طوفان الأقصى: نفاق النّظام العالمي

2023.10.25 | 06:16 دمشق

آخر تحديث: 25.10.2023 | 06:16 دمشق

طوفان الأقصى: نفاق النّظام العالمي
+A
حجم الخط
-A

لا تزال أميركا "الرّحيمة!" تصرّح على لسان مستشاري أمنها القومي أنها تبحث عن: "ممر آمن" للغزاويين، في الوقت الذي يعلن فيه "الكونغرس" دعمه الكامل لإسرائيل، ويرسل البنتاغون حاملتي طائرات لـ "ضمان عدم اتساع الحرب" في إشارة إلى إمكانيّة دخول حزب الله أو إيران الحرب!

بالتوازي مع الموقف الأميركي يدّعي سياسيو الغرب الواقعي أنّهم يؤمنون بحريّة الإنسان ويشددون على مبدأي: حريّة التعبير وحريّة الضمير؛ شريطة أن يكون التعبير مناسباً لمصالح الشركات الفرنسيّة في غاز لبنان، والأميركيّة في غاز فلسطين المحتلّة، أمّا إذا تناقض مع مصالح الرأسماليّة العالميّة فتغدو حريّة التعبير "كفرا"!

لعلّ إحدى أهم إنجازات "طوفان الأقصى" أنّه كشف عن سقوط أخلاقي يمارسه كثير من سياسيي الدول الغربيّة إضافة إلى إماطة اللثام عن مواهب النفاق وأساليب الخداع التي تشوّه حقيقة منطقتنا وقضايانا!

لا يزال المسؤولون الغربيّون يتسابقون لتسويق الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين عبر تقديم صورة مشوّهة لحقيقة ما يجري في فلسطين لضمير الشعوب الغربيّة؛ مثل السيناريو المخادع الذي أدّت فيه رئيسة المفوّضيّة الأوروبيّة "أورسولا فون" دور الخائفة وهي تنزل إلى الملجأ برفقة أعتى مجرمي الصهيونيّة خوفاً من أسلحة الفلسطينيين؛ و"أورسولا" لا شكّ تعلم أنها بصحبة جنرالات أحد أقوى الجيوش في العالم، وأنّ طائرات وأسلحة هؤلاء الجنرالات كانت تفتك بالشعب الفلسطيني في غزّة في الوقت الذي كانت هي تؤدّي دورا مسرحيّا سيعرض الحقيقة مشوّهة أمام ضمير الشعوب الغربيّة وشعوب العالم!

والحقيقة كانت "أورسولا" موهوبة قياساً بـ "جون كيري" منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي الذي ظهر على شاشة CNN في دور المتباكي على الإسرائيليين ولم يكن كل الاختلاجات الزائفة التي ادّعاها لتجل دمعة واحدة تذرف من عيني ضمير زائف ينكر مجازر الإسرائيليين بحق الفلسطينيين!

الفضيحة الحضاريّة التي لم يكن دارون ليتمنى العيش حتى يراها قد حدثت بالفعل على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي الذي وصف الفلسطينيين بـ "الحيوانات البشريّة"

على مستوى آخر من الإجرام فقد عمد المسؤولون الإسرائيليّون منذ بدء حربهم على الفلسطينيين الغزّاويين إلى استخدام صيغ  لفظيّة تبرّر إجرامهم؛ فالفلسطينيون ارتكبوا شيئا فضيعا يشبه "الهولكوست" في تعبير استخدمه نتنياهو في أثناء مكالمة مصوّرة أجراها مع رئيس أميركا "بايدن"؛ والمكالمة مصوّرة لعرضها على ضمير الشعوب الغربيّة عبر شاشة الإعلام الغربي -والشعوب الغربيّة لديها مخزون تاريخي -محق بالمناسبة- من التعاطف مع ضحايا -"الهولكوست" واليهود الذين كانت الأنظمة الغربيّة تضطّهدهم- إلّا أنّ لعب الإعلام المُسيّس بالسياقات كفيل بتزوير حقيقة -أنّ إسرائيل اليوم هي من يرتكب مجازر الهولكوست- وفلسطينيّو غزّة اليوم هم في الحقيقة: "أولئك اليهود المساكين الذين كان النازيّون الأوروبيّون يجبرونهم على العيش في غيتو فصل عنصري"، ومن ثمّ يجري الاحتيال على الحقيقة وعلى ضمير الشعوب الغربيّة!

الفضيحة الحضاريّة التي لم يكن دارون ليتمنى العيش حتى يراها قد حدثت بالفعل على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي الذي وصف الفلسطينيين بـ "الحيوانات البشريّة"؛ لأنّ هذا التركيب سيتم مراقبته والسؤال عن مصدره لتعيد شعوب العالم النظر في "نظريّة التطوّر" التي أنتجت ضمير مجرمٍ كـ "يوآف غالانت"!

