الوجع لبناني سوري والصراخ إيراني – إسرائيلي

2024.10.06 | 07:19 دمشق

لبنان
+A
حجم الخط
-A

تستبعد هذه المادة سيناريو أن يكون من يصرخ أولًا على الجبهات هو طرف ثالث محلي أو إقليمي يمنح تل أبيب وطهران فرصة الخروج من المأزق العسكري والسياسي، وتجييره إلى ورقة تسهل العودة إلى أجواء الحرب الباردة بين البلدين.  
مشهد من هذا النوع سيقوي إيران وإسرائيل وحلفاءهما أكثر فأكثر في الإقليم على حساب بقية الدول، ويدفع واشنطن لبناء منظومتها الشرق أوسطية انطلاقا من هذه المعادلة الجديدة.  
تعول المادة أيضا على أن قرار "الحياد" للعديد من العواصم العربية في هذه المعركة سيبقى على حاله حتى لو تطورت الأمور وتعقدت أكثر من ذلك. فقناعة كثيرين هناك تقول إن حزب الله يحصد ما زرعه في العقدين الأخيرين على أكثر من جبهة عربية باسم طهران.  
فائض الشجاعة أبدته واشنطن منذ البداية عبر قرار الانحياز الكامل إلى الجانب الإسرائيلي وإعلانها مؤخرا "أنها تدرس مع نتنياهو تفاصيل خيارات الرد على طهران وزمانه وشكله".  
قد تكون تل أبيب استنفدت مفاجآتها الإلكترونية، ولم يعد أمامها سوى خيار الدخول في مواجهة برية كلاسيكية مع حزب الله على جبهة جنوبي لبنان. لكن المواجهات على الجبهة مع إيران ما زالت في بدايتها، خصوصا بعد الرد الإيراني المتأخر الذي قالت طهران إن سببه هو الوعود الأميركية الخادعة بالتهدئة في قطاع غزة مقابل عدم التصعيد في لبنان.  
على قدر الألم يأتي الصراخ على جبهة لبنان، لكن ذلك لا يعني بالضرورة الاستسلام لنتنياهو وإعلانه بطل كل الحروب والمواجهات على الجبهات بعد كل المجازر التي يرتكبها جيشه في غزة ولبنان. بالمقابل، خروج حزب الله متضررا من المعركة لا مفر منه، لكن الثمن الذي سيدفعه في الإقليم لن يقل عما سيتحمله في الداخل. حارب ضد السوريين نيابة عن بشار الأسد بقرار إيراني، فكيف سيقنع شرائح المجتمع اللبناني والجيش والأحزاب بالوقوف إلى جانبه وهو من خرج عن قوانين وإرادة السلطة اللبنانية بتعليمات إيرانية؟ على حزب الله أن يتعامل أولا مع قناعة كثير من اللبنانيين المعارضين لسياساته، والتي تقول إن ما يقوم به الحزب ليس مواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان، بل العدوان الإسرائيلي عليه، إذ يتحمل هو أسباب هذه الورطة.  
يطالب حزب الله بأن يتوحد لبنان والعالم العربي والإسلامي في الوقوف بجانبه في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وهو محق عندما يخوض معركة من هذا النوع. لكن عقبة التزامه بالقرار الإيراني ومحاولة فرض ذلك على الجميع في لبنان والإقليم لن تفارقه بسهولة كما يبدو.  

أمام حزب الله لحظات تاريخية لتغيير كل مواقفه وسياساته وهو يحارب العدو الإسرائيلي، فهل يستغل الفرصة أم يهدرها؟ هل سيتحرك لإعلان مراجعته لمواقفه وسياساته في إطار خيارات لبنانية عربية إسلامية جديدة؟ أم سيترك القرار لطهران مرة أخرى لتساوم تل أبيب وواشنطن على مقايضته لإنقاذ ما تستطيع إقليميا؟

