ثمة شبه إجماع على اعتبار انتخابات 14 ماي / أيار تاريخية ومصيرية، لأسباب عديدة، منها ما يتعلق باستمرار الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية بالسلطة، ومنها ما يتعلق بقدرة المعارضة، التي وحدت صفوفها واستنفرت قواها، لوضع نهاية لهزائمها السياسية أمام الرئيس أردوغان. هذا بالإضافة إلى العوامل الخارجية، بسبب الدور المحوري، الذي تلعبه تركيا في ملفات بالغة الحساسية والتعقيد، على رأسها ملف الغزو الروسي لأوكرانيا، وملف الأزمة السورية، والأزمة الليبية، والصراع على الطاقة في شرق المتوسط، والحرب بين أذربيجان وأرمينيا، والوضع المتوتر القلق في البلقان.
وقد بدأت تتضح معالم الخريطة الانتخابية التركية، بعد أن انتهت الأحزاب السياسية من عمليات الاستقطاب والاصطفاف، وحسم مواقفها من التحالفات القائمة، سواء كانت على أساس المصالح السياسية، أو بناء على التوجهات الأيديولوجية.
**خريطة التحالفات الانتخابية
ساهم النظام الانتخابي الجديد، في دفع الأحزاب السياسية نحو التكتل والتجمع ضمن تكتلات سياسية، من أجل تحقيق أعلى نتيجة ممكنة. بناء على ذلك، تشكلت تحالفات برز منها تحالفان رئيسيان، هما تحالف الجمهور وتحالف الأمة، وتحالفات أخرى شكلتها أحزاب صغيرة لم تجد لها مكانا ضمن التحالفين الرئيسيين.
أولا: تحالف الجمهور Cumhur İttifakı
ويضم ستة أحزاب، هي: حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان، وحزب الحركة القومي بزعامة دولت بهجلي، وحزب الوحدة الكبرى بزعامة مصطفى دستجي، وحزب "الرفاه من جديد" بزعامة فاتح أربكان وريث الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، مؤسس حركة "النظرة الوطنية"، وحزب هدى بار الذي يضم شريحة من المتدينين الأكراد وينشط في مناطق جنوب شرق تركيا، ومؤخرا انضم حزب "اليسار الديمقراطي" إلى هذا التحالف.
وقد عمل حزب العدالة والتنمية على ضم عدد من الأحزاب الصغيرة إلى تحالفه مع حزب الحركة القومي، آخذا بعين الاعتبار توجهاتها السياسية، والشرائح الاجتماعية التي تمثلها، حيث تمثل هذه الأحزاب الصغيرة شرائح اجتماعية ذات أهمية خاصة إضافية، كما هو حال حزب هدى بار، الذي يضم كتلة انتخابية كردية محافظة، وهو ما ينطبق على حزب الرفاه الجديد بقيادة فاتح أربكان، الذي يمثل حركة "مللي غوروش"، وهي حركة سياسية اجتماعية ذات حضور قوي، ولها تأثير كبير على الشارع المحافظ والشارع الإسلامي في الداخل التركي وفي بلاد المهجر.
ثانيا: تحالف الأمة Millet İttifakı
ويضم الأحزاب السياسية المعارضة التي شكلت ما سمي بالطاولة السداسية، ويتشكل من أحزاب "الشعب الجمهوري" بقيادة كمال كليتشدار أوغلو، وحزب الجيد بقيادة ميرال أكشنار، وحزب السعادة بقيادة تمل كرامولا أوغلو، وحزب المستقبل بقيادة أحمد داود أوغلو، وحزب "ديفا" بقيادة علي باباجان، و"الحزب الديمقراطي" بقيادة غولتكين أويصال.
وقد سمى تحالف الأمة كمال كليتشدار أوغلو مرشحا للرئاسة، رغم المعارضة الشرسة من حزب الجيد.
