لن تنجح الماكينة الصناعية الصينية -رغم ما تمتلكه من قدرات ومهارات فائقة واستثنائية- بترقيع الرئيس الضيف الذي وصل إلى بكين ممزق السمعة مهاناً مرفوضاً من شعبه ومن دول العالم المتحضر، يسبقه سجل من الجرائم والارتكابات التي لا يمكن تبييضها حتى في سوق السياسة السوداء والتي تمثل بكين جزءاً أساسياً منها.
وعلى عكس ما يتأمله الأسد من نقل رسالة للعالم مفادها أنه بدأ يفك عزلته الدولية، فإن اختيار الصين للزيارة تؤكد تلك العزلة وترسخ غرقه في مستنقع الدول الديكتاتورية، فسفر الأسد إلى الصين أو إلى إيران أو روسيا أو كوريا الشمالية، لا يختلف عن سفره من دمشق إلى اللاذقية، أو إلى أي منطقة من المناطق الخاضعة لسيطرته أو المتشابهة في سياستها مع سياسة عصابته الحاكمة في دمشق إلى حدود التطابق، سفر الأسد إلى بكين لا يختلف عن بقائه في قصره إلا على مستوى المسافة الجغرافية، وبالتالي فإن نظرية فك العزلة تبدو باطلة من أساسها ولا قيمة لها.
أما عن تقوية تحالف الأسد مع الصين، فذلك لا يحتاج لزيارة، لأن مواقف الرئيس الصيني معروفة سلفاً تجاه القضايا الدولية، فهو ضد أي حركة تحرر أياً كانت، كما أنه يدعم أي ديكتاتور بصرف النظر عن شخصه، وعلى هذا الأساس يدعم الرئيس الصيني الأسد منذ اندلاع الثورة بوصفه واحداً من الطغاة الذين يقمعون الشعوب، لا بوصفه رئيس دولة، أو رئيساً يمتلك مشروعاً معيناً.
غير أن ملمحاً مهماً في هذا السياق لا بد من ملاحظته، فلربما تكون زيارة الأسد للصين مبنية على تراجع ثقته بروسيا وإيران، أو التشكيك بموقفهما منه وفيما يمكن أن يحدث من متغيرات في ضوء الواقع السوري الذي وصل إلى حالة غير مسبوقة من الترهل والانهيار قد تكون عبئاً على الاحتلالين الروسي والإيراني، ولربما يشعر الأسد أن إحدى هاتين الدولتين أو كلتيهما قد تبيعانه بثمن بخس بعد أن اعتقد أنهما قد اشترتاه للأبد وأنه بات محسوباً عليهما، ولذلك فلا بد من البحث عن مشترٍ جديد، عن مصدر حماية جديد يكون بديلاً محتملاً لحمايته في حال اقترب خطر التضحية به على مذبح المصالح الروسية الإيرانية.
لم يستطع الأسد أن يخفي فرحته الغامرة التي كشفت ضآلته أمام الرئيس الصيني، فظهر كأنه كان يتوسل الزيارة، فابتساماته وضحكاته السعيدة لم تفارقه ليس فقط أمام الديكتاتور الصيني، بل منذ اللحظة التي وصل فيها إلى مطار بكين
ربما نكون قد ذهبنا بعيداً، فقد تكون الدعوة التي تلقاها الأسد لزيارة الصين مجرد اختيار لا على التعيين، أي أنه تمت دعوته من بين مجموعة من المدعوين لدورة الألعاب الأولمبية الآسيوية، وقد يكون ترشيحه للزيارة مبادرة من وزير صغير أو بطلب ملح منه شخصياً، ذلك ما تعبر عنه بوضوح مراسم الاستقبال التي لم توح أن الضيف يستقبل كرئيس دولة بل ربما كلاعب مشارك في الأولمبياد، أو كجمهور أو كواحد من الشخصيات العامة المشهورة في عالم الجريمة، أو كتاجر عقارات أو مخدرات محسوب على المافيا العالمية، ثم تكرم الرئيس الصيني بمنحه بعض الوقت للقاء.
لم يستطع الأسد أن يخفي فرحته الغامرة التي كشفت ضآلته أمام الرئيس الصيني، فظهر كأنه كان يتوسل الزيارة، فابتساماته وضحكاته السعيدة لم تفارقه ليس فقط أمام الديكتاتور الصيني، بل منذ اللحظة التي وصل فيها إلى مطار بكين، -أو ربما مطار صيني آخر- وهي ضحكات وابتسامات لا تشبه ضحكاته التي يطلقها داخل سوريا، ففي الداخل تعبر ابتسامات الرئيس عن حالة من الثقة والانتفاخ، أما في الصين فكانت ابتسامات تقرب وتوسل ومجاملة، تحول الأسد في الصين إلى مؤيد يشبح للرئيس الصيني كما يشبح له شبيحته في سوريا.