أمام حزب الله لحظات تاريخية لتغيير كل مواقفه وسياساته وهو يحارب العدو الإسرائيلي، فهل يستغل الفرصة أم يهدرها؟ هل سيتحرك لإعلان مراجعته لمواقفه وسياساته في إطار خيارات لبنانية عربية إسلامية جديدة؟ أم سيترك القرار لطهران مرة أخرى لتساوم تل أبيب وواشنطن على مقايضته لإنقاذ ما تستطيع إقليميا؟ هل سيعود مثلًا للأرشيف "السني" و"المسيحي" في عام 2006 في الإعلام العربي والإسلامي ليساعده على مراجعة وتحديد خياراته وقراراته الجديدة؟ وهل سيجري عملية نقد ذاتي لمرحلة ما بين 2006 و2024 أم لا؟ ما ينتظره ويريده بعضهم في لبنان وخارجه من حزب الله هو مراجعة سياسته الإيرانية وإعلان بداية جديدة في مواقفه وخياراته وترك الدولة اللبنانية تقود المشهد نيابة عنه، فهل يفعل ذلك؟  
في الشق السوري، على حزب الله ألا يراهن كثيرا على بشار الأسد ليرد له الجميل ويرسل جنوده لتقاتل إلى جانبه مثلا. النظام في دمشق منشغل بالهجمات والضربات التي يتلقاها في قلب العاصمة من قبل المقاتلات الإسرائيلية، والتي قد تخطئ أهدافها في كل لحظة. إطالة أمد العدوان الإسرائيلي على لبنان سيدفع حزب الله لمراجعة سياسته السورية وسحب مقاتليه وترك النظام يواجه قدره وحيدا في مواجهة تل أبيب إذا ما قرر نتنياهو تحريك جبهة الحدود الإسرائيلية السورية.  
رددت إيران مطولا أن وقف العدوان على غزة هو مفتاح الحؤول من دون انفجار بقية الجبهات. اشتعال جبهة جنوبي لبنان واتساع رقعة المواجهات يقول العكس: وقف الحرب في لبنان سيسهم في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة كما ترى إسرائيل اليوم. أي الخيارين هو الذي ستتبناه واشنطن، أم أن الخيار الثالث عبر دفع طهران وتل أبيب نحو طاولة تفاهمات أميركية هو الذي قد يظهر إلى العلن ليقلب الطاولة ويفاجئ الجميع؟  
قيادات حزب الله على جبهات القتال في الجنوب اللبناني، والوقت لن يسمح لها بقراءة وتحليل ما كتبه قبل أيام الإعلامي أرسين شليك في صحيفة "يني شفق" الإسلامية تحت عنوان "انتقاد إيران: هل هو مذهبي أم فراسة"، وهو يردد: "أتذكر جيدا كلمات حسن نصر الله عام 2006 والتي دعت جميع المسلمين للالتفاف حول راية المقاومة. كان نصر الله يقول في خطاب النصر الذي ألقاه بعد وقف إطلاق النار مع إسرائيل: هذا النصر ليس انتصار حزب أو طائفة أو فئة معينة، بل هو انتصار لبنان الحقيقي، وشعبه الأصيل، وجميع المخلصين في هذا البلد. وكنا نؤمن بذلك حقا. لم نكن نشك حينها في أن حزب الله يعمل تحت إمرة إيران أو أنه متحيز للمذهب الشيعي. ولم نكن لنقول مثلًا إن سيطرته على لبنان جاءت على حساب تهميش الطائفة السنية الحاكمة. ولكننا بعد ذلك شهدنا أحداثا وحشية وأياما مروعة مليئة بالعنف والدمار. مع اندلاع الثورة السورية..".  
تتراجع يوما بعد يوم فرص البحث عن حلول دبلوماسية تحول من دون وقوع الانفجار الإقليمي الكبير. وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وصف الهجوم الصاروخي الإيراني بأنه "غير مقبول على الإطلاق، ويجب على كل العالم إدانته". بايدن كان أكثر صرامة ووضوحا: نعم لاستهداف منشآت الطاقة الإيرانية خلال الرد. العنوان العريض المرفوع اليوم هو أن واشنطن تضع دعوات التهدئة جانبًا وتتهيأ لخوض الحرب ضد إيران. هل يتحمل الاقتصاد الإيراني والإسرائيلي ثمن حرب إقليمية طويلة؟ أم أن الهدف هو جر دول المنطقة والعالم إلى مصيدة ارتدادات هذه الحرب النفطية والتجارية عبر استهداف الممرات وخطوط الطاقة وفتح الطريق أمام بناء شرق أوسط جديد، حلم أميركي قديم جدا لم يتحقق بعد؟  

وجدت العديد من العواصم والدول نفسها بين ناري مخاطر ارتدادات الحرب على اقتصادها وبين إصرار أميركا على التمسك بتوفير الدعم المادي والعسكري والغطاء السياسي لإسرائيل، لذلك تعتمد خيار الحياد حتى اليوم. لكن نائب وزير الخارجية الأميركي كيرت كامبل يريد الانتقال بالتطورات إلى مرحلة جديدة تؤجج التوتر الإقليمي، خصوصا عندما يقول إن إسرائيل ليست وحدها التي تفكر في خيارات الرد على هجوم إيران. بالمقابل، تبحث قيادات حزب الله عن توفير الدعم الشعبي والسياسي لها في لبنان وكسب عطف المجتمع الدولي في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، لكنها لا تريد التخلي عن الولاء المطلق لإيران حيث مصادر التمويل والدعم العسكري والتعبئة العقائدية.  
سياسة حزب الله "السنية" في لبنان كانت تزداد تعقيدا في العقدين الأخيرين. سنة لبنان قد يتجاوزون رغم ذلك المرحلة الصعبة في علاقاتهم بالحزب عندما تكون غزة والأرض اللبنانية هما المعنيتان. لكن المواطن السوري الذي دفع وما زال يدفع الثمن الباهظ بسبب مواقف وممارسات حزب الله في سوريا قد يكون جاهزا أيضا، لكنه كيف سيفعل ذلك و"فوبيا" مجموعات الحزب بسلاحها ما زالت ناشطة في مواجهة المنتفضين تحت شعار التغيير والعدالة والديمقراطية في المدن السورية؟ وحين يذكرنا الإعلامي اللبناني زياد عيتاني تحت عنوان "هل اغتيال السيد أحزن سنة لبنان؟" بكيف "قفز بنا السيّد بعد ذلك إلى سوريا، وهناك كانت الطامة الكبرى والخطأ التاريخي كما وصفه وليد جنبلاط في حينه مطلقا نصيحة آخر الزمان.