مطلع العام 2014 أعلن عدد من فصائل الجيش الحر في حلب وريفها تشكيل "جيش المجاهدين" الذي اعتمد عند التأسيس على ثلاثة مكونات رئيسية هي: (الفرقة 19) التي تتخذ من منطقة الأتارب غربي حلب معقلاً أساسياً لقواتها، و(تجمع فاستقم) الذي يتخذ من مدينة حلب وتحديداً أحياء صلاح الدين والإذاعة والمشهد والأنصاري معقلاً أساسياً له، إضافة إلى (كتائب نور الدين الزنكي) المكونة أساساً من أبناء ريف حلب الغربي الأقرب لشمالها في منطقة عنجارة ومحيطها، والتي تضم فرعاً لها في مدينة حلب في منطقة انتشار تجمع فاستقم.
كان تشكيل الجيش قد بدأ بفكرة اندماج بين الفرقة 19 وتجمع فاستقم، بعد تجربة عسكرية مشتركة بينهما في معارك ريفي حلب الغربي والجنوبي ضد قوات نظام الأسد في الفترة بين يوليو \ تموز وسبتمبر \ أيلول عام 2013، إلا أن المباحثات بين التشكيلين لم تستطع طوال الربع الأخير من عام 2013 تجاوز نقطة الاتفاق على الاندماج إلى ما دونها من تفصيل شكل الاندماج ومكاتبه ومراكز قادته، وكذلك بقي الأمر من عدم الاتفاق بعد انضمام كتائب نور الدين الزنكي إلى المفاوضات مع استفحال خطر تنظيم "الدولة"، وتواتر الأخبار عن قرب اندماج على مستوى البلاد بين كبرى تشكيلاتها التي يتبع معظمها نهجاً سلفياً باسم "الجبهة الإسلامية".
إلا أن تحرك أرتال التنظيم باتجاه الفوج 46 في ريف حلب الغربي للسيطرة عليه، دفع الفصائل للإسراع بإعلان اندماجها تحت مسمى "جيش المجاهدين" دون اتفاق على أي شيء إلا أنها تشكيل واحد منذ الآن، ينصر بعضه بعضا ضد التنظيم، وإن عنى ذلك الدخول في حرب مفتوحة ضده، وكذلك فعلوا حتى تمكنوا -برفقة تشكيلات أخرى- من طرده من حلب وأريافها الشمالية والغربية والجنوبية إلى ريف حلب الشرقي، فما إن فرغوا من التنظيم، واستقرت الجبهات في مواجهته إلى خط رباط بارد، بعد انصراف التنظيم عن القتال في الشمال إلى شرق سوريا، حتى عادت نقاط الخلاف التي سبقت الاتفاق إلى الواجهة مجدداً، وكانت كتائب نور الدين الزنكي -كعادتها- أول مغادر لصفوف الجيش أواخر أبريل \ نيسان عام 2014، حيث باتت تعرّف عن نفسها باسم "حركة نور الدين الزنكي" بعد الإعلان رسمياً عن الانفصال مطلع مايو \ أيار من العام نفسه، وكان واضحاً آنذاك أن "الزنكي" لم يكن يطلب الاندماج من دخوله التشكيل بقدر ما كان يطلب الوجود في عصبة لمواجهة التنظيم، حيث بات الاندماج ضمن تشكيل لتحقيق غاية بعينها ثم مغادرته مع انقضاء الغاية علامة مميزة لفصيل الزنكي.
بعد انفصال الزنكي أصبحت كتلة جيش المجاهدين مكونة من تشكيلات الفرقة 19 (خاصة لوائي الأنصار وأمجاد الإسلام)، ومن تشكيلات تجمع فاستقم الذي اقتصر تكوينه على ثلاثة ألوية بعد انفصال كتائب أبو عمارة هي (السلام وحلب الشهباء وحلب المدينة الإسلامي)، إضافة إلى حركة النور الإسلامية ولواء ذو النورين وكتائب الصفوة الإسلامية التي انخرطت ضمن صفوف الجيش لاحقاً، ورغم أن التشكيلات اتفقت على "المقدم محمد بكور – أبو بكر" -قائد لواء الأنصار سابقاً- قائداً لجيش المجاهدين، وعلى "مصطفى برو – أبو قتيبة" -قائد لواء السلام سابقاً- نائباً له وقائداً عسكرياً للجيش، إلا أن الفرقة 19 وتجمع فاستقم -الكتلتان الأساسيتان في الجيش- بقيا ينظران لنفسيهما داخل صفوف الجيش ككتلتين، يعزز ذلك أن التمويل للجيش لم يكن يأتيه كتلة واحدة.
