بات الحديث عن اللامساواة في المجتمع الأميركي شأنا يوميا خاصة بين الديمقراطيين، الذين يعتبرون أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء تصاعدت إلى مستويات غير مسبوقة خاصة بعد فترة وباء كورونا.
ففي تقرير جديد نشر حديثا أشار إلى أن الفرق بين متوسط أجر الرئيس التنفيذي والموظف نما بشكل غير مسبوق في عام 2020، حيث حقق متوسط رواتب الرئيس التنفيذي للشركات المدرجة في بورصة "299 S&P 500" ضعفاً لمتوسط راتب العامل في العام الماضي، ووفقًا للتقرير ذاته فإن ساعة العمل للمدير التنفيذي زادت بأكثر من 260 ألف دولار سنوياً على مدى العقد الماضي. في الوقت نفسه، حصل متوسط الإنتاج والعامل في عام 2020 على 43512 دولاراً، بزيادة 957 دولاراً فقط سنوياً خلال العقد الماضي.
يخلص التقرير إلى أن عدم المساواة وعدم التوازن في معدل الرواتب يشير إلى خلل واضح في هيكلية الاقتصاد الأميركي وهو ما انعكس على النسيج الاجتماعي وحركة الاقتصاد.
يخلص التقرير إلى أن عدم المساواة وعدم التوازن في معدل الرواتب يشير إلى خلل واضح في هيكلية الاقتصاد الأميركي وهو ما انعكس على النسيج الاجتماعي وحركة الاقتصاد
لكن آخرين يحاججون بالقول إن اللامساواة كانت دوما من مميزات الرأسمالية الأميركية التي قامت على فكرة الاقتصاد الحر، حيث لا دور للدولة في تنظيم الاقتصاد أو التدخل في السوق، صحيح أن مؤشرات الاقتصاد الأخرى سيما البطالة حافظت على انخفاضها في الولايات المتحدة إلى ما دون 5 بالمئة قبل بدء جائحة كورونا، لكن التفاوت في الدخل ربما كان ميزة رافقت الاقتصاد الأميركي القائم على السوق الحر من البداية.
لكن في اقتصاد ما بعد الوباء تظهر معدلات البطالة للمجموعات الديموغرافية أيضاً أن المصاعب الاقتصادية للوباء لا تزال تتحمل في الغالب من قبل العمال ذوي الدخل المنخفض والعمال غير البيض. حيث يكافح الأميركيون مع نسبة تضخم قياسي. حيث نما مؤشر أسعار المستهلك، وهو مقياس تضخم رئيسي، بنسبة 0.9٪ في يونيو الماضي، وهي أكبر زيادة في شهر واحد في 13 عاماً.
وخلال العام الماضي، ارتفعت الأسعار بنسبة 5.4٪، وهي أكبر قفزة في التضخم السنوي منذ ما يقرب من 13 عاماً. هذا الاتجاه يضغط على المستهلك في الوقت الذي يكافح فيه لمواكبة ارتفاع الأسعار، وخاصة أسعار الغاز والمواد الغذائية. ومثل نمو الوظائف والتضخم، سجلت سوق الأسهم ارتفاعات قياسية أيضًا. أعلنت أكبر البنوك في وول ستريت عن أرباح تقدر بالمليارات، كما أن عددًا كبيرًا من الشركات البارزة قد ظهرت بالفعل لأول مرة هذا العام.
ولذلك وصف الاقتصاديون أن خطة التعافي الاقتصادي على أنها تحمل حرف K حيث ازداد الفقراء فقرا حتى وصلوا إلى القاع وارتفعت ثروة الأغنياء حتى وصلت إلى السقف، ولم يكن تعافياً متوازناً بأي حال من الأحوال.
مقابل كل هذه الإحصائيات والأرقام يدافع البعض عن هذه اللامساواة بوصفها الدافع الحقيقي للنمو من خلال خلق الحافز لدى الطبقة المتوسطة حتى تنجح وتزداد ثراء ولو أن هذا يحدث دوما بنسب منخفضة للغاية مقابل الذين ينخفضون من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الفقيرة.
مقابل كل هذه الإحصائيات والأرقام يدافع البعض عن هذه اللامساواة بوصفها الدافع الحقيقي للنمو من خلال خلق الحافز لدى الطبقة المتوسطة
ويضرب هؤلاء المدافعون عن فكرة اللامساواة في المجتمع الرأسمالي مثلا بالدول الاشتراكية أو حتى الشيوعية التي انتهت إلى أسوأ حالات التفاوت الطبقي والفساد وشيوع الفساد في الطبقة السياسية المتحكمة التي احتكمت الثروة فمن يزداد ثراء في الصين هم أولئك الذين على علاقة مع الحزب الشيوعي الصيني أو مرتبطون به بشكل أو بآخر، وهو الذي بدا واضحا في 7 من عقود الاتحاد السوفيتي فالخلل في توزيع الثروة هناك لم يكن معتمدا على النجاح الاقتصادي والشخصي وإنما على معادلة علاقة الثروة مع السلطة وهو أدى إلى خلل بنيوي في الاقتصاد والمجتمع ككل وانتهى إلى شيوع الفساد.
ينتهي هؤلاء المدافعون إلى القول إن التفاوت في الثروة حقيقة اجتماعية يجب على الدولة عدم التدخل لتنظيمها وإنما تنظيم القواعد بشكل تسمح للجميع المشاركة أو المنافسة دون تمييز على أساس سياسي أو إثني أو عرقي أو ديني بما يسمح للمنافسة كاملة في الاقتصاد وهو ما يشجع القدرة وحب العمل ويقدر الجهد على حساب المنفعة والواسطة.
وجهتا النظر هاتان تسودان وتتصارعان في واشنطن اليوم بشكل كبير وهو ما يجعل قضية الحسم مستحيلة برغم توفر الداتا والبيانات بشكل متزايد في اتجاه تعمق الفجوة وتفاوت الثروة بين الطبقات الأميركية المختلفة لكن نجاح الشركات الناشئة يغري دوما بنجاح النموذج الرأسمالي الأميركي بوصفه قصة نجاح للرأسمالية الأميركية.