ويعد حزب الشعوب الديمقراطي شريكا غير معلن لهذا التحالف، بسبب ظروفه الاستثنائية الخاصة، الناتجة عن ارتباطه الوثيق بمنظومة ب ك ك الإرهابية.
ثالثا:تحالف العمل والحرية Emek ve Özgürlük İttifakı
ويضم إلى جانب حزب الشعوب الديمقراطي كلا من، حزب العمل، وحزب الحركة العمالية، وحزب عمال تركيا، وحزب اتحاد الجمعيات الاشتراكية، وجميعها أحزاب يسارية شيوعية ماركسية متطرفة، وقد أعلنت تأييدها لكمال كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، لذلك لم تقدم مرشحا للرئاسة.
رابعا:تحالف أتا Ata İttifakı
ويضم كلا من حزب الظفر، وحزب العدالة، والحزب القويم، وحزب دولتي، ومرشحه الرئاسي سنان أوغان.
خامسا: حزب البلد Memleket Partisi
أسسه السياسي المخضرم المنشق عن حزب الشعب الجمهوري محرم إنجه يوم 17 مايو/أيار 2021، ويتماهى من الناحية الأيديولوجية مع حزب الشعب الجمهوري، من حيث الانتماء للفكر الكمالي (نسبة إلى كمال أتاتورك)، إلا أنه يميل إلى اليمين القومي أكثر من القيادة الحالية لحزب الشعب، ويخوض الحزب الانتخابات بمفرده، ومرشحه للرئاسة رئيس الحزب محرم إنجه.
**لمحة عن أهم الأحزاب السياسية الفاعلة
بحلول عام 2023، ارتفع العدد الإجمالي للأحزاب السياسية في تركيا إلى 123 حزبا، ورغم وجود هذا العدد الكبير فإن الأحزاب النشطة والفاعلة منها لا يتجاوز 15 حزباً. وأبرز الأحزاب الفاعلة،
1-حزب العدالة والتنمية AKP
أسسه الرئيس رجب طيب أردوغان في 14 أغسطس/آب 2001، ويقود تركيا منذ عام 2002، متصدرا المشهد السياسي التركي، حيث لم يخسر في أي استحقاق انتخابي، منذ تأسيسه وإلى يومنا هذا، ويمتلك 285 مقعداً من أصل 600، وقد تجاوز عدد أعضائه 12 مليونا، ويعرف حزب العدالة والتنمية نفسه على أنه حزب ديمقراطي محافظ.
2-حزب الشعب الجمهوريCHP
أُسس حزب الشعب الجمهوري عام 1923، تزامناً مع تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك، وقاد تركيا طيلة فترة حكم الحزب الواحد. لكنه خسر السلطة عام 1950 مع أول انتخابات ديمقراطية نزيهة.
أغلق الحزب عقب انقلاب 1980، ثم أعيد افتتاحه 1992، وهو أكبر حزب معارض، وثاني أقوى حزب في البرلمان بـ 134 نائباً، ويقوده كمال كليتشدار أوغلو، ويصنف الحزب على أنه وسط اليسار، بالرغم من وجود شخصيات يسارية متطرفة ضمن صفوفه. وقد انخفض عدد منتسبيه إلى مليون و250 ألفا.
3-حزب الشعوب الديمقراطيHDP
هو حزب يساري شوفيني كردي، أُسس في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2012، يتركز نشاطه في مناطق شرق وجنوب شرقي البلاد، التي تقطنها غالبية كردية، ويعتبر الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني المحظور، ويتبنى أجندة انفصالية، وهو ثاني أكبر حزب معارض، وثالث أقوى أحزاب البرلمان بـ 56 نائباً.
وبسبب الدعوى القضائية المرفوعة ضده أمام المحكمة الدستورية العليا بتهم تتعلق "بالإرهاب"، قرر الحزب دخول الانتخابات باسم اليسار الأخضر، وللحزب رئيسان في آن واحد، ويقوده الآن كل من مدحت سنجار، وبرفين بولدان.
