استضاف ملتقى فلسطين يوم الثامن من أيار/مايو الكاتب منير شفيق لمناقشة كتابه من جمر إلى جمر، والذي يسرد ضمن فصوله مسيرته النضالية في الجانب الفلسطيني.
بدأ الكاتب الفلسطيني خالد الحروب بالتعريف بملتقى فلسطين على أنه جامع لكل الفلسطينيين في الشتات وفي الداخل المحتل وبأنه ليس حزباً سياسياً.
قدم الحروب ضيفه من خلال سجله النضالي الفلسطيني ومحطات نضالية من حياته في كتيبة الجرمق، وأشار لجمر عذاباته في الاعتقال السياسي في سجن الجفر في الأردن، عند الانتهاء من مناقشة الكتاب وحين بدأت الأسئلة أشار منير شفيق إلى موقفه المساند للثورات العربية ما عدا الثورة السورية، وقال إنه مستعد للمحاججة حول ذلك بلا نهايات وإن ما اقترفه الشعب السوري قد أضر بحاضنة المقاومة الفلسطينية!
وهنا لا بد من الوقوف على عدة نقاط:
أولاً في بيان الملتقى الصادر حول الحرب الروسية الأوكرانية شدد البيان على مساندة الملتقى للسوريين ضحايا النظام القمعي، ثم عاد الملتقى ليستضيف شخصية ثقافية تحاجج لصالح النظام السوري المجرم الذي شرد وهجر واعتقل وقتل ملايين السوريين والفلسطينيين ممن لجؤوا إلى سوريا في نكبة 48، بدعوى أن الكاتب صاحب سجل فكري ونضالي.
ثانياً: لكون الكاتب صاحب سجل فكري ونضالي هذا لا يعطيه ضوءاً أخضر لتجاهل الضحايا السوريين الذين لم يمضِ على معاناتهم قرون، والذين تم تصوير إبادتهم بالكاميرات، وما زال شهودهم الأحياء يقدمون شهادات حية على فظائع اقترفها النظام على امتداد العالم، بل هذا يجعل من أزمته الإنسانية والأخلاقية مضاعفة، لأنه يُفترض به أن يكون صاحب فكر وعقل نقدي، لا فكر يخدِّم على أهواء الطواغيت!
يصر منير شفيق على أن يكون محامياً عن النظام السوري المجرم كخاتمة لأعماله النضالية من جمر فلسطين إلى جمر سوريا
ثالثاً: وما دفعني لكتابة هذا الكلام هو تعريف الحروب بالملتقى بأنه جامع للفلسطينيين في الشتات، وفي الداخل المحتل بلا استثناء، وهنا أتساءل إن كان الحروب وضيفه لا يتابعان إحصاءات ضحايا النظام السوري من الفلسطينيين، فحسب آخر إحصاءات مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا: عدد الضحايا الفلسطينيين في سوريا بفعل نظام الديكتاتور هو 4116.
عدد المعتقلين الفلسطينيين في سجون الديكتاتور 1800.
عدد الشهداء الفلسطينيين تحت التعذيب 633.
عدد المفقودين الفلسطينيين والمختفين قسرياً 333.
عدد النساء الفلسطينيات المعتقلات في سجون الديكتاتور 110.
عدد ضحايا نظام الديكتاتور من الأطفال الفلسطينيين 252.
عدد المعتقلين من الأطفال 48.
عدد ضحايا الإعدام الميداني الموثقين في حي التضامن من الفلسطينيين 16 فلسطينيا.
