اللاجئون السوريون.. حلٌّ متخيَّل!

2024.06.26 | 05:37 دمشق

آخر تحديث: 26.06.2024 | 05:37 دمشق

5555555555555555
+A
حجم الخط
-A

يمكن القول من دون تردد إنه ثمة بلدان قليلة في العالم لم يصل إليها السوريون هاربين من جحيم الأسد متعدد المستويات، ليس أقله الجوع فضلاً عن عموم أشكال العقاب التي جرّبها نظام العائلة الأسدي والأشكال المستنسخة عنه بحق السوريين، بدءاً من الاعتقال الذي صار فيه الموت أمنية، حتى استخدام السلاح الكيمياوي.

كل هذا دفع كثيراً من السوريين إلى ترك بيوتهم وممتلكاتهم، والبحث عن مكان آمن لهم ولأطفالهم، فتوزعوا على بلدان كثيرة، لكن ثمة بلدان تركّز فيها السوريون أكثر، وبالتحديد دول الجوار أولاً، وأوروبا وأميركا الشمالية، حيث لا يقل تعداد السوريين الهاربين من الموت بأشكاله المختلفة عن ثمانية ملايين، موزعين عشوائياً على تلك البلدان، أكثرهم في تركيا.

لكن مؤخراً، وبعد أربعة عشر عاماً، حيث شهد العالم تغيرات كبرى، ناهيك عن التغيرات في الداخل السوري، تغيرات تمثلت بالسياسات الجديدة تجاه قضية اللجوء واللاجئين في عموم البلدان التي نزحوا إليها، تلك السياسة التي ظهرت منذ فترة وأخذت تتبلور اليوم، وهو ما عبرت عنه نتائج الانتخابات المحلية والأوروبية، التي أظهرت فوز تيار اليمين الشعبوي المتطرف، الذي يتذرع بقضية اللاجئين ويعدّها سبب كل المشكلات التي تصادفها بلادهم، من خلال خطاب شعبوي يتجاهل الأسباب الحقيقية للأزمات الناتجة عن سياسات الليبرالية الفظة من جهة، وترهل خطاب القوى الديمقراطية من جهة أخرى. ونتيجة لتلك التغيرات، فإن ما يلاقيه اللاجئ السوري من ظروف سيئة في التعامل والتهديد بالترحيل أو الإعادة والتسليم لنظام الأسد تحت أي يافطة صار يشكل مصدر رعب جديداً لهم.

خلق ذات سورية تحمل سردية وطنية، يمكن لهذه الذات أن تندرج نسبياً ضمن السياسة الدولية كذات فاعلة.

وسط الموجة الشعبوية الجديدة بطرحها تجاه اللاجئين كسبب للمشكلات التي تتعرض لها البلاد، رغم اختلافها بين أوروبا وتركيا من جهة، ولتنامي الموجة القومية فيهما بعدما اعتقد كثيرون بتجاوزها، حيث تبحث تلك البلاد، بعد نجاح هذا التيار اليميني المتطرف ذي الميول "القومية"، عن طرق لإعادة اللاجئين من خلال التعامل مع نظام الأسد وفق شروط معينة (ضمانات دولية لحمايتهم)، وقد يقدّمها مؤقتاً نظام الأسد مقابل التطبيع معه، وربما يطالب بالمقابل برفع العقوبات والبدء بإعادة الإعمار. وكون تلك الموجة من الممكنات التي قد تتحول إلى واقع، لا بد من السعي لسحب تلك الورقة من نظام الأسد لصالح اللاجئين أولاً، وسوريا عموماً.

كل هذا يفرض البحث عن خيارات حتى لو كانت متخيّلة أمام اللاجئين، خيارات تقوم على تشكيل اللاجئين لجمعيات أو منتديات أو بيوت أو أي صيغة مناسبة وفق حال كل بلد، ذات همٍ وطني غير استقطابي، فمصلحة البلاد وسط التدافع على سوريا أكبر من الاستقطابات القائمة، وخاصة أنها بين قلة من اللاجئين، حيث يبحث البقية عن ظروف حياة كريمة يمكن البناء عليها كأساس لعملية الخلاص في سوريا، فعموم اللاجئين، باستثناء قلة منهم، وخاصة الذين يعيشون في تركيا وأوروبا وأميركا، وهم بالمناسبة أكثر من النصف، عاينوا ظروف حياة حرّة إلى حد كبير، وعايشوا التجارب الديمقراطية، أقلها الانتخابات الحرة، رغم ما يشوبها من ثغرات، وبالتالي لم يعد بمقدورهم العيش في ظل نظام استبدادي.