السقطات الإعلاميّة تستمر بممارسة الخداع المكشوف حول ما تدّعيه من سوء معاملة حماس للأسرى الإسرائيليين، وقد أوقع الإعلام الغربي مصداقيّته على المحك حين كرّر مزاعم المسؤولين الإسرائيليين عن ممارسة حماس لـ "قطع الرؤوس، واغتصاب النساء، وقتل الأطفال" المزاعم التي يجري دحضها تباعاً عبر ما تسربه حماس من مقاطع فيديو أو صور تُظهر من خلالها معاملة حسنة للأسرى الإسرائيليين لدى حماس؛ وتدحض مزاعم المسؤولين الإسرائيليين الذين ربطوا في تصريحاتهم بين حماس وبين "داعش"!

وهنا يجب أن أتوقف قليلا -كما يقول مذيع كرة القدم- لأّن الإسرائيليين والإعلام الغربي المنافق لإسرائيل قد أوقعوا أنفسهم في سقطة أخرى باتّباعهم وصف "حماس" على لسان مسؤولين إسرائيليين بـ "داعش" وداعش اسم معهود أيضا للضمير الغربي بوصفه "قاطع الرؤوس ومغتصب النساء وقاتل الأطفال"، لكن عبر اللعب بالسياقات من جديد لترسيخ تصوّر مغلوط عن أبناء منطقتنا -العرب المسلمين- بوصفهم "دواعش" حتى يثبت العكس!

"داعش" النموذج الذي تمّت صناعته وصياغته ليبقى لأجيال ذريعة محو الشعوب والخرائط والقضايا والحقوق باستخدام القوّة المفرطة؛ "داعش" المصنوعة على عين المخابرات العالميّة ونفاق الإعلام الغربي والشرقي لتبرير قتلنا وتشريدنا نحن السوريين!

"داعش" الإرهاب الذي قتل النظام السوري المجرم بذريعتها السوريين، وهجّر من تبقى منهم حيّا، واستخرجت أميركا بوساطة حقوق أعراق ومكوّنات تتفق تماماً مع خرائط الشرق الأوسط الجديد التي رسمها "الاستشراق الأميركي" قبل عقود طويلة من اختراع داعش!

داعش الاختراع الذي يصح به قول بايدن عن إسرائيل: "لو لم تكن موجودة لاخترعتها أميركا".

"داعش الإرهاب، ومجازر الهولوكوست، والحيوانات البشريّة الداروينيّة.." ونحو ذلك من التغذية الذهنية الخاطئة لجيل تعوّد على قتل الـ "زومّبي" في ألعاب الفيديو أوصاف وصيغ ولعب بالسياقات كلّها لتبرير استخدام القوّة العسكريّة المفرطة؛ وإسرائيل مثل كل الأنظمة المجرمة -بصفتها قاعدة عسكريّة لا غير- ليس في جعبتها غير القوّة المفرطة، وليس في ذهنيّة جنرالاتها تصوّر آخر عن مستقبل الفلسطينيين؛ فالفلسطينيّون إمّا مقتولون بالقصف الوحشي، أو مهجّرون إلى سيناء المصريّة، وهذا ما يطرحه صراحة وعلنا مستشارو الأمن القومي الأميركي، الذين لم يخطر ببالهم  فكرة إيقاف إسرائيل عن قصف الفلسطينيين؛ بل طالب الأميركان مصر بفتح معبر رفح أمام الفلسطينيين الهاربين من القصف، فرفض المصريون، فقطعت شركة النفط الأميركيّة التي تستثمر في غاز فلسطين المحتلّة الغاز عن مصر!

كشف "طوفان الأقصى" عن حالة مزرية يعاني منها الموقف السياسي الأوروبي، وكشف أيضاً عن أزمة حريّة التعبير والضمير الذي أوقع الإعلام الغربي نفسه بها من جرّاء انحيازه لإسرائيل

ليس كالسوريين – الذين أرادوا تغيير نظامهم، فتمّ استجرار الإرهاب وتمويله ليسيطر على السّوريين، ثمّ تُرِكوا عزّلاً للنظام وللإرهاب يقتلهم ويهجّر من تبقى منهم حيّاً لإفراغ سوريا من شعبها وتحقيق رؤية المستشرقين الأميركيين عن التقسيم الجغرافي والديمغرافي للمنطقة – ليس كالسوريين شعب آخر أكثر قدرة على وعي الدور غير النزيه الذي تمارسه الإدارة الأميركيّة تجاه شعوب المنطقة وقضاياها، في حين كشف "طوفان الأقصى" عن حالة مزرية يعاني منها الموقف السياسي الأوروبي، وكشف أيضاً عن أزمة حريّة التعبير والضمير الذي أوقع الإعلام الغربي نفسه بها من جرّاء انحيازه لإسرائيل؛ ولعلّ هذا الحرج الإعلامي سيكون له ردّة فعل انعكاسيّة تجاه إسرائيل وتجاه تسييس الإعلام!

بالمقابل يثبت الواقع أنّ "حريّة التعبير" لا يضر القضايا العادلة، وأنّ الاطمئنان لـ "حريّة الضمير" الإنساني ممكن وواجب شريطة عدم تغذيته بمعلومات كاذبة.