خمسة سيناريوهات.. هل تحسم تفاهمات الدول الكبرى مصير معركة حلب المحتملة؟

2024.10.12 | 06:15 دمشق

44
+A
حجم الخط
-A

خلال الأسابيع القليلة الماضية، تصاعدت الأحاديث والتكهنات حول تحضير غرفة عمليات "الفتح المبين" التي تضم كبرى الفصائل العسكرية في إدلب لشنّ هجومٍ عسكري للسيطرة على مدينة حلب ومناطق أخرى، مستغلةً انشغال إيران والنظام بالحرب في لبنان وإمكانية امتدادها للجنوب السوري من جهة، وانشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا من جهة أخرى. ترافقت الأحاديث والتكهنات بالكثير من التشكيك بإمكانية شن هذا الهجوم وتغيير خرائط السيطرة التي تتفق عليها الدول الإقليمية والدولية الفاعلة في الشأن السوري، وخاصةً في ظل التحديات اللوجستية التي قد تواجه الفصائل في حال عدم وجود دعمٍ خارجي لمثل هذه المعركة الكبيرة.

السيطرة على حلب من المنظور التركي: فرص وتحديات

تعتبر تركيا الفاعل الخارجي الأول وربما الوحيد في مناطق سيطرة المعارضة، ولا ترجع الفاعلية التركية إلى كونها دولةً إقليمية قوية ولها قواعد عسكرية في المنطقة فحسب، بل أيضاً إلى كونها الدولة الوحيدة التي لها حدود جغرافية مع مناطق المعارضة، أي أنّها الممر الحصري لخطوط الإمداد اللازمة لأي معركة كبيرة؛ ما يجعل من قبولها بشنّ المعركة شرطاً هاماً لنجاحها.

لا شكّ أن سيطرة الفصائل حلب وربما حماة أيضاً سينعكس إيجابياً على تركيا، حيث ستزداد مناطق نفوذها وأوراقها السياسية في سوريا، كما أنّ المناطق المسيطر عليها حديثاً يمكن أن تحلّ جزءاً كبيراً من أزمة اللاجئين السوريين لديها. بالمقابل، يمكن لأي هجومٍ عسكري أن ينعكس سلباً عليها، فعلى فرض، وأؤكد على كلمة "على فرض"، توسّع الحرب بشكل كبير وامتدادها إلى سوريا، وانشغال إيران والنظام السوري بها وخروجهم نسبياً من الحسابات المؤثرة في معركة حلب، فماذا عن روسيا التي يمكن أن تقلب الموازين العسكرية بالاعتماد على سلاح الجو كما فعلت سابقاً؟ هذا فضلا عن الآثار السلبية التي يمكن أن يخلفها هكذا هجوم على العلاقات والتفاهمات والمصالح البينية الروسية التركية التي تتشابك في أكثر من منطقة داخل وخارج سوريا. إذن، فالأمر مرتبطٌ بحدوث تفاهمات تركية روسية تضمن تحييد روسيا وطائراتها. وهل ستقبل روسيا بتفاهمات جديدة مع تركيا على حساب التحالفات القائمة بينها وبين إيران في أكثر من ملف ومنطقة؟

وفي ظل هذه التحديات التي تواجه تركيا فيما يتعلق بالفاعل الروسي، هل يمكن لتطورات الحرب وامتدادها ودخول الفاعل الأميركي بقوةٍ لدعم هكذا معركة أن يجعل تركيا تقبل بها؟ وخاصةً أن تركيا، على لسان عددٍ من المسؤولين ومن بينهم الرئيس التركي "أردوغان"، صرّحت أكثر من مرة بأنها ترى في الحرب الإسرائيلية المدعومة أميركياً خطراً عليها، في إشارةٍ منها لإمكانية دعم إسرائيلي وأميركي أكبر لقوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وفي حال رفض تركيا، ورغبة هيئة تحرير الشام في الاستجابة للرغبة الأميركية "المزعومة" وفتح المعركة، فكيف ستتمكن أميركا من تزويدها بالسلاح والذخائر؟ وكيف ستكون ردة فعل تركيا بعد التدخل الأميركي في منطقة تعتبرها منطقة نفوذ ومجالاً حيوياً يتعلق بأمنها القومي؟ في ظل هذه التحديات والمخاطر، هل يمكن لتركيا أن تستطيع إقناع روسيا، التي يبدو أنها الفاعل الأهم والأكثر تأثيراً على قرار المعركة ونتائجها؟ وفي حال لم تستطع، فهل يمكن للتوجه والدعم الأميركي النوعي والكبير إقناع تركيا بالموافقة على البدء بالمعركة؟ وهل يمكن أن نشهد مثل هذه الرغبة والدعم الأميركي؟

