عندما تم عرض المتهم محمد الأسد (ابن عم بشار) على القاضي حسين حمادة بتهمة تهريب الأسلحة والمخدرات في حلب أمر حمادة بتوقيفه فنهض المتّهم من مكانه، أخرج من سترته قنبلةً يدوية وصرخ في وجه القاضي مهدّداً:
"ولك ربك ما بوقفني ولاك!" ثم خرج من المحكمة بكل هدوء من دون أن يعترضه أحد.
تلخّص هذه الحكاية التي يرويها لنا القاضي المنشقّ في سيرته الذاتية الصادرة عن دار نون عام 2020 عقدين من تجربته في العمل كقاضٍ في "سوريا الأسد" التي تتمظهر لنا في مسيرة القاضي حمادة متعرّيةً خرِبة فاسدة ظالمة ومخيفة لا أخلاق فيها ولا رحمة ولا قانون.
عمل حسين حمادة قاضياً في عين العرب (كوباني) وحلب ودمشق. وهو يعترف لنا دون مداراة أنه صار قاضياً (بالواسطة) لكنه لا يلبث أن يسرد علينا على امتداد صفحات سيرته القصص والحوادث التي أراد لها أن تثبت أنه كان رغم ذلك قاضياً نزيهاً، عادلاً، بل وشجاعاً ما استطاع إلى ذلك سبيلا. فالبيئة التي كان يعمل فيها القاضي حمادة كانت موبوءة بالمكائد والبذاءة حتى على مستوى الألفاظ.
إن اللغة التي يستخدمها القاضي تخبرنا وحدها الكثير عن فساد ودناءة نظام الأسد كمكان للعمل
لنستمع إلى ما يقوله لنا القاضي مثلاً يوم كان في عين العرب (كوباني) وتم تعيين فياض الأحمد مديراً جديداً للمنطقة هناك. يصف لنا القاضي حمادة مدير المنطقة الجديد فيقول:
"فياض الأحمد ثعلب، لكنه لم يقرأ معادلة عين العرب جيداً، فأراد أن يثبت وجوده من خلال بعض البلطجات دون قياسه للعظمة على فوهة مؤخرته قبل ابتلاعها!".
إن اللغة التي يستخدمها القاضي تخبرنا وحدها الكثير عن فساد ودناءة نظام الأسد كمكان للعمل. في إحدى المرات دخل القاضي حمادة في شجارٍ مع زميلٍ له انتهى بعضةٍ لأذن القاضي لم ينجح في الفكاك منها إلا عندما ضغط على صدر الشخص الذي عضّه بقوة "فخرجت بدلة أسنانه من فمه" حتى استسلم وترك القاضي وشأنه.
في أثناء عمله في مدينة عين العرب (كوباني) يرسم لنا القاضي حمادة صورةً لمجتمعٍ الدولة فيه شبه غائبة، فهو مجتمع قبلي عنيف ومتوحش حيث "لم يكن يمر أسبوع إلا وتحدث جريمة قتل أغلبها بسبب الخلاف على تخم أرض أو ... الدجاج أو ضرب الأولاد الصغار".
وفي إحدى المرّات تعرضت قريةٌ صغيرة قرب قرية (خراب عشق) لهجومٍ من سكان قرية مجاورة بسبب خلافاتٍ على مساحاتٍ من الأرض وصفها القاضي بأنها "لا قيمة مادية أو زراعية لها". لكن مع ذلك فقد قُتل أهل القرية التي تعرضت للهجوم عن بكرة أبيهم ولم يجد القاضي من أثرهم عندما وصل القرية برفقة الشرطة إلا جثثاً ودماءً اختلطت بمياه الأمطار.
ورغم هذا الواقع كان نظام الأسد يستمر في تجاهل عين العرب (كوباني) وباقي الأرياف النائية، إذ حتى عندما تم تعيين معلّمات من اللاذقية وطرطوس للعمل في المنطقة، قمن بقبض رواتبهن من دون مغادرة بيوتهنّ "الأمر الذي زاد من نسبة الجهل وانتشار الفوضى ما انعكس أيضاً على زيادة نسبة الجريمة"، كما يوضح لنا القاضي المنشق من وجهة نظر إنسان محترف، خبير ومتمرّس.
خلال تنقلاته في المناصب بين عين العرب (كوباني) وحلب ودمشق كان القاضي حسين حمادة يتحرك في وسطٍ مليء بالمكائد والمطبّات. فها نحن نجد في مدينة حلب محامياً يدعو القضاة واحداً تلو الآخر إلى مكتبه وتكون ضيافته لهم "بنات وهو يضع كاميرات فيديو مخفية يقوم بتصويرهم،" لابتزازهم لاحقاً وكسب الدعاوى التي كان يمثلها.
إن النظام السوري أشبه بفيروس قاتل موضوع في علبة ضمن برّاد عالمي، وأنتم فتحتم هذه العلبة دون أن تعرفوا محتوياتها ودون امتلاككم أية (وسيلة) للوقاية من هذا الفيروس
كما يحكي لنا القاضي المنشق عن زميلٍ له اعتقلته الشرطة مع مجموعةٍ من الأشخاص في بيت دعارة في إحدى مزارع حلب وقد عُرض على القضاء وفُصل من عمله. وفي حالةٍ أخرى قام القاضي حمادة ذات نفسه بدفع رشوة بقيمة 5000 ليرة لزميلٍ له كي يفرج عن سيارةٍ محجوزة تعود ملكيتها لأحد أقاربه. فالرشوة بالنسبة للقضاة في "سوريا الأسد" حقٌّ معلوم له تسعيرته ولا ينكره أحد وخصوصاً في محكمة النقض حيث "العبرة هنا للشاطر في المبازرة" كما يقول حمادة. وفي حين يفضّل بعض القضاة المال، وآخرون الذهب، إلا أن هناك فئةً غريبةً من القضاة ممن "لا يهمه المال وإنما يهمه سهرة ماجنة مع فتيات يفضّل الصغيرات منهنّ".
بعد أن انشق القاضي حسين حمادة أواخر عام 2012 التقى في المناطق المحررة بالصحفي اللبناني فداء عيتاني حيث تناقش الرجلان في أحداث الثورة السورية ومآلاتها. وينقل القاضي حمادة عن عيتاني أنه قال:
"إن النظام السوري أشبه بفيروس قاتل موضوع في علبة ضمن برّاد عالمي، وأنتم فتحتم هذه العلبة دون أن تعرفوا محتوياتها ودون امتلاككم أية (وسيلة) للوقاية من هذا الفيروس".