أدت فلسفة الثرثرة إلى تطور الفيس بوك عن طريق المساهمة في عدة جوانب. يبدو أن هذه الفلسفة نشأت من مجالات مختلفة اللغة، بدءًا من قدرة الإنسان التاريخية على استخدام اللغة، وصولًا إلى ظهور نظرية الثرثرة في سياق تكوين الاتحادات المجتمعية التي تسهم في إنعاش اللغة وتوفير فلسفة للثرثرة.
هناك أيضًا اعتبار نظرية الثرثرة كدافع لنقل المعلومات قبل ظهور وسائل الاتصال اللغوية السريعة. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الثرثرة في اللغة نظرية تمنح أهمية خاصة للآثار الجانبية التي تؤثر في استخدامات اللغة في التفكير. ومع ذلك، فإن الثرثرة لا تعني سوى أنماط لغوية ذات مسحة أنطولوجية، وتفتقر تمامًا إلى الأبعاد الأنطولوجية للغة، حيث تفتقر إلى المعنى الكامل للتفكير الذي ينتج نتائج ثقافية ومعرفية.
في كتابه "اللغة ومشكلات المعرفة"، يتطرق نعوم تشومسكي في محاضراته الخمس إلى العلاقة المتشابكة والمعقدة بين اللغة ومشكلات المعرفة.
يؤكد تشومسكي أن هذه العلاقة تتداخل في مفاهيم واسعة جدًا، نظرًا لأن اللغة تتداخل في جميع جوانب المعرفة. ومن الممكن أن يكون للثرثرة أولوية في الفهم، وقد يكون تضارب المعلومات وطبيعة الواقع الذي يتراوح بين الفيزياء والميتافيزيقا هو ما يجعل من الواقع قابلًا للثرثرة.
يتناول الكتاب الذي حرره بول ديفيس ونيلز هنريك جريجرسن هذه المسألة ويستكشف التحديات التي يواجهها الواقع نتيجة امتلاء المعلومات المربكة، وخاصة في مجال الفيزياء وكيفية معالجة المعلومات. ومع ذلك، يجب الاعتراف بأن تأثير الثورة الرقمية على البشرية بشكل عام قد يكون ضئيلًا مقارنة بتأثير ثورة معالجة المعلومات التي سبقتها، وهي تقنية اخترعت نظام الأحرف المتحركة في الطباعة.
تكلف الأخطاء في الأتمتة البشرية المزيد من إهدار المعلومات القيمة، حيث تعتبر هذه الأخطاء سقطًا للجهود المبذولة.
يبدو أن الثرثرة تنتشر في أي مجال يخدم أهدافها، وخاصة في المجال العلمي.
وفي كتاب "تاريخ العلوم"، يسلط كلود بيريزنسكي الضوء على جانب مهم في فلسفة الثرثرة والعلاقة الخفية بين العلماء واكتشافاتهم، وخاصة في مسارات الاكتشاف العلمي.
يوضح بيريزنسكي في الصفحات التالية تاريخ عدد من الاكتشافات بهدف تبيين أن مسارات الاكتشاف العلمي قد تكون معقدة ومتعرجة، وغالبًا لا يمكن التنبؤ بها.
فالاكتشاف العلمي قد يكون نتيجة لحدث عفوي. ويبدو أن الثرثرة تنتشر في أي مجال يخدم أهدافها، وخاصة في المجال العلمي. لذا، عندما كتبت مارجريت كونزو في كتابها "الفلسفة والفيس بوك"، استعانت بأفكار روبن دونبار حول فلسفة الثرثرة وعلاقتها بالفيس بوك، وخاصة من خلال عدد المتابعين.
وأشارت إلى أن فيس بوك يشترط على المشتركين تحديد خمسة آلاف صديق فقط، لأن وجود وظيفة الثرثرة لا يؤدي إلى أهدافها كلما زاد عدد الأصدقاء. وذلك للسيطرة على الثرثرة والاستفادة منها في وسائل التواصل الاجتماعي لإقناع التحالفات التي تنشأ من خلال اللغة.
