من المقرر للمبعوث الأممي الخاص بسوريا أن يطلب من مجلس الأمن دعم العملية الانتقالية من أجل إقامة سوريا ديمقراطية تعددية، لكن ذلك قوبل بمقاومة من داخل البلد، إذ تخشى الحكومة المؤقتة من أن يرتبط رفع العقوبات بطلبات كثيرة يفرضها الغرب عليها، نظراً للشكوك العميقة التي يضمرها الشعب السوري تجاه الأمم المتحدة نتيجة لفشلها المتكرر في الملف السوري طوال 14 عاماً من عمر الحرب السورية.
وهذا ما دفع قائد البلد أحمد الشرع إلى التصريح لدول الخليج والدول الغربية بأن فصيله، أي هيئة تحرير الشام، قد تغير منذ أمد بعيد فتحول من فصيل جهادي سلفي يحكم محافظة إدلب إلى قوى تكنوقراطية مستعدة لاستيعاب الشعب السوري واحتضانه كله.
إلا أن قادة الدول الغربية ومسؤولي الأمم المتحدة رفضوا تقديم ما هو أكبر من الإعفاءات المؤقتة على بعض العقوبات من دون حصولهم على ضمانات أوضح تجاه طبيعة الحكومة الانتقالية التي ستتولى السلطة في آذار المقبل.
حقوق المرأة هي المقياس
وخلال الأسبوع الماضي، أكدت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، خلال زيارتها لدمشق بأن برلين لا يمكن أن تمد سوريا التي تحكمها مؤسسات إسلامية بأي تمويل، وذكرت بأن حقوق المرأة هي المقياس الذي سيعتمدون عليه في حكمهم على هيئة تحرير الشام.
ولهذا قد لا يكون هنالك أي خيار أمام سوريا سوى أن تقبل بالخلطة الأوروبية المؤلفة من جزر وعصي كثيرة، ومن المزمع أن يصدر تحذير مماثل عند لقاء القادة الأوروبيين بالأميركيين في روما يوم الخميس المقبل لمناقشة الإعفاءات من العقوبات، لكن سوريا قد ترفض مواعظ الأمم المتحدة ونصائحها.
نتائج الخذلان الأممي
تعلق على ذلك رهف الدغلي وهي متخصصة بالشأن السوري لدى جامعة ليستر، فتقول بأن عدم شعبية الأمم المتحدة وصل إلى مرحلة دفعت بعض منظمات المجتمع المدني إلى الإحجام عن طلب مساعدتها، وأضافت: "كانت هناك فظائع، ولهذا امتد النزاع لفترة طويلة جداً، لدرجة جعلت الناس لا يفكرون بالاقتراب من الأمم المتحدة طلباً للمساعدة لأنها خذلتهم".
ومن المجلات التي وثقت الدور الذي لعبته الأمم المتحدة بالنسبة لسوريا "مجلة سوريا في المرحلة الانتقالية"، والتي اتهمت الأمم المتحدة "بتعزيز السردية الكاذبة التي جعلت بشار الأسد يخرج منتصراً من الحرب، وبالتالي جعلت من التطبيع معه بشكل تدريجي الخطوة المنطقية التي يجب أن تعقب انتصاره"، في حين تحدث آخرون عن الفكرة الشائعة التي ترى أن المساعدات التي قدمتها الأمم المتحدة في سوريا استخدمها النظام كسلاح ضد الشعب السوري.
وكشف تقرير صادر عن مركز Insecurity Insight للأبحاث انتشار مزاعم تدعي تواطؤ مسؤولين من الأمم المتحدة مع نظام الأسد عقب زلزال عام 2023 وقد انتشرت تلك المزاعم انتشار النار بالهشيم، واستقطبت آلاف المشاهدات والتفاعلات والتعليقات.
غير أن الأمم المتحدة بقيت تدافع على الدوام عن برنامج المساعدات الذي تنتهجه في الداخل السوري وذلك عبر القول بأنها لم يكن أمامها أي خيار سوى التعامل مع الأسد لضمان تسليم المساعدات.
إلا أن الشرع بدا على استعداد للحديث عن خسارة الأمم المتحدة لشعبيتها في سوريا، إذ قال عبر قناة العربية السعودية إن الأمم المتحدة لم تكن فاعلة في سوريا، وذلك عندما صرح قائلاً: "ظهرت معاناة كبيرة ومحاولات كثيرة لتثبيت الوضع السوري، وفشلت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإطلاق سراح سجين واحد طوال 14 عاماً، كما لم يتمكن أي منهما من إعادة لاجئ واحد إلى سوريا... وفشلا في إقناع النظام بأبسط حل سياسي يخدم مصالح النظام، إلا أن الشعب السوري قد أنقذ نفسه بنفسه اليوم".
كما حث الأمم المتحدة على عدم إثقال كاهل السوريين عبر مطالبتهم بتطبيق قرارات أضحت بائدة، إذ خلال اجتماعه بغير بيدرسن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، وذلك في دمشق بتاريخ 15 كانون الأول الماضي، وضعت خريطة مختلفة لعملية الانتقال عن تلك التي تبنتها الهيئة، إذ جرى الحديث عن أن الانتخابات لن تعقد قبل أربع سنوات، أي خلال فترة تزيد بسنة ونصف عن تلك التي حددها الجدول الزمني المنصوص عليه في القرار الأممي رقم 2254.
