تعتبر جامعة الدول العربية أقدم منظمة إقليمية على مستوى العالم ورغم ذلك تعد الأكثر بيروقراطية ونعم "الأكثر تخلفا" على مستوى طرق التعاون الإقليمي بين أعضائها.
طبعا لن نقارن جامعة الدول العربية بدول الاتحاد الأوروبي حيث التعاون الأمثل بين الدول الأعضاء وحيث التنسيق الأعلى بما يحقق مصالح وأمن "المواطن الأوروبي"، حيث العملة الموحدة وهذا تحد داخلي كبير في تنسيق السياسة المالية بين كل الدول المشتركة في العملة الموحدة اليورو، وأيضا التنقل وحق العمل لكل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل حر وفعال، وحتى الزائرين الأجانب يملكون حق التنقل بين كل الدول الأعضاء إذا ما حصلوا على فيزا "تشينغن" تمكنهم من التنقل بين كل الدول المشتركة في نظام الفيزا المشترك هذا بما يمثل أعلى حالات التنسيق الأمني بين كل الدول الأعضاء.
طبعا لن نقارن النظام الإقليمي العربي بنظام التعاون الإقليمي في الاتحاد الأوروبي الذي يمثل أعلى درجات النجاح إقليميا ولكن دعنا نقارن نظام التعاون الإقليمي العربي بنظام التعاون بين دول أميركا اللاتينية التي استطاعت التنسيق فيما بينها على مستوى تسهيل عبور الأفراد بينها بشكل متناسق حتى بدون المرور بنظام تأشيرة الدخول الموحد، حيث يحظى المواطنون بحرية التنقل خاصة بين دول أعضاء أميركا الجنوبية.
إذا أتينا على جامعة الدول العربية التي هي اجتماع لمجموعة من الدول البيروقراطية التي تتراوح أنظمتها السياسية بين دول تسلطية إلى أنظمة سياسية مختلطة أو هجينة تكون فيها العوامل التسلطية أقوى بكثير من العوامل الديمقراطية
وينطبق الأمر ذاته على دول الاتحاد الإفريقي وإن كان بشكل أقل، لكن نظام الاتحاد الإفريقي تطور بشكل شمل المؤسسات الإقليمية المختصة بالاقتصاد والمحكمة الإفريقية التي تدعى بمحكمة إفريقية لحقوق الإنسان، في حين فشلت كليا تجربة اللجنة العربية لحقوق الإنسان في أن تتطور إلى أي تجربة فعلية ذات معنى على أرض الواقع وتعمل على تحسين وضع حقوق الإنسان في الدول العربية.
الآن إذا أتينا على جامعة الدول العربية التي هي اجتماع لمجموعة من الدول البيروقراطية التي تتراوح أنظمتها السياسية بين دول تسلطية إلى أنظمة سياسية مختلطة أو هجينة تكون فيها العوامل التسلطية أقوى بكثير من العوامل الديمقراطية، ولذلك نجد التنسيق السياسي والاقتصادي في حده الأدنى وانعكاس ذلك على مستوى المواطن العربي هو الأسوأ حيث انعدام حرية التنقل لمواطني المنطقة وحرمانهم من السفر إلا بفيزا مسبقة وهي مستحيلة الحصول عليها خاصة بالنسبة لمواطني الدول الأفقر مثل اليمن والسودان وسوريا ومصر وغيرها من الدول العربية ذات الدخل المتوسط أو الأدنى.
ولذلك لا يشعر المواطن العربي بأي شكل من أشكال التنسيق الإقليمي بما يعود على فائدته، حتى في التنسيق وحرية تنقل البضائع وغيرها من أشكال التعاون الاقتصادي التي تعود بالفائدة على مواطني هذه الدول، ولذلك يشعر المواطن العربي بلا جدوى هذه المنظمة الإقليمية وعدم فائدتها بكل الأحوال، ولذلك لا تبدو اجتماعاتها تحظى بأية قيمة أو معنى ولا تبدو لقاءاتها ذات أي فائدة سياسية واقتصادية.
لا يبدو أن هذه المنظمة يمكن أن ترتقي اليوم أو غدا بالعمل الإقليمي العربي كي يكون في صالح المواطن العربي وإنما بالعكس ربما تشل العمل الإقليمي كما وجدنا ذلك في حالة القضية الفلسطينية
ولذلك تبدو هذه المنظمة الإقليمية وكأنها جزء من الماضي لم تستطع إحياء ذاتها وتجديد أطرها أو القيام بأية إصلاحات يجعل لها تأثيرا على المستوى الإقليمي أو الدولي، وعليه فلا يبدو أن هذه المنظمة يمكن أن ترتقي اليوم أو غدا بالعمل الإقليمي العربي كي يكون في صالح المواطن العربي وإنما بالعكس ربما تشل العمل الإقليمي كما وجدنا ذلك في حالة القضية الفلسطينية التي تحاول بعض الدول العربية الالتفاف عليها والعمل على التطبيع بشكل منفرد كما في حالة الإمارات والتطبيع مع إسرائيل.
من المؤسف ما وصل إليه حال جامعة الدول العربية لكنها انعكاس لغياب الديمقراطية عن الدول الأعضاء وبالتالي تتصرف الأنظمة السياسية لمصالحها الشخصية وليس لصالح عموم مواطنيها.