وتناولت رؤية روبن دونبار التي تقول إنه بمجرد زيادة حجم المجموعة إلى حوالي 150 فردًا، فإن الاستمالة لم تعد طريقة فعالة لبناء التحالفات، وتباطأ نشاط المجموعة بنسبة 30%.
وحيث إن الثرثرة لا تؤثر على اللغة ولا تستنزف من مخزونها المعرفي واللغوي، فإن اللغة تستخدم تعبيرات مطاطية مثل "كيف حالك؟" أو "صباح الخير" أو "مساء الخير" بطرق ملتوية وساخرة، أو باستخدام الملصقات اللفظية التعبيرية عبر الصور وما إلى ذلك. هذه التعبيرات تحل محل اللغة الحوارية بلغة صامتة إيحائية متكررة آليًا أمام عملية مشابهة، إذا كانت تتطلب جهدًا بدنيًا، نجح المجتمع المعرفي في استخدام الثرثرة كفلسفة رائجة في تطور فيس بوك، في ثورة الاتصالات العالمية في العالم الرقمي.
ما يميز فيس بوك هو لغته الجديدة من حيث الشكل والمحتوى. تطور الرسالة النصية يمثل شكلًا جديدًا للتواصل، حيث تكون رسائل مختصرة بلغة مكتوبة مختزلة.
بيتر بي سيل يعزز تلك الثورة، حيث أصبحت المنتجات الإلكترونية الاستهلاكية معقدة ومليئة بالميزات إلى درجة أنه أصبح من الطبيعي أن تجد تعليمات سريعة وملصقات توضيحية ترافقها.
تاريخ الإنترنت والويب قد شهد تحولات علمية سريعة ومعقدة، بدءًا من ظهور تكنولوجيا النانو وتطور قانون مور، وتطوّرت شبكة الإنترنت العالمية لتحقيق هدف مختلف تمامًا عما كانت عليه في البداية. ومع ذلك، المهم هو فهم فلسفة الثرثرة ودورها في كل هذا التطور المزعج لفيس بوك. ليست جميع الأنشطة الإلكترونية بعيدة عن لغة التواصل، التي يعتمد عليها اللغة الثرثرية والقيمة الزائدة في اللغة.
دعنا نتأمل في رسائل ووظائف الثرثرة على فيس بوك، فهي تعكس بالتأكيد إرسال رسائل وإجراء حوارات بشكل وثيق. يعتقد أن مشكلتها الرئيسية تكمن في طرق الكفاءة التي تعاني منها جميع وسائل الاتصال السابقة، ومع ذلك، ما يميز فيس بوك هو لغته الجديدة من حيث الشكل والمحتوى. تطور الرسالة النصية يمثل شكلًا جديدًا للتواصل، حيث تكون رسائل مختصرة بلغة مكتوبة مختزلة، وتسمح بتعدد طرق التعبير ضمنيًا دون تغيير في طريقة الفهم.يبدو أن الكون الرقمي الذي شهد تطور الإنترنت قد استوعب جميع طرق قنوات الثرثرة المعجمية والدلالية والمعيارية في لغة التواصل القائمة على وهم الخطاب الاجتماعي عبر الويب. ويشير تشومسكي إلى العلاقة بين اللغة والمعرفة، حيث لا يجب أن تكون اللغة مجرد ترجمان للمعرفة، بل يجب أن تحاكي قوانينها التوليدية. ومع ذلك، يجب أن ننبه إلى خطر أن تصبح لغة الاختزال مرتبطة بالعزلة الاجتماعية الواقعية، مما يؤدي إلى إنشاء أماكن وعوالم افتراضية تشبه الوهم الحقيقي الذي يؤمن به الأشخاص بعد الاستيقاظ.