4-حزب الحركة القوميMHP
هو حزب يميني قومي، أُسس الحزب في 7 يوليو/تموز 1983. متحالف مع الحزب الحاكم منذ 2018، ويعتبر رابع أقوى أحزاب البرلمان بـ 48 نائباً، ويقوده دولت بهجلي. وقد تعرض الحزب لعملية هندسة سياسية، اتهم بها الكيان الموازي، أدت إلى انقسامات حادة، وأسفرت عن انشقاق ميرال أكشنار وأوميت أوزداغ وعدد من نواب الحزب وأعضائه، مما تسبب في انخفاض عدد منتسبيه إلى نحو 490 ألفا.
5-حزب الجيدİP
هو ثالث أكبر أحزاب المعارضة وأقل الأحزاب البرلمانية قوة برصيد 37 نائباً برلمانياً. أُسس في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2017، إثر انشقاق قيادته عن حزب الحركة القومية، وتقوده ميرال أكشنار.
وقد شهد في الأيام الأخيرة تراجعا كبيرا في شعبيته، وتصدعات في بنيته الحزبية، على خلفية ترشح كمال كليتشدار أوغلو للرئاسة عن تحالف الأمة الذي يشارك فيه الحزب، وبسبب تحالف كليتشدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطي.
6-حزب السعادةSP
هو حزب يميني محافظ، أسسه الراحل نجم الدين أربكان في 20 يوليو/تموز 2001 بعد إغلاق حزب الرفاه، وقد آلت قيادته إلى تمل كارا مولا أوغلو، الذي يعتبر من الشخصيات شديدة المعارضة للحزب الحاكم، ولعب دورا مؤثرا في ترشيح كمال كليتشدار أوغلو للرئاسة. ويبلغ عدد أعضاء الحزب 265 ألفاً و738 عضواً.
7-حزب الديمقراطية والتقدم DEVA
هو حزب ليبرالي ديمقراطي، أسسه علي بابا جان في 9 مارس/آذار 2020، ويبلغ عدد أعضائه177 ألفاً و454 عضواً، ويُنظر لمؤسسه علي بابا جان على أنه رجل اقتصادي قوي، شغل منصب نائب رئيس الوزراء في حكومات العدالة والتنمية، ويحظى الحزب بدعم خفي من الرئيس السابق عبد الله جول.
8-حزب الرفاه الجديدYRP
هو حزب يميني إسلامي، أُسس في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بقيادة فاتح أربكان، نجل الراحل نجم الدين أربكان، ويحاول إحياء مسيرة والده الراحل وحزبه "الرفاه"، وقد بلغ عدد أعضاء الحزب 269 ألفاً و391 عضواً.
9-حزب الاتحاد الكبيرBBP
هو حزب يميني قومي محافظ متحالف مع الحزب الحاكم وحزب الحركة القومي، ضمن "تحالف الجمهور". أسس في 29 يناير/كانون الثاني 1993، يبلغ عدد منتسبيه 119 ألفاً و237 عضواً، ويقوده مصطفى دستجي.
10-حزب المستقبلGP
هو حزب محافظ ليبرالي، أسسه أحمد داود أوغلو في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، ويبلغ عدد أعضائه 18 ألفا و281. وقد ترأس داود أوغلو حزب العدالة والتنمية ورئاسة الوزراء، خلفا للرئيس أردوغان، لكنه لم يتمكن من قيادة الحزب والحكومة بنفس الزخم الذي كان يقوم به أردوغان. وعندما تم استبداله بـ (بن علي يلدرم)، ترك حزب العدالة والتنمية ليؤسس حزبه الجديد.
هذه لمحة مختصرة جدا عن الأحزاب السياسية التركية، وتحالفاتها الانتخابية، قبيل انتخابات 14 مايو / أيار المقبل.