السويداء إلى أين: بعد تهديد النظام للحراك؟

2024.05.05 | 06:00 دمشق

السويداء
+A
حجم الخط
-A

يثابر ناشطو الحراك الشعبي السلمي في السويداء، على متابعة تظاهراتهم وتحركاتهم واعتصاماتهم المدروسة والفاعلة، بل ويتصاعد زخم هذا الحراك مع كل تصريحات أو تهديدات تصلهم عبر شبيحة نظام بشار الأسد وأتباعه، ويمارس أهل الجنوب السوري وجبل العرب، حقهم الطبيعي في التظاهر والحراك ضد آلة القمع وأدوات الفساد والإفساد، المستشري كمرض في الوطن السوري منذ أن تسلم آل الأسد الحكم والسلطة، وخطفوا الوطن بقضه وقضيضه، لصالح منافعهم وعلى حساب السوريين، حيث كانت سياسات الفساد والنهب، ومازالت سمة أساسية لهذا لطغيان الأسدي، ومن ثم دولة العصابة الحكمة، رغمًا عن الناس، لتتم ممارسة نهج القمع والنهب المنظم وغير المنظم، وهو الذي أوصل البلاد والعباد إلى حيز ما كان نهجًا مبرمجًا وهو خلق الواقع العياني حيث  تصبح فيه سورية دولة فاشلة بكل ما للكلمة من معنى.

وما جاء مؤخرًا من تصريحات لأجهزة الأمن الحاكمة في دمشق، وتصعيد واضح المعالم في لهجة الخطاب، وتخويف متواصل من قبل أدوات النظام السوري الإجرامي، وبعدها الإعلان عن بداية تحركات عسكرية، وأمنية أيضًا تشير إلى نية التوجه إلى الجنوب، وخاصة محافظة السويداء حيث الحراك، للإمساك بتلابيب وديناميات حركة الشعب في السويداء، ضمن سياسة إشاعة مزيد من أجواء الرعب والخوف، في محاولة واضحة، من قبل نظام الاستبداد والسلطة الحاكمة في دمشق، لممارسة ميدانية تخويفية، يمكن أن تنتج حالة من الإجهاز على ثورة السوريين في الجنوب، كما فعل النظام وأجهزته وأعوانه  ذلك مسبقًا، في غير مكان من جغرافية سورية، على امتداد حراكها الثوري الوطني المناهض لحكم بشار الأسد، وهو الذي اشتغل حثيثًا وكثيرًا لإنتاج الحل الأمني والعسكري، في مواجهة انطلاق ثورة الحرية والكرامة التي تحركت أواسط شهر آذار/ مارس 2011، حيث أثبت النظام في حينها للعالم أجمع، أنه يبتعد كليًا عن أي حوار سياسي، أو حالة ولوج جدي في أتون الحل السياسي، أو مجرد القبول ببيان جنيف والقرار 2254 وكل القرارات الأممية ذات الصلة، متلاعبًا بكل ما استطاع من قوة وسياسة، في المفاوضات التي تبدأ في جنيف ثم مؤتمر في أستانا، سيئ الصيت، ولا تنتهي في محددات وكواليس ما سمي باللجنة الدستورية، المتوقفة والمجمدة منذ سنوات بأمر مباشر من روسيا الاتحادية، ومن إيران/ الملالي، وبالضرورة من نظام العصابة الأسدي، الغارق إلى النهايات، في خطف الوطن السوري والإصرار والتمسك بالحل العسكري والأمني المؤاتي له ولسياساته.

هذا النظام السوري الأمني، ومن خلال دولته الأمنية، وهذه هي صفاته وهذا هو أداؤه السياسي وغير السياسي، لم يعد يستبعد عنه أي شيء، ولا يستبعد عن أدواته الأمنية وأجهزته الفاشيستية أبدًا الدخول من جديد في مسارات التغول والهيمنة العسكرية، أو الانقضاض مجددًا على مظاهرات شعبية سورية سلمية، كانت ومازالت، تمسك بالحل السلمي السياسي، وتنادي بالحرية والكرامة مسارًا ومسيرة، منعًا لأي محاولة من قبل نظام القمع الأسدي لجر البلاد من جديد إلى حمامات من الدماء في جنوبي الوطن، كما كان ومازال يفعل في شماله وشرقه وغربه.

