هل لديك أحد من كبار السن في البيت؟ ربما أخذتك الحياة بعيداً، واقتصر دورك على الرعاية المادية فقط، ولكن هل هذا يكفي تلك الفئة المغيّبة؟
لعلي وإياك من أولئك الأشخاص المنغمسين في هموم الحياة ولا ينقصنا همّ جديد لنضيفه على كاهلنا، ولكن إذا فكرنا بطريقة أخرى فستختلف الموازين كلها.
فكلنا ربما نكون يوماً ما من المسنين، وسنقف نفس الموقف من المجتمع، تُرى كيف ستكون مشاعرنا في ذلك اليوم؟
فمن غير المعقول أن نجد مجتمعاً سليماً، يخلو من المسنين، إلا أن نِسَب وجودهم في المجتمعات تختلف من بلد لآخر، وذلك تبعاً لنسبة المواليد الجدد بالمقارنة مع نسبة الأموات.
والسؤال الملحّ الذي يؤرّق كثيراً من المسنين، (ما دورنا الاجتماعي والإنساني في مرحلة أرذل العمر؟)
يجدر بالذكر بداية أن نعلم أن الاضطرابات العصبية النفسية لدى كبار السن مسؤولة عن 6.6% من مجموع حالات العجز الكلي في هذه الفئة العمرية.
فشعور المسنّ بأن مهمته قد شارفت على الانتهاء، وأن من حوله - ممن أحبهم - قد شغلتهم أمورهم الخاصة عنه، كفيل بدخوله حالة من الوحدة والاكتئاب والعزلة الاجتماعية، فهو لا يريد أن يكون عبئاً على أحد، ولا سيما إن رافق هذه المشاعر عجزٌ في الحركة جزئياً كان أو كلياً، إضافة إلى بعض الأمراض المزمنة.
أظهر تقرير منظمة الصحة العالمية في عام 2017 أنَّ: الاضطرابات والمشكلات العصبية والنفسية مسؤولة عن 6% من حالات العجز الكلي عند المسنين الذين تتجاوز أعمارهم الـ 60
وقد يصل المسنون إلى مرحلة الشعور بالوحدة وكثير من الألم العاطفي، ويمكن أن يؤدي فقدان الإحساس بالاتصال بالآخرين والمجتمع إلى تغيّر الطريقة التي يرى بها المسن العالم، بل وقد يشعر الشخص الذي يعاني من الوحدة المزمنة بالتهديد وعدم الثقة بالآخرين.
وقد أظهر تقرير منظمة الصحة العالمية في عام 2017 أنَّ: الاضطرابات والمشكلات العصبية والنفسية مسؤولة عن 6% من حالات العجز الكلي عند المسنين الذين تتجاوز أعمارهم الـ60 ويُقدر أن 15% من المسنين يعانون من اضطراب نفسي معين، لذلك تزداد الحاجة إلى حماية المسنين من الضغوط النفسية أكثر من أي وقتٍ مضى.
والأشخاص المنعزلون قد لا يمارسون النشاط البدني بما يكفي، وربما يفرطون في التدخين ولا ينامون بشكل جيد، ولا سيما في مرحلة ما بعد الستين، الأمر الذي قد يسهم في تفاقم المشكلات الصحية التي يعانون منها.
ويمكن للألم العاطفي أن يُحفز نفس استجابات التوتر في الجسم وزيادة الأمراض.
ولكن إذا علمنا أن كبار السن – وهم الذين بلغت أعمارهم 60 سنة أو أكثر – هم أكثر فئة عمرية يحتاج إليها المجتمع، فيما يخص خبرات الحياة والحكمة والرشد التي يتمتعون بها، فهم يقدمون مساهمات مهمة في المجتمع كأعضاء أسرة، ومتطوعين، ومشاركين فاعلين في القوى العاملة.
ومن هنا نجد أن المجتمع بكل أفراده مطالب بالالتفات لهذه الفئة العمرية، والسعي لدمجهم مع باقي الفئات والاستفادة من خبراتهم.
ولكن الأمر يزداد صعوبة مع موجة الحروب والهجرة إلى بلاد الغربة، فالمسنّ أصلاً لديه شعور بالاغتراب مع محيطه بسبب اختلاف الاهتمامات والنشاطات، فإن تعرض لاجتثاث جذوره من أرضه التي بنى عليها كل ذكرياته وسكب عليها كثيراً من العرق والتعب، فإنه سيتضاعف ألمه أضعافاً مضاعفةـ وسيغدو عرضة لكثير من الأمراض.
