بعد أن فشلت محاولات النظام باحتواء حراك السويداء والمراهنة على تشظيه وانقسامه وعلى تعب المحتجين، بعد مضي أكثر من 310 أيام على الاحتجاجات اليومية في ساحة الكرامة في السويداء، استنفذت الأجهزة الأمنية كل الأساليب، دون أن تتمكن من تحقيق أغراضها في احتواء هذه الانتفاضة ووقف الاحتجاجات.
شكلت محاولة النظام إقامة حاجز أمني – عسكري في مدخل السويداء نقلة نوعية، يسجلها النظام لخنق المدينة وإجهاض انتفاضتها. وكأن السويداء تحتاج إلى المزيد من الحواجز، ولا تحتاج إلى الماء والكهرباء والخدمات الصحية والتعليمية. أصبح يعرف السوريون أن النظام لا حلول لديه إلا الحلول الأمنية الوحشية في التعامل مع السوريين في مختلف مناطقهم.
تشي تحركات النظام منذ عدة أشهر بتحضير المسرح للانقضاض على السويداء، وتحين الفرصة لوضع حد لاستمرار انتفاضتها. بدأت هذه التحركات المريبة، بتعيين محافظ جديد في السويداء المنتفضة! محافظ له تاريخ أمني وحشي وخبرات واسعة في القمع. ففي 12 أيار الماضي، أصدر بشار الأسد مرسوماً استبدل فيه محافظ السويداء المهندس "بسام بارسيك"، باللواء المتقاعد "أكرم علي محمد".
من هو أكرم محمد؟
ينحدر "محمد" من بلدة حديدة في الريف الغربي لمحافظة حمص، وهو ضابط من مرتبات إدارة المخابرات العامة المعروفة محلياً باسم إدارة أمن الدولة. ترأس فرع أمن الدولة في حلب من عام 2009 و حتى 2013، ثم انتقل لرئاسة فرع المعلومات "255" في دمشق، وهو الفرع المسؤول عن الرقابة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، ثم معاون رئيس فرع أمن الدولة في طرطوس حتى تقاعده.
منظمة "هيومن رايتس ووتش" (منظمة مراقبة حقوق الإنسان) نشرت مقالات ورد فيها ذكر أكرم محمد، حيث نقلت شهادات لمعتقلين قالت إنهم تعرضوا للتعذيب الشديد من قبل عناصره، إبان المظاهرات التي حصلت عام 2011 وبعده، وذكرت قيامه بقمع وحشي لتلك المظاهرات وإجبار سجناء على الاعتراف بما لم يفعلوه وغيره.
اللافت تعيين محافظ ذي خلفية أمنية بهذا التاريخ الحافل بالتعذيب، حيث إن اللواء "عامر العشّي" كان آخر المحافظين من الخلفية الأمنية و انتهى تعيينه عام 2020، وفي هذا الوقت بالتحديد، بالتزامن مع الحراك السلمي الذي لم تستطع السلطة إيقافه منذ أكثر من عشرة أشهر، فلا بوادر عن نية السلطة تغيير عقليتها، وتغيير أساليبها في تبني الحلول الأمنية التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه من أوضاع كارثية ومن ذل وهوان.
تعزيزات عسكرية
قبل أسابيع شهدت المحافظة تعزيزات عسكرية وأمنية، قبل تعيين محافظ من خلفية أمنية، حشود من مختلف أنواع الأسلحة وصلت الى مطاري خلخلة والثعلة في المحافظة. كما تم تعزيز الأجهزة الأمنية، تعزيزات وصلت إلى مقار الأمن العسكري والأمن الجوي. أشاعت أجهزة النظام بأن هذه التحركات تأتي تحسبا لقيام إسرائيل بحرب على جنوب لبنان وجنوب سوريا! وكأن نظام الأسد لا يشغله شاغل إلا الاستعداد لمواجهة إسرائيل!. يستخف بعقول السوريين، الذين يعرفون جيدا أنه يتلقى الصفعات المتتالية من إسرائيل وكل أشكال الإذلال دون أن ينبس ببنت شفة، ومنذ أشهر يتفرج على محور "الممانعة ووحدة الساحات" ويقف مكتوف الأيدي، دون أن يحرك ساكنا أمام حرب تدور من حوله، يتصرف وكأنه في كوكب آخر.
يريد الآن أن يقنع أهل السويداء أن تحركاته العسكرية هي لمواجهة إسرائيل! إسرائيل التي أنقذت نظامه من السقوط في أكثر من مناسبة، وشاركته الترحيب بجيش "الأصدقاء الروس" الذين نسقوا مع إسرائيل جميع الاعتداءات وكل الضربات الجوية الموجهة للأرض السورية.