ويبقى السؤال أمام التخوف وهذا الواقع الاستبدادي لهذا النظام المجرم، ما هو وأين يكمن صمام الأمان، الذي يمكن أن يمنع أو يعوق ذلك، ويوقف العدوان المتوقع على الناس، وعلى أهلنا في السويداء؟ ويبدو أنه ما يزال هناك كثير مما يمكن فعله ومن ثم منع التوجه الأسدي للانقضاض على الأهل في السويداء، وقمع الثورة السلمية. إن ما يمكن أن يكون صمام أمان حقيقي هو وعي الشارع المتحرك في السويداء، والعقل الذي تميز به كل ناشطيه، عبر إصرارهم على التظاهر السلمي، وقطع دابر أي محاولات من هنا أو هناك لدفع الناس إلى التحول نحو العسكرة، وهو ما يريده نظام بشار الأسد ويعمل عليه منذ مدة، من أجل افتعال معارك جانبية عسكرية واشتغالات طائفية أمنية، أو إدخال عصابات كبتاغونية، وحبك المؤامرات وافتعال المشكلات، عبر بعض البعثيين، وشربكة الوضع الشعبي في السويداء، من أجل الانجرار إلى العسكرة وتسليح الثوار السلميين، وهو ما يريده النظام الأسدي، من خلال النصائح السيئة من إيران وحرسها الثوري وميلشياتها، وكذلك من روسيا الاتحادية، ليكون بذلك قد امتلك المبررات الشكلانية، لقمع أي تحرك ووئد الحركة الشعبية السلمية.

من هنا فإنه يمكن القول: إن تعميق وتجذير الوعي الشعبي والنخبوي في السويداء، وتمليكه حالة إدراك خطورة أي عمل عسكري، سيكون صمام الأمان الحقيقي، وسوف يمنع ذلك من الانجرار إلى متاهات حرب عسكرية يمتلك فيها النظام السوري مع حلفائه، الحيز الأكبر والسلاح الأحدث، والدعم الإقليمي والدولي، بعد أن تخلى معظم أصدقاء الشعب السوري عنه، لذلك لا بد من وعي أن لا ضرورة أبدًا لثورة مسلحة، حتى لا نسهل لنظام الاستبداد المطلب الذي يعمل عليه نظام بشار الأسد طويلًا، ليسهل عليه قمع الثورات والحركات، وهو الذي لا تثنيه أي قيم أخلاقية عن فعل أي شيء، وهو الذي سبق وألقى سلاح الكيماوي المحرم دوليا والبراميل على شعبه وأباد كثيرا من الشعب السوري، على مذبح الحرية والكرامة، وفي كل المحافظات السورية، ومن كل الطوائف.

كما أن كل الفصائل العسكرية الوطنية في جبل العرب، كانت قد أكدت وتؤكد مع مشايخ العقل وعلى رأسهم الشيخ الهجري، على أنها لن تكون مجالًا مفتوحًا أو هينًا يمكن عبره فتح الطرقات أو الولوج بالحل العسكري، أو السماح بتهيئة الظروف لتكون سالكة، أمام آل الأسد وأتباعهم من ميليشيات طائفية، لجر السويداء إلى حمامات من الدم، ولمنع ميليشيات النظام السوري ومعه ميليشيات حزب الله اللبناني الإرهابي، وأيضًا إيران وأدواتها التي تعمل جاهدة على سحب الثورة في السويداء إلى الخوض في الدم السوري الحرام. ويبدو أن مشايخ العقل وعبر موقفهم الواعي والتاريخي، سيسهمون أيضًا وبشكل مباشر، في منع أي حرب دموية، ليست من صالح الثورة الشعبية السلمية في السويداء.