في لقاء عمّان التشاوري المنعقد في تاريخ الأول من شهر أيار/مايو الفائت، وبحضور وزراء خارجية كل من مصر والسعودية والعراق والأردن، تمت دعوة وزير الخارجية السوري ليكون طرفاً في اللقاء، قام المجتمعون بالبحث الجدّي والعاجل عن مخارج من العقدة السياسية السورية التي طال أمدها ودفع ثمنها غالياً الشعب السوري دماً واستقراراً وأمناً. وصدر عن الاجتماع "إعلان عمّان" الذي سيكون مقدّمة لوضع آليات واضحة وفاعلة لإنهاء النزاع في البلاد الممتد لعقد ونيف من الزمن.
أكّد إعلان عمّان بشكل لا لبس فيه على حتمية الحل السياسي الذي يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254 باعتباره الإطار الأساسي للتوصل إلى حل شامل للصراع السوري، وكذا اعتماد سياسة متوازنة ومتصاعدة تمكّن من تأسيس نهج منظّم نحو هذا الهدف.
أما اللقاء الثاني فقد التأم بتاريخ الثامن من شهر أيار/ مايو في مدينة جدة السعودية بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان.
استعرض الطرفان جهود السلام والمبادرات في المنطقة التي تقوم بها المملكة، بعضها بالشراكة مع واشنطن وهي المبادرة التي تُوّجت مؤخراً باتفاق لوقف إطلاق النار في السودان، وكذا التقدم الكبير الذي أنجزته الرياض في المحادثات الرامية لتعزيز الهدنة في اليمن المستمرة منذ 15 شهراً، وأيضاً قضايا تتعلق بتعزيز رؤيتهما المشتركة لمنطقة شرق أوسط أكثر أمناً وازدهاراً ولاسيما إثر القرار العربي الذي أعاد سوريا إلى الجامعة العربية كنتيجة لاجتماع استثنائي عقده مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة بتاريخ السابع من مايو/أيار، حيث أقرت الجامعة عودة سوريا لشغل مقعدها.
حضور بشار الأسد لأعمال قمة الجامعة العربية كان مرهوناً بالتزامٍ قطعَه الأخير بتحقيق هذه الشروط التي وضعتها السعودية والدول العربية لقبوله مرة أخرى بالجامعة العربية
دعت الجامعة في اجتماعها قبيل القمة إلى ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج حول حل الأزمة وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، بمواصلة الجهود التي تتيح تأمين وصول المساعدات الإنسانية لكل المحتاجين في سوريا.
وعليه، فإن حضور بشار الأسد لأعمال قمة الجامعة العربية كان مرهوناً بالتزامٍ قطعَه الأخير بتحقيق هذه الشروط التي وضعتها السعودية والدول العربية لقبوله مرة أخرى بالجامعة العربية.
ولو أن خطاب الأسد خلال الجلسة الافتتاحية للقمة جاء متناقضاً في المبنى والمعنى مع قبوله للشروط العربية، إلا أن الأسد يقع اليوم تحت ضغط كبير لتنفيذ التزاماته بالمضي قُدماً نحو تطبيق القرار الأممي 2254 وتحقيق الانتقال السياسي الرزين في سوريا بما يضمن عودة آمنة للاجئين السوريين الذين ضاقت بهم السبل. ولأن الثقة بالنظام السوري ما زالت غائبة ولا نعرف ما تحمله الأيام القادمة، إلا أن القيادة السعودية مصممة خلال رئاستها للجامعة العربية على تحقيق انتقال سياسي عادل في سوريا بناءً على القرارات الأممية.
أما الولايات المتحدة، فماضية في عزلها لبشار الأسد وحكومته من خلال رفض التطبيع معه، وفي الوقت عينه ما زالت عصا العقوبات مسلّطة وفي تصاعد مستمر على نظام الأسد، ولن تُرخى إلا حين يمتثل للإرادة الدولية ويباشر بخطوات واضحة لانتقال سياسي مريح في البلاد.
من واجبات النظام التي تعهّد بها هي إبراز الجدّية والالتزام وبناء الثقة المفقودة، والتعاون مع الجهود العربية والدولية، ولا سيما الأمم المتحدة، لتسهيل تنفيذ قرارات مجلس الأمن والمساهمة بفعالية في تحقيق حل سياسي مستدام في سوريا
النظام السوري أمام استحقاق تاريخي، عربي ودولي، للوفاء بالمطالب الإنسانية والقانونية المتعلّقة بمصير الشعب السوري الجريح. ومن واجبات النظام التي تعهّد بها هي إبراز الجدّية والالتزام وبناء الثقة المفقودة، والتعاون مع الجهود العربية والدولية، ولا سيما الأمم المتحدة، لتسهيل تنفيذ قرارات مجلس الأمن والمساهمة بفعالية في تحقيق حل سياسي مستدام في سوريا.
ولابد في هذا المفترق السياسي في مجريات الملف السوري من اللجوء إلى آليات حاسمة للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان، والكشف عن مصير المغيّبين قسراً والمعتقلين، وذلك من خلال إنشاء لجان للحقيقة بتوجيه من جامعة الدول العربية بهدف تحقيق ظروف العدالة الانتقالية بالإفراج الفوري عن المعتقلين لأسباب سياسية (وهو أمر فوق تفاوضي)، وضمان الشفافية في الكشف عن المعلومات المتعلقة بالمغيّبين قسراً.
ومن خلال لجان الحقيقة ستسهم الجامعة العربية في إلزام نظام دمشق بمعالجة الأبعاد الإنسانية والقانونية للأزمة السورية، وحثه على المضي في خطوات ملموسة لتعزيز الثقة وخلق بيئة شاملة للعملية السياسية.
في نهاية المطاف، سيمّهد هذا الطريق نحو حل شامل ومستدام لقضية الشعب السوري العادلة، ما يضمن للملايين من السوريين مستقبلاً أكثر آمناً وسلاماً وكرامة.