تراجع الازدحام، إلى حد كبير، في شوارع المدن التركية والحدائق والساحات العامة، بموازاة بعض الإقبال على التزود بالحاجيات الأساسية في مراكز التسوق والمتاجر الصغيرة، وانخفض عدد ركاب وسائل النقل العامة، مع تراجع حركة السير بصورة عامة. ثمة توجس تقرأه في وجوه المارة، ويتكاثر استخدام الكمامات والقفازات. أما المقاهي والخمارات وصالونات الحلاقة ومقاهي الإنترنت وألعاب الكمبيوتر فقد أغلقت أبوابها، في حين يقتصر عمل المطاعم على بيع الوجبات أو إيصالها للزبائن، مع إزالة الطاولات منها تطبيقاً لقرارات وزارة الصحة.
تعمل وسائل الإعلام بكامل طاقتها لتوعية السكان وتوجيههم للالتزام بالتدابير الوقائية، وأهمها وجوب التزام البيت والامتناع عن الخروج إلا لضرورات قاهرة، وبخاصة المتقدمين في السن والمصابين بأمراض مزمنة المعرضين أكثر من غيرهم للإصابة والموت، بالنظر إلى ضعف نظام المناعة لديهم بالقياس للأعمار الأصغر وأصحاء الجسم. إضافة إلى التعليمات السلوكية من غسل اليدين بكثرة وعدم لمس الوجه وتعقيم كل ما يدخل إلى البيت من خارجه.
أعلن عن أول إصابة بفايروس كورونا الجديد (كوفيد – 19) في تركيا في 11 آذار الجاري ليرتفع، بعد يومين، إلى خمسة، وبعد يومين آخرين إلى 18. ثم واصل الخط البياني ارتفاعه باطراد وتسارع كما يلي:
16 آذار: 47،
17 آذار: 98 مع إعلان أول حالة وفاة،
18 آذار: 191 مع حالتي وفاة،
19 آذار: 359 مع 4 حالات وفاة،
20 آذار: 670 (عدد حالات الوفاة 9)
21 آذار: 947 (عدد الوفيات 21)
تعتبر تركيا من البلدان التي كانت سريعة في الاستجابة للتحدي، فلم تتكتم على بدء انتشار العدوى، وإن كان كثير من الناس يشككون في الأرقام المعلنة، ويعتقدون بأن الأرقام الحقيقية أكثر
لم يشذ الخط البياني هذا عن أمثاله في البلدان الأخرى، فأعداد المصابين تتضاعف وفقاً لمتوالية هندسية أو أكثر، بما يهدد بانهيار النظام الصحي أمام تفاقم العدوى بسرعة مقابل محدودية الإمكانات الصحية. وبالنظر إلى أن وسائل المعالجة غير موجودة، واللقاحات المكتشفة تحتاج إلى زمن طويل ليتم اعتمادها في الوقاية العامة، فقد حددت السلطات في أكثر بلدان العالم، ومنها تركيا، المهمة العاجلة في إبطاء انتشار العدوى كي يستطيع النظام الصحي التعامل معها.
تعتبر تركيا من البلدان التي كانت سريعة في الاستجابة للتحدي، فلم تتكتم على بدء انتشار العدوى، وإن كان كثير من الناس يشككون في الأرقام المعلنة، ويعتقدون بأن الأرقام الحقيقية، سواء في عدد الإصابات أو الوفيات، هو أكبر بكثير من المعلن. عدم الثقة فيما يعلن رسمياً من قبل الحكومة، ليس حالة خاصة بتركيا على أي حال، بل يشمل جميع البلدان، سواء كانت ذات أنظمة حكم دكتاتورية أو ديموقراطية. فالحقيقة هي أولى ضحايا الحرب، كما يقال، سواء تعلق الأمر بالحروب بمعناها المعروف أو بالحرب على وباء يهدد بمقتلة واسعة النطاق وبفوضى عامة قد تؤدي إليه الغرائز البدائية التي يحفزها الخطر الداهم.