لهذا فإن قضية دمج المسنين من كلا الجنسين بالمجتمع قضية غاية في الأهمية، نظراً لما يحققه اندماجهم من خير يعمّ المجتمع ككل، ويحوّل المسنّ من فردٍ منسيّ لا حاجة لأحد به، إلى عنصر فعّال، يستثمر كل خبراته مهما ضَؤلت، فيشعر بأهمية وجوده، ويغتنم ما تبقى من أيامه بالخير والسعادة له ولمن حوله.
كما أن هناك بعض الأمور التي يمكننا القيام بها للمساعدة في حماية المسنين من الآثار السلبية للوحدة والعزلة الاجتماعية، في مُقدمتها تدريبهم على الاعتناء بأنفسهم بتوفير بعض وسائل تسهيل الحركة، ووضع جداول ومنبهات تذكرهم بتناول الأدوية من دون الحاجة لغيرهم.
تلبية حاجة المسن للحديث عن ماضيه وأمجاده تشعره بكثير من الطمأنينة والراحة والنفعية، وهذا بالضبط ما يساعد على تعديل مزاجه وتحسين حالته النفسية وكذلك الصحية
وكذلك تدريبهم على الالتزام بممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي والحصول على قسط كافٍ من النوم (من 7 إلى 9 ساعات) ومتابعة الأنشطة التي تساعد على إدارة التوتر والبقاء بصحة جيدة نفسيًا وجسديًا قدر الإمكان.
من المهم أيضاً أن نجَدْوِل للمسنّ أنشطة يومية تعيد له روح التواصل مع الآخرين، من خلال الحديث مع أمثاله من المسنين أو مع من هم أصغر منه سناً، فتلبية حاجة المسن للحديث عن ماضيه وأمجاده تشعره بكثير من الطمأنينة والراحة والنفعية، وهذا بالضبط ما يساعد على تعديل مزاجه وتحسين حالته النفسية وكذلك الصحية.
ولا ننسى مَن تعرض من المسنين لصدمات عاطفية صعبة من صدمات الفقد أو الهجرة أو المرض المُقعِد، كل هذا قد يزيد من وطأة التقدم في العمر، فلابد من جعلهم ينخرطون في بعض الأنشطة الاجتماعية بشكل يومي، ولو على سبيل المثال رعاية الأحفاد أو صغار الحي، وممارسة دور الوصاية عليهم، فإن من أهم احتياجات المسن شعوره بأن أحداً ما يحتاج إليه ويفتقد وجوده، فمثل هذه الأنشطة تجعل له حيّزاً
نافعاً ومرحاً يضفي على يومه كثيراً من الراحة والطمأنينة.
كما أن مشاركته في الخروج والتنزه ولو بشكل أسبوعي على الأقل، يجدد له شغفه في الحياة ويعيد له البهجة.
ومن الأشياء الجميلة التي يمكن أن تساعد كبار السن على تخطي أزماتهم تشجيعهم على تجربة أشياء جديدة كلعبة الشطرنج أو غيرها من الألعاب المناسبة لعمرهم وحركتهم
هذا ويجب ألا يُنسينا اهتمامنا بصحة كبار السن مراعاة الفروقات الفردية بينهم، فوجود مجموعة من المسنين مع بعضهم بعضاً قد يؤدي إلى كثير من المشكلات الاجتماعية بسبب تعوّد كل إنسان على طريقة معينة في العيش، فالأفضل توفير مساحة كافية لكل فرد للقيام بنشاطاته اليومية، ومن ثم دمجهم بنشاطات جماعية أخرى.
إن كبار السن هم بركة المجتمع وكنزه الكبير، فلا بد للمجتمعات من الاستفادة من هذه الخبرات المنسيّة واستثمار كل لحظة من أعمارهم بما يفيدهم ويفيد النشء الجديد، وإلا تحوّلت مجتمعاتنا إلى مجتمعات متفككة ومنفصلة عن ماضيها وتاريخها، وتعرقلت عجلة الحياة عن المسير في استقامتها وديمومتها الطبيعية.