العمل الإنساني في سوريا: تضحية وصمود في مواجهة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية

2024.08.19 | 06:15 دمشق

3456456
+A
حجم الخط
-A

ستظل الحرب المحرك الرئيسي للاحتياجات الإنسانية، وبعد مرور أكثر من ثلاثة عشر عامًا على الأزمة في سوريا، ما تزال هذه الاحتياجات في ذروتها، حيث تُعد سوريا من بين أسوأ مناطق الأزمات الإنسانية في العالم. وفقًا لتقرير "لمحة عامة عن العمل الإنساني العالمي" الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية نهاية العام الماضي، يتجاوز عدد المحتاجين للمساعدة في سوريا 15 مليون شخص.

ورغم مرور الوقت، لم يتغير هذا الواقع كثيرًا حتى اليوم، 19 من آب / أغسطس، وهو اليوم العالمي للعمل الإنساني الذي أقرته الأمم المتحدة تكريمًا للنساء والرجال الشجعان الذين يكرسون أنفسهم لمساعدة المتضررين من الأزمات في أنحاء العالم، وغالبًا ما يواجهون مخاطر كبيرة في سبيل تحقيق أهدافهم.

تم اختيار هذا اليوم لإحياء ذكرى الهجوم الذي استهدف مقر الأمم المتحدة في فندق القناة بالعراق عام 2003، والذي أسفر عن مقتل 22 موظفًا أمميًا، وكان هذا الهجوم ضربة قاسية وكبيرة لهذه المنظمة.

في هذا اليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عشر عامًا على الحرب في سوريا، والتي تُعتبر واحدة من أعنف الحروب في التاريخ الحديث مخلفة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية على الإطلاق، لا يستحق التكريم أكثر من العاملين الإنسانيين السوريين الذين تفانوا في مختلف المجالات وعلى كل الأصعدة، سواء التعليمية، الصحية، وسبل العيش، أو الحماية، في سبيل تخفيف وطأة الحرب على الملايين داخل البلاد وحتى في دول الجوار.

لنكن جميعًا في سوريا يدًا واحدة، نتعاون لتحقيق الدعم المؤسساتي، مما سيمكننا من الوصول إلى الازدهار والتعافي المبكر والتمكين الاقتصادي. إن المساعدة المقدمة من المنظمات العاملة على الأرض، مع دعم الأمم المتحدة، يمكن أن تعيد الحياة إلى المنطقة وتحقق استقرارها وتوازنها، في عمل يشمل الإنسانية والتعاطف.

كانت السنوات الماضية من الحرب السورية تحديًا كبيرًا بالنسبة لي كسيدة عاملة في المجال الإنساني. على الرغم من صعوبة العمل ودعمي للمستضعفين في مدينتي، إلا أنني لم أتمكن من التخلي عن قضيتي وإيماني العميق بواجبي المهني لمساعدة الأبرياء الذين هم بأمس الحاجة إلى الدعم. وعلى الرغم من أن الحرب قد صدمت بلادنا وأحرقت أرضنا، إلا أنني وجدت في العمل الإنساني ملاذًا لي، حيث أسهمت في دعم أهلي في كل المناطق المنكوبة، بالإضافة إلى عملي في مجال الدعم النفسي والاجتماعي والصحة النفسية مستهدفة الأطفال ومقدمي الرعاية، حيث قمت بمساعدة حالات عديدة تستوفي معايير متنوعة ومستضعفة، إيمانا مني أن العمل الإنساني جزء لا يتجزأ من حياتي.

من خلال عملي في المنظمات، تمكنا من مساعدة العديد من الحالات، ووضع خطط استجابة لكل حالة على حدة. بالإضافة إلى ذلك، تم تنفيذ العديد من المبادرات والحملات التطوعية، وتقديم الخدمات المختلفة، وإحالة الحالات إلى منظمات إغاثية لمساندتهم، وتقديم الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال، وصولاً إلى بناء القدرات والتوعية للعاملين والمتطوعين الآخرين.

ليس طفل الحرب ذلك الطفل الخجول الذي يذرف بعض الدموع كما نراه على شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي. هو طفل يعاني عنفاً داخلياً ناجماً عن ماضيه المؤلم.

لقد فقدنا خلال هذه السنوات أرواح عشرات المتطوعين الذين قضوا أثناء تأديتهم واجبهم الإنساني. وهذا يزيدنا تصميمًا على الاستمرار والمضي في هذا الطريق.

لقد كانت السنوات الماضية مميزة لأنها أظهرت قدرة السوريين من مختلف الاتجاهات والمشارب والطوائف على العمل بتفاهم وتناغم لتحقيق هدف مشترك. لكنها كانت أيضًا صعبة جداً، حيث تخبئ الحرب السورية في طياتها كوارث هائلة على الصعيد الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والنفسي، مما يتطلب من العاملين الإنسانيين خبرات عالية وقدرة على التوفيق بين البيئة النازحة والمضيفة، والتعامل مع مختلف الحالات النفسية والاجتماعية بهدف بناء الثقة في المقام الأول. ومع هجرة نسبة كبيرة من الكوادر المؤهلة خارج البلاد، أصبح أثر هذا العمل أكثر وضوحًا.

لقد كنا قادرين في كثير من الحالات على تغيير حياة العديد من الأشخاص الذين كانوا يعانون اليأس والإحباط. ولا يمكنني نسيان أن سنوات الحرب في سوريا، رغم صعوبتها، جعلت العمل الإنساني أولوية للكثير من السوريين، سواء عن قصد أو من دون قصد. لقد اعتدنا أخذ الجانب الإنساني في جميع قراراتنا وأعمالنا، وأصبحنا متحمسين لتقديم الأفضل وإظهار صورة إنسانية عن مجتمعنا. ودون شك، كان للمجتمع المدني الذي ازداد حضوره خلال السنوات الأخيرة دور كبير في التوعية وتعزيز فكرة العطاء والترابط والتماسك داخل المجتمع السوري.