تشكو السلطات العامة من عدم التزام الناس ببيوتهم، على رغم تراجع حركة الناس الملحوظة، ومن المحتمل أن تزداد التدابير الرادعة باطراد، مع دخول الأسبوع الثالث الذي يعتبره خبراء محليون حاسماً في السيطرة على الوضع. وقد لجأت بعض البلديات إلى إزالة المقاعد من الحدائق العامة، وهددت بلدية أوسكودار (إسطنبول) في منشور مصور، بحفر حفرة أمام أبواب الأبنية السكنية منعاً لخروج السكان! هو تهديد مازح – طبعاً – لكن حظر التجول قد يكون على الأبواب فعلاً، إذا استمر تفاقم العدوى في الأيام القادمة.
اتصلت بصديقة تركية تعمل طبيبة في أحد المراكز الصحية في غازي عنتاب حيث أقيم، وسألتها عما إذا كانت هناك إصابات في المدينة، فقالت إنه لا بد أن هناك إصابات. ألححت عليها بالسؤال إن كانت هناك حالات معروفة أي معلن عنها، فقالت إنه لم يعلن عن أي إصابات في المدينة "ولكن لا بد أن هناك إصابات"!
الثقة المفقودة بالإعلانات الرسمية لوزارة الصحة التي ما زالت تتكتم على التوزع الجغرافي للإصابات، فلا يعرف سكان المدن هل وصلت العدوى إلى مدينتهم أم لا. هناك حادثة فاقمت من فقدان الثقة
تؤكد إجابتها على الثقة المفقودة بالإعلانات الرسمية لوزارة الصحة التي ما زالت تتكتم على التوزع الجغرافي للإصابات، فلا يعرف سكان المدن هل وصلت العدوى إلى مدينتهم أم لا. هناك حادثة فاقمت من فقدان الثقة هذا هي عودة أفواج المعتمرين في الأراضي المقدسة. فقد أطلقت "إدارة الشؤون الدينية" المسؤولة عن إعادتهم، الدفعة الأولى منهم مع نصحهم بالالتزام بالحجر الصحي الطوعي في بيوتهم. ثم تداركت الإدارة المذكورة، وهي بمثابة وزارة، خطأها في الدفعات التالية التي تم الحجر عليها في بعض أبنية السكن الطلابي، لكن قسماً منهم هرب من الحجر وأمسكت بهم الشرطة في الشارع. كذلك أعادت الحكومة آلافاً من الأتراك من عدد من الدول الأوروبية التي تفشى فيها الوباء، ولا يثق كثير من الناس بنجاعة الحجر الصحي الذي أخضعوا له إلى أن تجرى عليهم الاختبارات الطبية اللازمة للتأكد من خلوهم من العدوى.
إذا أردنا أن نلخص الوضع، إلى الآن، أمكننا القول إن الحكومة قد تنبهت إلى خطورة الوضع مبكراً نسبياً، واتخذت تدابير أولية كإغلاق المدارس والجوامع وأماكن اللهو والتجمعات، ووقف السفر من وإلى البلدان الموبوءة، وهي تشجع على العمل من البيت بالنسبة للأعمال القابلة لتطبيق هذه الطريقة، وتم استنفار المستشفيات الخاصة والوقفية مع المستشفيات العامة لمواجهة الوباء.
أما المجتمع فاستجابته بطيئة نسبياً، ربما لأن الناس لا تأخذ خطورة الوضع على محمل الجد قبل أن ترى إصابات بالعدوى في محيطها المباشر، أي بين المعارف والأصدقاء والجيران، وإن كانوا يلتزمون بتطبيق التدابير الإلزامية كإغلاق المقاهي وغيرها، بالنظر إلى العقوبات الرادعة التي يمكن أن تطال أصحابها.