ديكتاتور صغير منبوذ يزور ديكتاتوراً كبيراً، صبي يزور أحد المعلمين ويقدم له الولاء، رئيس غير شرعي ومنتهي الصلاحية، قادماً سراً حاملاً وراءه إرثاً كبيراً من المجازر والجرائم التي لا يمكن محوها أو طمسها، يطلب الدعم من قوة عظمى توفر خدماتها وتقدم الحماية للطغاة، بل إن اختيار الصين يؤكد كل التهم الموجهة للأسد ويثبتها في ظل الحماية المفتوحة التي توفرها الصين لمجرمي الحرب.
وفي الوقت الذي تتوسع فيه دائرة الحراك في السويداء، وتتصاعد وتيرة الاحتجاجات فيها مطالبة الأسد بالتنحي والرحيل، يطير الأخير إلى بكين لتقوية تحالفه مع المحور المضاد للغرب، المحور المضاد للديمقراطية والحرية، وكأنه يخصص الرسالة للسويداء ويهدد أهلها بمستعمر جديد وبقوة جديدة يطلب منها العون لمواجهة ورطته في السويداء.
لا تندرج زيارة بشار الأسد للصين إلا في إطار المزاد العلني الذي افتتحته الدول الداعمة لبيع وشراء الوريث والذي استطاعت الثورة السورية إزالة ورقة التوت عن شرعيته المزيفة وكشفت عن حقيقة ولائه والمهمة المناط به القيام بها وهي تفكيك الوطن السوري وتدميره وقتل وتهجير شعبه لصالح المشتري.
بقي أمام الأسد أن يزور كوريا الشمالية ليكمل تحالفاته مع الدول الداعمة لقتل الشعوب، ولكنه يوفرها على ما يبدو للوقت الذي قد ينفجر الساحل في وجهه
ليس دقيقاً توصيف تحرك الأسد الأخير على أنه تحرك لبيع ما تبقى من سوريا لدول ليس لها حصة بعد في كعكة الأسد، بل إنه يتحرك لعرض نفسه للبيع باعتباره رئيساً مستعملاً ولكن بحالة جيدة كما يعتقد، فهو يجيد القتل والمجازر ولديه خبرة كافية في الإبادة والتهجير واستعمال البراميل والكيماوي والقتل تحت التعذيب، وكل ذلك تثمنه جيداً الدول الداعمة للديكتاتورية، وربما لا يتردد الرئيس الصيني بشراء الأسد بالشراكة مع إيران وروسيا، فالعرض سخي وسعر الرئيس رخيص وغير مكلف ومتناسب مع سياسة الصين التقشفية، وكل ذلك مقابل أراض وعقارات وموانئ ونفوذ في بلد اتضح أن من يحكمها لا يعنيه شيء من أمرها سوى أن يبقى في السلطة ولو بشكل شكلي، كما يؤكد سلوك الأسد وطبيعة تحركه أن استمراره وحمايته حتى الآن كانت نوعاً من زراعة العملاء وبات على الزارعين قطف محصولهم من خلال توظيف عناد الوريث ورغبته الأبدية في السلطة لصالح مشروعات الاحتلال المتعددة.
بقي أمام الأسد أن يزور كوريا الشمالية ليكمل تحالفاته مع الدول الداعمة لقتل الشعوب، ولكنه يوفرها على ما يبدو للوقت الذي قد ينفجر الساحل في وجهه، فلكل مكون سوري دولة يتم تهديده بها، ولكل دولة عرض مغرٍ.
بالتأكيد لا يشعر الأسد كم هو عار على سوريا، وكم يرسخ عاره بيديه في كل تصرف، سواء أكان موقفاً أو خطاباً أو مرسوماً أو زيارة لخارج القطر، كان على الأسد أن يلقي نظرة على مظاهرات السويداء ويتوقف عند خطاباتها وشعاراتها ليتأكد بنفسه مدى العار الذي يلحقه بسوريا إن بقي فيها، ولكن هيهات لمن يقبل على نفسه أن يكون مجرد سلعة أن يرى الواقع على حقيقته أو أن يراجع نفسه..