رحلة الطاجيك مع تنظيم الدولة

2024.07.16 | 06:31 دمشق

رجال يشتبه بانتمائهم إلى تنظيم الدولة ينتظرون تفتيشهم بعد مغادرتهم الباغوز في محافظة دير الزور (أ ف ب)
+A
حجم الخط
-A

في شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2017، أعلنت روسيا مقتل غول مراد حليموف، أحد أخطر إرهابيي القائمة الخاصة التي أعلنتها وزارة الداخلية الروسية، الذي كان بمثابة وزير دفاع تنظيم الدولة "داعش". وكانت روسيا قد أعلنت سابقاً عن لائحة بأبرز المنتمين لهذا التنظيم المتطرف الذي جنّدت كل طاقاتها من أجل القضاء عليه، وشنّت حرب إبادة واسعة أصابت عشرات آلاف السوريين الأبرياء بحجة سعيها للقضاء على هذا التنظيم الذي قضت عليه فعلياً قوات التحالف الدولي الذي أُنشئ خصيصاً للقضاء على هذا التنظيم.  

لكن ما يعني روسيا، وما ردّده محلّلوها عبر قنواتهم المحلية وقنوات البروباغاندا الناطقة باسم روسيا باللغة العربية طويلاً وبشكل متكرر، هو أن مقاتلي التنظيم الإرهابي المنخرطين حالياً بالقتال داخل الأراضي السورية، قد ينتقلون يوماً ما للقتال داخل الأراضي الروسية، أو داخل ما كان يعرف يوماً ما باسم الاتحاد السوفييتي. ومن تلك المناطق التي تخشى روسيا من انتقال إرهابيي (داعش) إليها: الشيشان وداغستان وكاباردينيا وغيرها.  

"غول مراد حليموف كان شخصاً قاسياً كما ذكرت شهادات المعتقلين من التنظيم، وكان سبق له أن عمل في وحدات القوات الخاصة الطاجيكية."

غول مراد حليموف كان شخصاً قاسياً كما ذكرت شهادات المعتقلين من التنظيم، وكان سبق له أن عمل في وحدات القوات الخاصة الطاجيكية، وتدرّب مع القوات الخاصة الروسية، ويعرف بالتفصيل عقيدتهم القتالية وآليات تدريبهم وعملهم، ولكنه قرّر فجأة برفقة آلاف الطاجيك أن يذهبوا للقتال في سوريا والعراق، في استقطابٍ لافتٍ وغيرِ مسبوق. استقطابٌ ترافق مع تدفق عشرات آلاف أبناء الجمهوريات الروسية للقتال تحت صفوف قوات داعش الإرهابية، ومنهم من نال مناصب رفيعة ومتقدمة في التنظيم مثل أبي عمر الشيشاني "طارخان باتيرشيفيلي" وهو، ومن اسمه، ينحدر من أسرة من جورجيا من عرق شيشاني.  

وليس من باب المصادفة أن طارخان باتيرشيفيلي، قد تسلم منصب وزير الدفاع كذلك قبل رحيموف، في إشارة مهمة إلى أن تنظيم داعش يولي اهتماماً خاصاً بأبناء آسيا الوسطى؛ يرفعهم في سلّم قيادات التنظيم، يسلّمهم حقيبة الدفاع غير مرة، ويدلّلهم ويمنحهم صلاحيات واسعة.  

لكن الأمر لم ينتهِ هنا، حيث تبنّت دول وسط آسيا أخيراً حزمة من الإجراءات الأمنية والتنفيذية الحازمة الكفيلة بمحاربة التشدّد الإسلاموي، على حد تعبيرهم، ومنع انتشاره في تلك الأصقاع الواسعة ما بين البحر الأسود وبحر قزوين، خصوصاً في جمهورية طاجيكستان التي اعتبر برلمانها أن تنظيم خراسان يستهدف أبناءها بشكل خاص في التجنيد وتنفيذ العمليات الإرهابية. حيث أقر البرلمان مجموعة من القوانين التي تمنع ارتداء البرقع والنقاب على النساء، ومنع إطلاق اللحى لدى الشباب بدرجة معينة، وحظر دخول المساجد لمن هم تحت سن الثامنة عشرة، وتقييد الذهاب إلى الحج والعمرة. فيما اعتبر المراقبون أن هذه القوانين تحد من الحريات الشخصية في بلد تتسبب فيه الضائقة الاقتصادية بهجرة أكثر من نصف شبابه للعمل في الخارج بأجور منخفضة، وبالتالي تعرضها لأن تكون هدفاً للتنظيم الإرهابي يجنّدها ويقولبها كما يشاء.  