يصر منير شفيق على أن يكون محامياً عن النظام السوري المجرم كخاتمة لأعماله النضالية من جمر فلسطين إلى جمر سوريا، لكنه في هذه المرة يصر على دعم من جعلوا السوريين يمشون في طريق جمر آلامهم، وكأنه يحمل نفسية مقهور ينتقي عذابات من يمكن مقاومتها، وهذه أسوأ خاتمة لأي إنسان على الإطلاق! بالذات حين يتنكر لإنسانيته ويعتمد في صنع مواقفه على أنه هو وقضيته محور الكون، وينكر أن الطريق إلى التحرر من الاحتلال يبدأ حين يتحرر كل شعب مقهور من كاتم الصوت، وهذا تناقض لا يستوعبه عقل، بالذات أنه مدجج بعنصرية مبنية على أساس الجنسية، وهو يعتبر بذلك أن آلام الشعب السوري والقمع الذي يتعرض له منذ حافظ الديكتاتور الأب يجب أن يُصمت عليها حتى ينتهي الفلسطيني من معاركه!
رابعاً: التناقض والازدواجية والمشهد السوريالي الذي اختصره منير شفيق بمبارزته من انتقدوه بسيف المقاومة الفلسطينية، وكأن احتضان المقاومة الفلسطينية في دمشق يسمح لديكتاتور دمشق بأن يضطهد ويشرد الشعب السوري، وكأن الدم الفلسطيني أغلى من السوري، وكأن عذابات الشعب السوري من مجزرة حماة في الثمانينيات إلى مجزرة التضامن هي وسيلة مشروعة لديكتاتور سوريا كمكافأة، كل هذا لأنه يحتضن حركات المقاومة الفلسطينية التي ساومها على مواقفها الإنسانية ونجح بتوريط بعض قادتها كأحمد جبريل صاحب مصائد الخبز الشهيرة في قتل السوريين الأبرياء بطرق وحشية.
يفترض بالمثقف أن يكون أول من يحارب ويخوض المعارك الفكرية ضد الطواغيت وضد الديكتاتوريات والقمعيات، وآخر من ينسحب من تلك المواجهة
خامساً: الكاتب الفلسطيني خالد الحروب كاتب (المثقف الحذاء والمثقف اليقين) استضاف بالأمس في ملتقى فلسطين مثقفاً من النوع الأول، في الختام اعتبر كاتب (المثقف الحذاء والمثقف اليقين) وصاحب المواقف الواضحة في إدانة مجازر النظام، بأن (المثقف الضيف) الذي يحاوره وما تفوه به حول جرائم نظام الأسد اختلافا في وجهات النظر والرأي، وهذا أمر مربك، فهل نسي كاتب المثقف اليقين أعداد ضحايا النظام السوري من فلسطينيين وسوريين؟ وهل الجرائم المصورة والواضحة هي وجهة نظر؟ ولماذا غضب الحروب بسلسلة مقالات واسعة من التطبيع العربي الصهيوني فمن عقدوا اتفاقيات أبراهام اعتبروا عذاباتنا نحن الفلسطينيين وجهة نظر؟ وهنا أطالب ملتقى فلسطين P F بإعلان موقفه الواضح والصريح من المجازر والجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري، وإن كان يعتبرها وجهة نظر ومادة للمساومات الفكرية وتعبئة الوقت والتسلية في الندوات الثقافية والفكرية فليعتبر ذات الأمر بالنسبة لعذاباتنا نحن الشعب الفلسطيني ويكف عن نشاطاته باسم مكافحة الاستعمار الاحتلالي الكولونيالي في فلسطين!
يفترض بالمثقف أن يكون أول من يحارب ويخوض المعارك الفكرية ضد الطواغيت وضد الديكتاتوريات والقمعيات، وآخر من ينسحب من تلك المواجهة، والمحاججة بكثرة مناصري نظام الديكتاتور أمر لا يعفي المثقف الفلسطيني من أن يخوض معاركه باستعادة حريته بالتوازي مع وضوحه بمواقفه من حرّيات الآخرين، وكل نشاط ثقافي غير مشتبك مع الأوضاع المنهارة في القمعيات والديكتاتوريات، وكل نشاط ثقافي يحتفل بمناصري الطواغيت مهما كان ما قدموه من قبل فهو نشاط غير مشتبك وينسحب من أدواره الثقافية والفكرية الأصيلة ولا يعول عليه.