النوايا الطيبة وحدها لا تكفي!

2024.06.27 | 07:27 دمشق

آخر تحديث: 27.06.2024 | 20:16 دمشق

875287
+A
حجم الخط
-A

النوايا الطيبة وحدها لا تكفي! عندما تتصدر لخدمة العامة وتقوم بأعمال خيرية، يجب عليك أن تتعلّم أول وأهمّ مبدأ هو أن "لا تؤذِ"، فبغض النظر عن النوايا، يجب أن تفكّر بالأثر الحقيقي على الطرف الذي تساعده، هل مساعدتك له ونيتك الصافية تجاهه ستفيده أم تضرّه؟

قد يتساءل البعض ويقول، هل من المعقول أن أتسبب بضرر على إنسان، النية تجاهه صافية وطيبة وأنا أقوم بمساعدته؟ ببساطة ومن وجهة نظري لن أكتفي بأن أقول عنه ضرر، ممكن أن نقول عنه كارثة.

الأمثلة كثيرة على ذلك، أن تساعد إنساناً بسلة غذائية شهريّاً لأنك صنّفته في فترة من الفترات بأنّه فقير وغير قادر على العمل، وتستمرّ مع أنك شعرت بأنّه الآن أصبح قادراً على العمل، ولكن خوفاً من عقاب إلهي أو خوفاً من دعواته عليك، تستمر بعمل هذا الخير الذي حكم عليه بأن يبقى فقيراً ويتحوّل لمتسوّل اعتاد على أن تأتيه المساعدة كل شهر.

أو أن تجمع تبرّعات لذبح بقرة وحيدة في منطقة محاصرة في عيد الأضحى وتشتريها بـ ضعف ثمنها لتوزعها على الفقراء، فتقتنع العائلة صاحبة هذه البقرة بالمبلغ فتحرمها من مشروع مستدام يؤمن لها قوت يومها لتحقق هدفك بمساعدة عشرات العائلات لمدة يوم واحد بتلفة غير منطقية.

مع أن هذه الأمثلة يُنظر لها من قبل المجتمع على أنها أعمال خيرية حسنة، إلّا أنّ نتيجتها بالنهاية هي ضرر على المستفيد ومن الواضح أنّ الضرر لا يقتصر عليه فقط ، بل على المجتمع أيضاً.

واقع منظمات المجتمع المدني لا يختلف كثيراً عن واقع الفصائل العسكرية، الاختلاف فقط بالملابس، فالأول يحارب بعضه ببدلات رسميّة والآخر يحارب بعضه ببدلات عسكريّة.

إذاً متى يصبح هذا الضرر أقرب للكارثة؟

هذه الأمثلة وبشكل فردي هي ضرر في حال بقيت من فاعل خير إلى إنسان يُعتقد أنه محتاج، أي أننا نتحدث عن الموضوع على مستوى الأفراد، ولكن عندما يصبح المثال على مستوى منظمات المجتمع المدني، فهي مجموعة من الأضرار ترقى لأن تكون كارثة.

بما أنني ذكرت أمثلة فردية من عمل الخير، ممكن أن أذكر أمثلة من واقعنا مرتبطة بالعمل العسكري والسياسي، كأن تقوم كصاحب قرار بتوريط منطقتك بتحالف غير مدروس بنوايا طيبة، وتبذل جهدك للحفاظ على هذا التحالف وتضحّي من أجله من دون أي فائدة لأي فرد من أفراد منطقتك، لتتفاجأ بعدها بأنّه تمّ بيعك بأرخص ثمن، والنتيجة خسارة منطقتك بمن فيها.

كارثة غير كاملة الأركان ترتكبها منظمات المجتمع المدني السوري بحقّ مجتمعنا، يُكمل أركانها متصدرو العمل العسكري والسياسي، والتبرير دائماً جاهز، "نحن ترباية 50 سنة حزب بعث"، "ما عنا خبرة بالعمل السياسي وما عنا وعي سياسي"، "منستاهل اللي عم يصير فينا".

وكأن العمل لمصلحة الوطن بحاجة لخبرة سنوات،أو أن الوعي السياسي بحاجة لعقود ليتشكل لنكتشف بأنّنا أتقنّا الارتهان للداعم، سواء كان في المجال الإغاثي أو الخدمي أو السياسي أو العسكري.

أتوقّع أنّنا أبهرنا العدو بعداوتنا وشراستنا، حاشا أن تكون العداوة والشراسة ضدّه، بل ضدّ بعضنا البعض، فالشراسة بالتنافس بين منظمات المجتمع المدني -التّي تحولت لأحزاب ترى أن مصلحتها فوق مصلحة الوطن -حالت دون أن نطالب بالتنسيق حتى، نريد فقط أن نتوقف عن محاربة بعضنا البعض.

فواقع منظمات المجتمع المدني لا يختلف كثيراً عن واقع الفصائل العسكرية، الاختلاف فقط بالملابس، فالأول يحارب بعضه ببدلات رسميّة والآخر يحارب بعضه ببدلات عسكريّة، ولا تغرّكم التحالفات المؤقتة، فعدم التنسيق هو سيّد الموقف وفي حال وُجد تحالف أو غرفة عمليّات، فما هي إلّا لضرب تحالف أو غرفة عمليّات أخرى، والعدو يتناقش مع داعمينا وممولينا مستقبل وطننا.

المراجعة اليوم ضرورية لنا جميعاً، فالنوايا الطيبة وحدها لا تكفي، نحن نخسر وطننا، ووطننا يستحقّ منّا أن نوقف هذه المهزلة!

من الممكن أن يراودك سؤال وتقول: "لماذا تُحمّل المجتمع المدني كل هذه المسؤولية وأنت أصلاً جزء من هذا المجتمع، لا وبل تدير منظمة من هذا المجتمع؟".

بصراحة لأنّني كنت أقنع نفسي بأن طريقة التفكير هذه ما هي إلّا جلد ذات، إلى أن وصلت إلى نتيجة بأنّنا إن لم نتحرّك ونغيّر ما بأنفسنا، فإنّنا نستحق الجلد الحقيقي، فكثير من منظمات المجتمع المدني وبدرجات متفاوتة، قامت بأخذ أدوار إضافية تحمّلهم اليوم المسؤولية، الذي أدّى إلى إضعاف بنى الحوكمة منفذين رغبات بعض المنظمات الدولية والحكومات الداعمة التي بدت لنا أنها يد المساعدة، ولكن نتائج اليوم تثبت بأن النوايا لم تكن طيبة، وأن تفكيك المفكّك كان هدفهم منذ البداية، ولا أظنّ بأننا بحاجة لنقاش ذلك، والكارثة الكبرى هنا أنّنا أصبحنا مدمنين على هذا الخطأ ونفرح اليوم بمساعدة أو منحة ونعتبرها إنجازاً لثورتنا، بينما من يدعي مساعدتنا يناقش مستقبلنا وفق مصالحه ضارباً بعرض الحائط رغباتنا وأهداف ثورتنا.

هذا الكلام قد يراه البعض مبالغاً فيه، أتمنّى ذلك، ولكنّ النتيجة التي وصلنا لها تثبت بأنّنا ما زلنا نجامل، لذلك فالمراجعة اليوم ضرورية لنا جميعاً، فالنوايا الطيبة وحدها لا تكفي، نحن نخسر وطننا، ووطننا يستحقّ منّا أن نوقف هذه المهزلة!