفارس إلا بعد رحيله ولماذا لم يطالب أحبة اللواء المعارضة السورية أن يكون رائد الفضاء زعيما للمعارضة وقائداً للثورة؟
وبالوقت ذاته هل لو كان الفارس في أحد أجهزة ومؤسسات المعارضة الرسمية لوجد هذا الحب الكبير من السوريين، هل لو كان الراحل في المعارضة السياسية أو العسكرية لحصل على محبة واحترام وتقدير السوريين كما حصل عليها الآن؟
ألم تدخل شخصيات لها حضورها وثقلها لدى السوريين في مؤسسات المعارضة التقليدية وكذلك العسكرية، فحرقت نفسها نتيجة الفساد الموجود داخل المعارضة.
وهنا أيضاً نتساءل لماذا لا نتحدث عن الشخصيات الوطنية التي دخلت قلوب السوريين إلا بعد رحيلهم الى عالم الخلود الأبدي لماذا لم تكن هناك مطالبة من جمهور الثورة وقوى المجتمع المدني أن يتبوأ الفارس محمد أو العديد من الشخصيات التي لاقت حب السوريين واحترامهم منصباً رفيعاً في مؤسسات المعارضة السورية السياسية والعسكرية.
ولكن ألم تدخل شخصيات لها حضورها وثقلها لدى السوريين في مؤسسات المعارضة التقليدية وكذلك العسكرية، فحرقت نفسها نتيجة الفساد الموجود داخل المعارضة والصراع القائم بين أجنحتها وتحكم دول الإقليم بها وبتشكيلاتها وسياساتها.
ذات يوم لمع اسم الدكتور برهان غليون في المجلس الوطني تلاه الشيخ أحمد معاذ الخطيب ومن ثم الدكتور رياض حجاب وآخرون، بعد سنوات اعتزلوا العمل الرسمي في المعارضة السورية وجلسوا جانباً، وذلك نتيجة محاولات المجتمع الدولي فرض أجندات تتعارض والثورة السورية وأهدافها، وأيضاً نتيجة وجود ماكينة إعلامية أو ذباب إلكتروني كان هدفهم إسقاط كل شخصية ورمز وطني سياسي أو عسكري أو ديني وحتى اجتماعي وإبقاء الحالة السورية رهينة قوى إقليمية ودولية تعسى لاستمرار الصراع والحرب السورية لأمد طويل.
برع السوريون في العمل الفردي وتميزوا وأبدعوا وكان اللواء الفارس منهم ولكن في العمل الجماعي أصيب السوريون بفشل كبير.
بعد التشييع المهيب للواء محمد الفارس رائد الفضاء السوري والمشاركة الواسعة من قوى الثورة السورية بهذا التشييع وما كتبه الكثير عن أخلاق ووطنية الفقيد الراحل يبقى السؤال؟؟ هل ينتظر السوريون رحيل فارس آخر لينعوه ويبكوا على أطلاله.
برع السوريون في العمل الفردي وتميزوا وأبدعوا وكان اللواء الفارس منهم ولكن في العمل الجماعي أصيب السوريون بفشل كبير فقدوا احترام الناس والدول لهم ولقضيتهم.
سنوات طويلة عاشها السوريون من التشتت والضياع وإطلاق نداءات التوسل لدول ومؤسسات ومنظمات والتصريحات الإعلامية المتناقضة التي أطلقها ساسة المعارضة، ناهيك عن الصراع على مستوى المؤسسات السياسية وقتال على مستوى الفصائل العسكرية وتفتت قوى المجتمع المدني.
أمام كل ذلك الشعب السوري ما يزال يصارع الجميع وحده من أجل البقاء حياً وهو يبحث عن ضوء وسط هذا الظلام، من أجل أن يعيش بحرية وكرامة وهو ما يزال ينظر إلى غد قريب يتصحح فيه المسار ويتغير فيه السلوك وتبدأ فيه وجوه جديدة بالعمل من أجل سوريا وشعبها وثورتها.
أمام كل هذا الواقع المرير تخرج بعض الأصوات في المعارضة تتحدث عن الانتصار وأي انتصار أمام وجود أكثر من مليون سوري مفقود معتقل في سجون النظام السوري، أي انتصار أمام وجود مئات من مخيمات النزوح تنتشر في شمال سوريا ومخيمات للاجئين في لبنان والأردن وتركيا وملايين المهجرين المنتشرين في أرجاء المعمورة.
يحاول البعض تسويق نفسه عبر رفع عبارة الانتصار لعل وعسى أن يجد لنفسه مكاناً وسط أشلاء وأحلام وآمال شعب لا يمكن أن يقل ما حصل فيه عن الروهينغيا أو الفلسطينيين.
الثورة لم تنتصر لكنها لم تهزم هذا هو العنوان الأساس الذي يجيب أن ننطلق منه جميعاً في تصحيح المسار والسير في طريق خلاص السوريين من حقبة الظلم والاستبداد.
وبناء عليه على السوريين بعد 13 عاماً أن يدركوا ضرورة العمل على الالتفات على فارس وقبطان يقود الثورة وأن هذا بات ضرورة وحاجة ملحة وذلك ضمن مشروع وطني جامع ومتكامل للنهوض من القاع الذي نعيش به جميعاً، وكم تذخر الساحة السورية على كل صعيد بفرسان ديدنهم الوطن والثورة والشعب.
ومع رحيل رائد الفضاء السوري اللواء محمد فارس بات لزاماً على السوريين احترام من تبقى من الفرسان حياً ودعوتهم لأجل العمل لسوريا وشعبها وثورتها.