خرائط طريق مختلفة للمرحلة الانتقالية
لا يختلف اثنان على وصف الشرع لهذا القرار بالقرار البائد، لأنه يقوم على حل نزاع بين نظام الأسد والمعارضة السورية لم يعد له وجود الآن، إلا أن هنالك مخاوف من أن تكون هذه المقاربة التي قدمها الشرع تخفي خلفها اعتراضاً أعمق على قيم التعددية والعلمانية والمشاركة لكامل الأطياف السورية التي يزعم الشرع أنه يتبناها هو وحكومته، وذلك لأن القرار 2254 يدعم العملية السياسية التي يقودها الشعب السوري لتشكيل حكومة غير طائفية تنال الثقة في غضون ستة أشهر، أما الانتخابات فمن المفترض أن تقام خلال سنة ونصف.
بيد أن هنالك منطقا معينا للجدول الزمني الأطول الذي حدده الشرع، حتى لو منحه ذلك الفرصة لترسيخ سيطرته وحكمه، إذ يرى هذا الرجل بأنه لن يحين وقت الانتخابات إلا بعد إقامة بنية تحتية جيدة ويشمل ذلك إجراء إحصاء دقيق للسكان والتواصل بشكل قانوني مع الجاليات السورية في الخارج.
تخبرنا الباحثة رهف الدغلي بأن قلقها بات أخف بعد أن طرح الشرع جدوله الزمني، لكنها ماتزال متوترة بخصوص الحكومة التي سيشكلها في آذار المقبل، وهذا ما دفعها للقول: "هنالك غموض كبير وعدم وضوح، وهذا ما يقلقنا أشد القلق".
"لا احتكار للسلطة في سوريا بعد الآن"
يذكر أن مصادر لهيئة تحرير الشام تحدثت عن مخططات لإجراء مؤتمر حوار وطني يمتد ليومين وسيحضره 1200 شخصية سورية، بينها شخصيات سياسية، وشيوخ عشائر، وفنانون ومثقفون وممثلون عن الشباب والنساء، وكان من المقرر لهذا المؤتمر أن يعقد في الرابع والخامس من الشهر الجاري.
غير أن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أكد يوم الثلاثاء الماضي تأجيل المؤتمر، وذكر بأن التنوع مصدر قوة وبأنهم بحاجة لمزيد من الوقت من أجل التحضير للمؤتمر، ولعل هذا التأكيد كان مفتاحاً لتخفيف العقوبات الغربية على النحو المطلوب.
كما أعلن المحامي ميشيل شماس المقيم في باريس أن الانطباع الذي تشكل من خلال الدعوة لهذا المؤتمر بأنهم قرروا تأكيد سلطة الشرع وبأنه أصبح القائد الجديد لسوريا.
أما هادي البحرة، وهو رئيس الائتلاف الوطني لقوة الثورة والمعارضة السورية وهو الجسم السياسي الذي حظي باعتراف أممي، فقد ذكر بأنه لم تصله أي دعوة للمؤتمر، فيما أعربت نائبته ديمة موسى عن قلقها حيال ذلك، وقالت: "لن يقبل الشعب السوري باحتكار أي جهة للسلطة من جديد بعد المعاناة التي قاساها تحت حكم آل الأسد لمدة طالت لأكثر من خمسين عاماً، سواء أكانت تلك الجهة تمثل حزباً واحداً أو عائلة واحدة أو شخصاً واحداً أو أيديولوجية واحدة".
يذكر أن أعداداً أكبر من المنفيين السوريين لأسباب سياسية قد عادوا إلى سوريا من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، ولذلك ظهرت خرائط طريق أخرى كثيرة لعملية الانتقال في سوريا، معظمها وضعت تصوراته في المنفى، ولقد التقى الشرع بمعظم تلك المجموعات، غير أن عملية إدارة كل تلك المخططات عملية معقدة، والتوتر فيها واضح، وهذا ما دفع عارف الشعال وهو محام من المعارضين المعروفين للأسد إلى القول بأن الشرع يعمل ضمن حالة فراغ دستوري، وبأنه يتجاوز السلطات الممنوحة له في هذه الحالة بصورة خطيرة.
يتمثل التحدي بالنسبة للأمم المتحدة ولبيدرسن بتأييد مطالب المجتمع المدني السوري وتوجيهها، ولكن من الصعب بالنسبة لهما المطالبة بعملية يقودها سوريون ثم فرض الشروط الغربية عليها.
ويرى شماس بأن مفتاح بناء الدولة يقوم على تعزيز الهوية الوطنية السورية، وهذا ما جعله يقول: "طالما بقينا نتعامل مع بعضنا كأكثرية وأقليات، وكطوائف وأديان وليس كمواطنين، فسنبقى معرضين للتدخل الخارجي".
المصدر: The Guardian