بالرغم من التطور الملحوظ في القدرات العسكرية لفصائل "الفتح المبين" في إدلب خلال السنوات الأربعة الماضية، إلا أن حجم تدخل الفاعلين الخارجيين في الشأن السوري، وقوة وثقل هؤلاء الفاعلين دولياً وإقليمياً يجعل العامل السياسي الخارجي عاملاً حاسماً في إمكانية حدوث المعركة وسيناريوهاتها إن حدثت، وهذا يجعلنا أمام خمسة سيناريوهاتٍ للمعركة ... والعامل الخارجي هو من يرجح أحدها على البقية.

خمسة سيناريوهات محتملة للمعركة:

مع إعادة التأكيد على توسّع الحرب الإسرائيلية وانشغال إيران والنظام السوري بها وخروجهم نسبياً من الحسابات المؤثرة فيها، فعندها يمكن أن نكون أمام خمسة سيناريوهات للمعركة لا يمكن ترجيح أحدها على الآخر كون منطقة الشرق الأوسط كلها بما فيها سوريا مقبلة على سيناريوهات مفتوحة، وهي:

السيناريو الأول: التوسع باتجاه حلب وربما حماة

في هذا السيناريو، سيتمّ التوسع باتجاه حلب وربما حماة أيضاً، ثم الاستقرار في المناطق المسيطر عليها. وهذا السيناريو يتطلب بالضرورة اتفاقاتٍ تركية مع كلٍ من روسيا وأميركا تشمل عدم انخراط روسيا في المعركة، وانسحاب قوات سوريا الديمقراطية المتمركزة في الجيب الجغرافي الفاصل بين مناطق سيطرة الجيش الوطني شمالي حلب ومدينة حلب (يضم هذا الجيب مجموعة من المدن والبلدات أهمها تل رفعت). كما يتطلب هذا السيناريو وجود صيغة اتفاق خاصة حول مصير سكان بلدتي نبّل والزهراء الشيعيتين.

السيناريو الثاني: التوسع باتجاه مناطق اتفاق سوتشي

في هذا السيناريو سيتم التوسع باتجاه مناطق اتفاقية سوتشي التي خسرتها المعارضة بعد إخلال روسيا وإيران ببنود الاتفاقية، وهذا سيناريو أرجح من سابقه لعدة أسباب منها:

  • وجود اتفاقياتٍ مسبقة يمكن العودة إليها.
  • عدم وجود مدن استراتيجية كبرى يمكن أن تؤثر بشكلٍ كبير على التوازنات السياسية كما من المتوقع حدوثه في حال السيطرة على حلب.
  • في حال حدوث هذا السيناريو، فغالباً سيكون هناك اتفاق على فتح طريق دمشق حلب الدولي وضمان عدم إغلاقه.
  • في حال تحققه، عودة الآلاف من النازحين جراء المعارك الأخيرة إلى مناطقهم، وهو ما يخفف من الضغط السكاني في المنطقة.

السيناريو الثالث: التوسع المحدود في مناطق سوتشي

في هذا السيناريو سيتمّ التوسع المحدود في مناطق سوتشي، وتحديداً المناطق الواقعة غرب طريق دمشق حلب الدولي، حيث يمكن لإصرار الفتح المبين على فتح المعركة أن يدفع تركيا وروسيا لعقد صفقةٍ تتيح للفصائل السيطرة على مناطق سوتشي الواقعة غرب الطريق الدولي بمسافة معينة (5 كم مثلاً)، مع التعهد بالالتزام بعدم قطع الطريق الدولي.

