جميلة هي المبادرة الثانية التي قام بها اليوتيوبر الكويتي حسن سليمان الشهير بـ "أبو فلة" لجمع مليون دولار للاجئين، خلال بث مباشر وصل إلى سبعٍ وعشرين ساعة، وإصرار كبير على بلوغ الرقم المالي المنشود، بمناسبة وصول متابعيه إلى عشرين مليونا، وذلك بالتعاون مع المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
لا يمكن لأي سوري غيور إلا أن ينحني احتراماً لهذا الشاب العشريني، لتفكيره بمأساة السوريين وغيرهم من الشعوب العربية المهجرة والمكوية بنيران الاستبداد وحروبه، فأبو فلة مواطن في بلد خليجي نسبة الدخل فيه من الأعلى على مستوى العالم، وهو مرفّه في عيشته، وهو غير مضطر للغوص في وحول مخيمات السوريين المنتشرة على أرض ثلاثة بلدان، هي الأردن ولبنان وتركيا، فضلاً عن أكثر من 1600 مخيم في الشمال السوري.
في العام الماضي عندما تكفل أبو فلة ببناء 12 منزلاً لاثنتي عشرة عائلة مهجرة في المخيمات السورية التي لا تقي خيامها لا قيظ الصيف ولا قرَّ الشتاء، قلنا إن هذه الحملة على صغرها مفيدة جداً لنا، وهي يمكن أن تشجع غيره من صناع المحتوى، فالمأساة تفوق الوصف والحاجة كبيرة، ولكن البحصة تسند جرة، كما يُقال في المثل العامي، وقارنّا بينه وبين اليوتيوبرز السوريين، الذين لا هم لهم سوى زيادة متابعيهم، وذلك عبر كثير من القصص التافهة والخلافات المفتعلة، وطبعاً التعامي – إن لم يكن تعالياً- على جراح السوريين وآلامهم ومعاناتهم، وبالفعل تشجع البعض من "المؤثرين" السوريين وقام ببعض الحملات لمساعدة اللاجئين والنازحين.
كل يوتيوبر هدفه أن يتابعه ويشاهده أكبر عدد من الناس، لأن في هذا زيادة لأرباحه المتأتية من الإعلانات التي يدرجها موقع اليوتيوب في المقاطع المصورة، وهذا حق مشروع
السنة الماضية وهذه السنة قيل كثير عن أن هاتين الحملتين لا هدف لهما سوى زيادة متابعي أبو فلة، ورفع نسبة المشاهدات، وهذا هدف وغاية، لكل صانع محتوى. طالما أنه لا يقدم ما يخلُّ بالأخلاق والمروءة، فأين المشكلة؟ فكل يوتيوبر هدفه أن يتابعه ويشاهده أكبر عدد من الناس، لأن في هذا زيادة لأرباحه المتأتية من الإعلانات التي يدرجها موقع اليوتيوب في المقاطع المصورة، وهذا حق مشروع.
لن أناقش في المحتوى الذي يقدمه مشاهير التواصل الاجتماعي السوريون في هذه المواقع المعروفة، فهم بغالبيتهم- برأيي- الأسوأ بين صناع المحتوى العرب، الذين يقدم بعضهم مادة غنية بالفائدة والتشويق والمتعة والمعلومة، ولن أحلل مضمون الفيديوهات التي يقدمها أبو فلة فهي فيديوهات ألعاب بغالبها، مع بعض المقاطع الكوميدية، فجمهور هؤلاء على الغالب هو من المراهقين المهووسين بالألعاب الإلكترونية ونجومها، ولكن تصدي أبو فلة للأعمال الخيرية تعطيه قيمة أخلاقية مضافة تجعلنا سعداء بأنه صاحب أكبر قناة يوتيوب عربية، وفيها عشرون مليون متابع.
ألا يأبه معظم صانعي المحتوى السوريين لمأساة أهلهم، بدعوى أنهم لا يريدون أن يتكلموا في السياسة لهو أمر مخجل ومخزٍ. وبدلاً من أن يكونوا مبادرين وفي الطليعة.. وأن يتأثر السوريون أبناء الوجع والمأساة بزميلهم الكويتي البعيد جغرافياً، والقريب قلبياً وعاطفياً، ويبدؤوا حملات مساعدة كما حصل العام الماضي مع أنس مروة، هو أمر محزن، ولكننا لا نستطيع إلا أن نقول لهم استمروا فأن تأتوا متأخرين خير من ألا تأتوا أبداً، ونحن كسوريين لا نملك رفاهية الرفض.
ولكن الطامة الكبرى هي أن هناك من اليوتيوبر السوريين من بدأ يهاجم أبو فلة علناً، فسامر وحود "ابن سوريا" الذي يقدم محتوى قريبا جداً من أبو فلة، ولكن أين الثريا من الثرى، شن حملة شعواء على الأخير بدعوى أن حملته هي فقط لزيادة المشاهدات وللمتاجرة بمأساة الناس.
بدلاً من أن يبادر هو الآخر لحملة كهذه، شنَّ "ابن سوريا" حرباً لا هوادة فيها على المبادِر والمتبرعين لهذه المبادرة
في وضع كوضع السوريين المأساوي، لا يمكن بحال من الأحوال اعتبار الهجوم على حملة أبو فلة ضمن "عداوات الكار"، بل هي برأيي لا تأتي إلا ضمن الانحطاط الأخلاقي، والأنانية الفردية التي يعاني منها بعض صناع المحتوى السوريين، فبدلاً من أن يبادر هو الآخر لحملة كهذه، شنَّ "ابن سوريا" حرباً لا هوادة فيها على المبادِر والمتبرعين لهذه المبادرة، واصفاً إياهم بالراقصات والديوثين والتافهين، وهذا لعمري هو قمة المأساة، بل هو بالضبط ممن ينطبق عليهم المثل العامي الشهير "لا يرحم ولا يدع رحمة الله تنزل".