وأول ما يتطلبه هذا هو تشكيل نويات لهذه المدن والبلدان، ومن ثم تشكيل تجمع على مستوى المجموع، سواء بطريقة التوافق أو الانتخابات الإلكترونية أو أي صيغة مناسبة، والأكثر أهمية أن تقدم تلك الجمعيات نفسها كمظلة للسوريين بالتنسيق مع التشكيلات القائمة بعد ضخ دماء ووجوه شابة. وبالطبع هناك بعض الجمعيات المشكلة التي دعمت الثورة والمهجرين، إضافة لبعض التنسيقيات في بعض المدن الأوروبية، حيث يمكن البناء عليها أو الاستفادة من تجربتها، أي خلق ذات سورية تحمل سردية وطنية، يمكن لهذه الذات أن تندرج نسبياً ضمن السياسة الدولية كذات فاعلة، وطرح خطة عمل سواء من قبلها، خطة تضمن عودة آمنة وكريمة، تطالب بوضوح بـ: الإفراج عن المعتقلين، وإعادة الملكيات المصادرة، وإلغاء أي عملية اعتقال، خطة تضمنها اتفاقات دولية تكون مقدمة لعملية الانتقال السياسي.

ثمة ممكنات حتى لو كانت متخيّلة، يمكن أن تتحول إلى وقائع، وهذا يتطلب عملاً جاداً خاصة من هياكل المعارضة القائمة مع قليل من الالتزام الأخلاقي والسياسي بمصلحة السوريين.

لم يعد للقضية السورية أهمية تذكر لدى صناع السياسة في الدول النافذة المتصارعة والموجودة على الأراضي السورية، وما يهمها إضافة لمصالحها الخاصة المتضاربة، هو الخلاص من اللاجئين، وهو أمر ملحوظ في الصحف والأخبار ومراكز الدراسات، حيث غاب الاهتمام بالقضية السورية كقضية ثورة شعب، وانحصر الأمر في عناوين تغطي غرق قوارب اللاجئين أو اشتعال النيران في خيمهم، أو خطط الاستجابة لتأمين "معونات" لهم، ناهيك عن تراجع قوى الثورة إلى حد كبير، وبالتالي لم يعد إيجاد حل سياسي أمراً مطروحاً كما كان خلال الأعوام الأولى من الثورة، حيث كانت تمتلك زخماً شعبياً فقدته، ودعماً دولياً لم تستثمره بالطريقة المناسبة، بل غدت رهينة للاستقطاب الدولي، ناهيك عن الفشل في إدارة المناطق المتبقية تحت سيطرة "المعارضة"، وكلها أمور لم تكن في مصلحة الثورة والسوريين.

إن التغيرات السياسية الكبرى في سياسات الدول سواء تجاه اللاجئين أو القضية السورية، ناهيك عن تراجع الزخم الشعبي الذي كان سائداً منذ أربعة عشر عاماً، والفشل في تشكيل نموذج بديل حتى على المستوى الأخلاقي، من دون نسيان المستوى السياسي، يفرض علينا التفكير في خيارات أخرى، حتى لو كانت خيالية، ومحاولة الخروج من الهاوية، وتحويل الكارثة التي خلقها نظام الأسد إلى سلاح بوجهه يمكن أن يفتح أفقاً للحل، والتخلص من ذهنية أن العالم مقيت من جهة ومتآمر علينا من جهة أخرى، وبالتالي مصيرنا تحمّل المعاناة إلى أجل غير مسمى، قد يبدو التصور خيالياً، وهو كذلك إلى حد ما، نتيجة الوقائع القاتمة التي تهيمن على السوريين، لكن ثمة ممكنات حتى لو كانت متخيّلة، يمكن أن تتحول إلى وقائع، وهذا يتطلب عملاً جاداً خاصة من هياكل المعارضة القائمة مع قليل من الالتزام الأخلاقي والسياسي بمصلحة السوريين، ومن التشكيلات الجديدة التي يمكن أن يشكلها اللاجئون أنفسهم. ولا شكّ أن ذلك التخيل قد تعارضه ولا تسمح فيه قوى كثيرة في الداخل والخارج، لكنه أمرٌ يستحق المحاولة، مع أن الطريق مليء بالصخور والعثرات. وما تعوزه تلك التخيلات هو أن نسمح لأنفسنا أن نحلم بحياة كريمة في سوريا، ومن ثم خلق الحامل السياسي والاجتماعي لذلك الحلم أو التخيل.