السيناريو الرابع: فتح معركة بموافقة تركية دون اتفاق مع روسيا

هو سيناريو ممكن في حال وجود رغبة وضمانات أميركية حقيقية تشمل دعماً سياسياً وعسكرياً نوعياً للمعارضة السورية ولتركيا في عدة ملفات، أبرزها قسد. وفي هذا السيناريو يمكن للمعارضة أن تسيطر على مناطق أوسع من سوريا، لأنّ هكذا سيناريو أميركي غالباً ما سيكون هدفه إغراق روسيا في المستنقع السوري ويتطلب أراضي واسعة قد تصل إلى الأجزاء الشمالية الشرقية من جبال الساحل. وهذا السيناريو مستبعد بدرجةٍ كبيرة كون تركيا غير مستعدة للعب هذا الدور العدائي مع روسيا، خاصة في ظل التجارب التي جعلت تركيا تفقد ثقتها بالجانب الأميركي.

السيناريو الخامس: شنّ المعركة دون دعم أو اتفاقات دولية

وتحت هذا السيناريو يمكن استشراف سيناريوهين فرعيين:

  • السيناريو الفرعي الأول: تحقيق تقدم سريع للفصائل

حيث تتمكن الفصائل من تحقيق تقدم سريع على الأرض والسيطرة على حلب ومناطق هامة أخرى في أرياف اللاذقية وإدلب وحماة خلال مدة زمنية قصيرة. هذا التقدم السريع سيضع الجانب التركي في موقف قوةٍ في أي مفاوضات لوقف إطلاق النار، حيث يمكن أن يكون هناك اتفاق على الانسحاب من مناطق مقابل البقاء في أخرى وغالباً ما سيختار الجانب التركي حلب على غيرها لأهميتها بالنسبة له.

  • السيناريو الفرعي الثاني: عدم تحقيق تقدم سريع للفصائل

أما في حال لم تستطع الفصائل تحقيق تقدمٍ سريع والسيطرة على مناطق هامة خلال مدة زمنية قصيرة، فسيكون الجانب التركي في موقف ضعيف في مفاوضاته التي سيضطر للدخول فيها لوقف إطلاق النار والعودة لخطوط الاشتباك القديمة خشية موجات النزوح والهجرة. كما أن هذا السيناريو قد يصل بالعلاقة بين تركيا وهيئة تحرير الشام إلى مرحلةٍ حرجة.

الخلاصة:

رغم التطور الكبير في القدرات العسكرية لفصائل الفتح المبين في إدلب خلال السنوات الأربع الماضية، إلا أن حجم تدخل الفاعلين الخارجيين في الشأن السوري، وقوة وثقل هؤلاء الفاعلين دولياً وإقليمياً، يجعل العامل الخارجي وتفاهماته عاملاً حاسماً في إمكانية حدوث المعركة وسيناريوهاتها. ويبدو أن حصول اتفاقٍ سياسي بين تركيا وروسيا وأميركا حول تحرير مدينة كبرى مثل حلب ليس بالأمر السهل، ما يعني أن المعركة في حال حدوثها، فاحتمال توجهها باتجاه مناطق اتفاقية سوتشي أو أجزاء منها أكبر من احتمال توجهها إلى مدينة حلب، أو ربما عدم اندلاعها أساساً. ولكنّ هذا لا ينفي وجود هامش يمكن للفصائل التحرك فيه وتحقيق مكاسب جيدة في حال كان تحركها فعالاً ومدروساً.

وتبقى كل السيناريوهات مرتبطة بتطورات الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وما إذا كان الكيان الإسرائيلي ومن خلفه أميركا والغرب يريدون فعلاً إنهاء الوجود الإيراني في لبنان وسوريا، وما سيؤدي إليه من فراغٍ يجب على الفصائل استغلاله بشكلٍ حذرٍ ومدروس يجعلهم يحققون أكبر قدرٍ ممكن من المكاسب دون الانزلاق لحربٍ غير مدروسة يمكن أن تؤثر على مصير الثورة وآخر مناطق سيطرتها.

كلمات مفتاحية