ففي مطلع العام 2014 -بالتزامن مع معركة تحرير الشمال من داعش- تطور أداء غرفة العمليات الدولية المشتركة الشهيرة باسم "موك" (Military Operations Center)، وتعرف أيضاً باسم "موم" في تركيا نسبة لاختلاف الترجمة، والتي تترأسها الولايات المتحدة الأميركية مع وجود دول أخرى كبريطانيا وفرنسا وتركيا ودول عربية أهمها السعودية والإمارات، حيث تتواصل فيها بشكل مباشر مع فصائل الجيش الحر شمال وجنوب سوريا عبر حدود تركيا والأردن.
كانت الغرفة تمول الفصائل التي تصنفها "معتدلة" معتمدة في ذلك على منسقين محليين كانوا أشبه بضباط ارتباط بينها وبين تشكيلات الجيش الحر، فكان "الزنكي" من أوائل التشكيلات التي حصلت على تمويل الغرفة، ثم مع تطورها تحصّل على دفعة كبيرة من الذخائر والأسلحة أعانته على التوسع بعد خروجه من صفوف جيش المجاهدين، فيما رفضت الغرفة الاعتراف بجيش المجاهدين كتلة واحدة، وبقيت تمول داخل الجيش تشكيلات الفرقة 19 سابقاً، بينما لم يكن التجمع يحصل على تمويل منها.
ولذلك داخل صفوف الجيش كان التجمع يطالب بأن يتم تقسيم المال على الفصيل على اعتباره كتلة واحدة، فيما كانت تشكيلات الفرقة 19 تصر على أن التمويل يأتي للفرقة 19، وأنها إذ تضع قسماً منه ضمن الجيش، فليس للتجمع أن يطلب أن يكون التمويل مقسماً على الجيش ككل، إلا أن تذوب التشكيلات ضمن جسد واحد، وهو ما كانت تقف دونه الاختلافات البنيوية بين الكتلتين.
فتشكيلات الفرقة 19 أكثر تنظيماً على جميع المستويات، فهي عسكرياً تقاد -غالباً- من قبل ضباط منشقين رتبوا قطعهم على نظام عسكري أشبه بجيش نظامي، مركزين بشكل كبير على طواقم الاختصاص بالسلاح الثقيل، بل إن "لواء أمجاد الإسلام" كان يضم رحبة لإصلاح الآليات الثقيلة كالدبابات والمجنزرات، التي امتلكت تشكيلات الفرقة وفرة منها، وذلك بسبب منشئها في الريف وطبيعة المعارك التي خاضتها سامحة لها بغنائم كبيرة من الآليات الثقيلة وما شابهها، بينما كان تشكيل التجمع في أحياء مدينة حلب، ومعظم معاركه -حتى ذاك الحين- كانت داخل أحيائها التي يغيب فيها استخدام السلاح الثقيل بشكل مكثف من قبل قوات نظام الأسد، وبالتالي اقتصرت غنائم التجمع على السلاح الخفيف، فضلاً عن أن معظم مجموعاته كانت تقاد من قبل ثوار محليين، وليس ضباط منشقين، الأمر الذي انعكس على بنيته وآلية تشكيله.
كما كانت تشكيلات الفرقة 19 -وخاصة لواء الأنصار- أكثر تنظيماً على المستوى الإداري، مع وجود كوادر مختصة ضمن صفوفها، واستعانتها بخبراء في المجال الإداري من السوريين المغتربين أعادوا هيكلة كيانها ضمن بنية منظمة، لا تقتصر على تنظيم قطعاتها المسلحة، بل تجاوزتها إلى المكاتب المختلفة كالمالي والإداري العام والسياسي والإعلامي واللوجستي... إلخ، وهو ما وُجد بشكل متواضع ضمن بنية التجمع التي كانت ما تزال حتى ذلك الحين معتمدة بشكل كبير على آلية إدارة بسيطة، مبنية على اجتهاد أفرادها ضمن ما يعرض لهم من وقائع، بشكل يكفي لتسيير أمور الفصيل.
ولذلك بعد أن تشكل جيش المجاهدين وضم الكتلتين في صفوفه، وبدأ سعيهما للذوبان ضمن بنية واحدة، ظهرت مشكلة التفاوت البنيوي بينهما، والتي ستلقي بظلالها على أداء التشكيل فيما سيلي من مواجهات.