هذه المؤشرات تحمل على طرح الكثير من الأسئلة حول النوايا المبيّتة في تحين الفرصة لاستخدام القوة والعنف في مواجهة الانتفاضة، ودفع الأوضاع في السويداء إلى مواجهات دموية جديدة.
إعادة تنشيط عصابات الخطف والسطو
ظاهرة جديدة عرفتها المدينة، بعد أن تراجع عدد عمليات السطو والخطف منذ بدء الانتفاضة، عادت هذه الظاهرة وبقوة حيث عرفت المدينة أكثر من 6 عمليات خطف في مطلع شهر حزيران وأكثر من 5 عمليات سطو ونهب للبيوت، في تصاعد غير مسبوق خلال فترة زمنية بسيطة. حدث هذا التصاعد بعد التعزيزات الأمنية العسكرية ألأخيرة وبعد تعيين محافظ أمني سابق. يربط الكثير من المحللين هذا التصعيد وبين التغيرات الأمنية وتصعيد التهديد لدفع المجتمع للقبول بالحواجز الأمنية، حيث ينظر النظام إلى هذه الحواجز على أنها تمهد السبيل لبسط السيطرة على المحافظة المتمردة وإعادتها الى بيت الطاعة.
تزامنت هذه الأحداث مع اعتقال السيدة ريتا العقباني ابنة السويداء المقيمة في دمشق جرمانا. لم تتأخر بعض الفصائل في توقيف 13 عنصرا من عناصر النظام ورفض الإفراج عنهم قبل إطلاق سراح ريتا.
اضطر النظام للإذعان فأطلق سراح ريتا بعد توقيف استمر 3 أيام. ربما كان هذا الاعتقال محاولة "جس نبض" لمعرفة ردود الفعل، بعد أن رسخت السويداء معادلة جديدة في مواجهة الاعتقال التعسفي، فردة الفعل تكون من جنس الفعل، تكرر ذلك بشكل لافت، وفي كل مرة يذعن النظام ويفرج عن المعتقلين ويبتلع المزيد من الإذلال والإهانة.
إقامة حاجز في مدخل مدينة السويداء
في يوم الجمعة 7 حزيران، عرفت السويداء حدثين بارزين الحدث الأول العثور على قنبلتين على المنصة الإعلامية في ساحة الكرامة، بهدف تخويف المشاركين في الحراك، لأن القنابل كانت مكشوفة، من وضعها لم يتقصد إخفاءها. الحدث الثاني البدء بتسوية الأرض لبناء حاجز أمني في مدخل المدينة قرب دوار العنقود. لم يتأخر ناشطو الحراك في تشجير المكان المخصص لهذا الحاجز، تعبيرا عن الرفض المطلق لتقييد الحريات في التنقل والدخول إلى المدينة دون إذن من أحد. يؤشر هذان الحدثان إلى محاولة استعراض القوة بعد تعيين محافظ له تاريخ طويل في قمع الشعب السوري.
بتاريخ 23 حزيران، في محاولة استفزازية، قام النظام بنقل معداته وآلياته إلى موقع الحاجز الذي تم تشجيره من قبل الناشطين ، اقتلع الأشجار لينصب الرشاشات والمدافع، غير مكترث برفض المجتمع لهذا "الإنجاز القمعي الجديد".
تحول المكان إلى ما يشبه القلعة بعد تزويده بكافة أنواع الأسلحة. قام ناشطو السويداء في خطوة أولى بالتوجه السلمي نحو الحاجز والتواصل مع عناصره وتنبيههم لضرورة مغادرة المكان والامتناع عن استخدام سلاحهم ضد إخوتهم في الوطنية، وتم إنذار قائد الحاجز وإمهالهم 24 ساعة للمغادرة . ليلاً قامت بعض الفصائل بمناوشات حول الحاجز وتم تبادل إطلاق النار، كي يدرك النظام جدية الفصائل وإصرارها على اقتلاع الحاجز سلماً أو بالقوة. واستمرت الاشتباكات حتى الرابعة صباحاً بعد تدخل بعض الوسطاء لإعطاء فسحة زمنية للحل السلمي واقتلاع الحاجز دون إراقة دماء.
تدخل انتفاضة السويداء في مرحلة جديدة مفتوحة على كل الاحتمالات. وفي حال ارتكب النظام جريمة جديدة في استخدام القوة، على الشعب السوري مسؤولية وطنية وأخلاقية في مؤازرة السويداء بكافة أشكال الدعم، لكي لا يستفرد النظام بها، ويكرر سيناريوهات سابقة في أخذ المحافظات فرادى، أن وقفة الشعب السوري وملاقاة انتفاضة السويداء بحث يشتعل الحراك الثوري في كل مكان، لتشتيت قوات النظام التي أصبحت على درجة كبيرة من الوهن والضعف، ربما شكل ذلك فرصة لانهيار النظام وانتصار الشعب السوري وبداية النهاية لهذه الصفحة الأسدية السوداء.