لا شيء يشعل ذكاء "الذكور الشرقيين" أكثر من تلك اللحظة "المقدسة" عندما يقررون أن العار قد حان وقته للغسل. العار، تلك الكلمة الغامضة التي أصبحت مثل بطاقة "سحرية" يستخدمها الرجال لإخفاء كل الجثث التي خلفوها وراءهم. وفي حين يحتفل العالم بعصر المعلومات والتكنولوجيا، نحتفل نحن بقدرتنا الخارقة على إعادة إحياء العصور الوسطى بطرق جديدة، ولعل "غسل العار" هو طقسنا المقدس في هذه الاحتفالية المستمرة.
لا يمر أسبوع أو أسبوعان في هذه المنطقة "المنكوبة" من العالم، إلا وتسمع قصة جديدة عن "غسل العار". قصة تتكرر بنفس السيناريو المعتاد: ذكر شرقي يقرر أن العائلة بحاجة إلى "تنظيف" ما، ويأخذ على عاتقه هذه المهمة المقدسة، ضحية هذه المرة؟ طفلة بعمر 15 عامًا، كما حدث مؤخرًا في السويداء بسوريا. كم هو "شريف" هذا القاتل الذي يختبئ وراء عباءة العادات والتقاليد ليرتكب جريمة لا يختلف اثنان على أنها عار حقيقي.
تخيل فارسا من العصور الوسطى، بيديه سيف مرصع بالجواهر، يجوب الحقول على حصانه بحثا عن شرف العائلة الذي سقط منه سهواً. هكذا يبدو الذكر الشرقي، لكنه بالطبع استبدل الحصان بسيارة مستعملة، والسيف بمسدس أو سكين مطبخ. لنفكر قليلاً، العالم تطور حتى بات يرسل صواريخا إلى الفضاء، ونحن هنا ما زلنا نغسل "العار" كما لو كنا نعيش في حلقة من "صراع العروش".
المثير للسخرية أن هذا "الفارس" لم يسمع شيئا عن غسل ضميره، ولا يفكر يوما في غسل جرائمه ضد الإنسانية، لكنه مستعد دائما لرفع راية "غسل العار". كيف؟ بسيط جدا: يقتل أخته أو ابنته أو حتى قريباته ويعتبر نفسه قد "طهّر" العائلة من الوهم الذي يطارده.
في عالم الذكر الشرقي، الشرف شيء غريب، ربما كائن فضائي مجهول الهوية. إنه لا يرتبط بالأخلاق أو النزاهة أو التعامل الكريم مع الناس. كلا، الشرف في هذه المعادلة الفلسفية مرتبط بشكل حصري بالنساء. ولأنهن "حاملات الشرف"، يجب على الرجال مراقبتهن كما لو كن يحملن أسرار الكون في حقائبهن اليدوية.
إذا تجرأت فتاة على الخروج بملابس غير مقبولة وفقا لمعايير "العارف بكل شيء" (أخيها أو عمها أو حتى جارها)، فإن الشرف يسقط عن العائلة! وبدلاً من إصلاح الأمور بحوار بسيط، يقوم الذكر الشرقي بما يجيده: إطلاق النار على المشكلة. نعم، في ذهنه العبقري، هذه هي الطريقة المثلى للحفاظ على الشرف، تماما كما كان الفرسان في العصور الوسطى يتقاتلون بالسيوف لحل النزاعات بين الممالك.
المشكلة في كل هذا ليست مجرد الجريمة التي تُرتكب باسم "غسل العار"، بل في المجتمع الذي يبتسم ببرود وكأنه شاهد إعلانا تجاريا لشامبو جديد. غسل العار؟ حقا؟ لنفكر قليلاً: إذا كان الدم هو أفضل طريقة لتنظيف العار، فلماذا لا يُعلنون عن مسحوق تنظيف سحري؟ يمكن أن يطلقوا عليه اسم "كلوركس العار"، ويكون الإعلان كالآتي: "مع كلوركس العار، اغسل شرفك خلال 5 دقائق فقط!" سيكون ضربة تسويقية هائلة.
الأمر المثير للدهشة هنا هو أن هذه الفكرة تجد قبولا في مجتمع "الذكورية الشرقية"، إذ ينظر إلى الرجل القاتل على أنه بطل قومي. "لقد غسل العار!"، "حافظ على كرامة العائلة!"، "أي رجل!"… والناس في الحي يصفقون له بحماسة وكأنهم شهدوا لحظة تتويج الملك.
في العصور الوسطى، كانت هناك محاكم تفتيش تتعامل مع الساحرات المزعومات، ولكن حتى تلك المحاكم كان لديها نوع من "الإجراءات" قبل حرق الضحية
في العصور الوسطى، كانت هناك محاكم تفتيش تتعامل مع الساحرات المزعومات، ولكن حتى تلك المحاكم كان لديها نوع من "الإجراءات" قبل حرق الضحية. أما في عالم "غسل العار" الحديث، فلا حاجة لمحكمة أو حتى لاتهام معقول. يكفي أن يرتاب أحد أفراد العائلة في "سلوك" الضحية، وربما يكفي أن تخرج من دون إذنه. هكذا، وبكل بساطة، يشعل الفارس الشرقي سيفه الحديث ويشرع في القتل.
لكن في الحقيقة، حتى فرسان العصور الوسطى كانوا يمتلكون رموزا ومعايير للعدالة، مهما كانت مشوهة. أما فرساننا المعاصرون، فقد تجاوزوا هذه المراحل تماما، وأصبحوا يحكمون على الفور، بناء على نصوص تقليدية بائسة، وينفذون الحكم بلا رحمة ولا عقل.
ماذا لو أن الذكور الشرقيين قرروا يوما أن يغسلوا "عارهم" الحقيقي؟ عار القتل، عار الجهل، عار الفساد، عار الانحطاط الأخلاقي؟ ربما سنحتاج إلى محيط كامل من الماء لهذا الغسل. لكن بالطبع، هذا لن يحدث. فطالما كان هناك فتاة تُقتل باسم "الشرف"، يبقى هؤلاء "الأبطال" في مأمن من مواجهة العار الحقيقي.
العالم يتقدم ونحن نقف في المكان نفسه. قد تحلق الطائرات فوق رؤوسنا، وقد يرسل العلماء الأقمار الصناعية إلى الفضاء، لكننا هنا، نغسل العار بالدماء. إنهم يتحدثون عن المستقبل، ونحن عالقون في كابوس الماضي.
في كل مرة نسمع عن "غسل العار"، يتكرر السؤال نفسه: من المسؤول؟ القاتل الذي يرى نفسه بطلا؟ أم المجتمع الذي يصفق له بكل فخر؟ لا حاجة لذكر الأسماء، فالمزيد من "الأبطال" يستعدون للظهور، حاملين سيوفهم المزيفة بانتظار الضحية التالية. وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم: من سيغسل عارهم؟