الطاجيكيون يرون أنفسهم "تعساء وفقراء في دولة بوليسية منسية". مشاعر التقطتها التنظيمات الإرهابية وسعت على الدوام لتجنيد عناصر من الطاجيك، وهذا ما حصل ويحصل حالياً. فكم مرة تبيّن أن منفذ عملية إرهابية هنا أو هناك هو شخص طاجيكي؟ بما في ذلك العملية الانتحارية التي نُفذت في مدينة قندهار الأفغانية، إذ تبيّن أن من بين منفذيها إرهابيّاً طاجيكيّاً، كما ورد اسم مواطن طاجيكي ضمن قوائم منفذي العملية الانتحارية في مدينة كرمان الإيرانية خلال تأبين قاسم سليماني، واسم طاجيكيّ آخر في عملية مدينة شيراز الإيرانية عام 2023، كما يُعتقد أن بعض منفذي عملية كروكوس قرب موسكو هم من الطاجيك من أعضاء تنظيم خراسان.  

يعتقد أن قسماً كبيراً من عناصر داعش من مواطني وسط آسيا قد فرّوا من العراق وسوريا وتسلّلوا فرادى نحو أفغانستان، دون إلغاء احتمال تسهيل نقلهم من دول تستفيد من خدماتهم الإرهابية التي تقوّض الدول والمجتمعات. تخيّلوا أن سلطات أفغانستان الطالبانية المتشددة دينياً بدأت تشتكي منهم ومن تطرفهم، وخصوصاً، من بينهم، أعضاء تنظيم خراسان المنشق عن داعش!!  

من جهة ثانية، تعتقد الاستخبارات الروسية والصينية أن هنالك عشرات الخلايا النائمة في بلدان وسط آسيا مرتبطة بالتنظيم، وبناء على هذه الاعتقادات تبرّر حملات الترهيب وقمع الحريات في سبيل قمع هذه التنظيمات العنيفة. ولكن لماذا تُعدُّ دولة مثل طاجيكستان هدفاً للتنظيمات الإرهابية؟  

دولة الطاجيك بالطبع هي دولة تحمل إرثاً سياسياً من بقايا انهيار الاتحاد السوفييتي الذي أدى سقوطه إلى تناثر قوميات وخلق تجمعات جيوبوليتيكية بديلة، وأحياناً غير متجانسة أو متناقضة يتواصل الصراع بينها حتى يومنا هذا.  

"الطاجيكيون يرون أنفسهم 'تعساء وفقراء في دولة بوليسية منسية'. مشاعر التقطتها التنظيمات الإرهابية وسعت على الدوام لتجنيد عناصر من الطاجيك."

طاجيكستان المعاصرة البالغ عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة، المتناثرة أراضيها في دول الجوار بسبب وجود العرق الطاجيكي في دول مثل قرغيزيا وتركمانستان وأفغانستان وإيران وغيرها، ما تزال تحتكم، في كثير من تفاصيل الحكم والإدارة والعلاقات الاجتماعية، للفكر السوفييتي الذي ما يزال مسيطراً على الحياة السياسية والاقتصادية لتلك البلاد تشبهاً بكل الدول التي ما تزال تدور في فلك الإرث السوفييتي عبر محاربة الحريات والديمقراطية والتمسك بالدكتاتوريات. حيث يمسك الرئيس الطاجيكيّ إمام علي رحمن بالسلطة منذ ثلاثين عاماً كاملة وهو يعتقد بأن ضمان بقائه في السلطة مرتبط بعلاقات قوية مع موسكو، وبالتالي فإن كل النظريات السياسية التي تطرحها موسكو يتم تبنيها مباشرة في دوشنبة، عاصمة البلاد، حتى لو كانت طروحات جائرة ومناهضة للإنسانية ومدمرة للاقتصاد والمجتمع. ما جعل بلاده ضمن قوائم الدول الأشد فقراً والأكثر فساداً ومعاداة لحرية الرأي والصحافة والشفافية، ودفع، بالتالي، عدداً كبيراً من الشباب الطاجيكيّ إلى الهجرة والبحث عن مصادر رزق سريعة فكانت التنظيمات الإرهابية لهم بالمرصاد.  

تبدو منطقة وسط آسيا وهي تعيش مخاضاً كبيراً في انتظار التحولات الكبرى في العالم، مرشحة لأن تكون مسرحاً لأحداث مؤسفة جداً، تتحمّل مسؤوليتها الحكومات غير الرشيدة التي تزج بأبنائها في آتون التطرّف والعنف.