الذكرى المأساوية لمجزرة الغوطة.. جرح غائر وفشل دولي في تحقيق العدالة

2024.08.22 | 11:12 دمشق

آخر تحديث: 22.08.2024 | 13:59 دمشق

النظام السوري يرفض قرار منع حصوله على "مواد كيماوية"
+A
حجم الخط
-A

تحلّ علينا الذكرى الحادية عشرة للهجوم الكيميائي على الغوطة في ريف دمشق، الذي وقع في ليلة 21 من آب/ أغسطس 2013، مستحضرةً إلى الأذهان تلك اللحظات الرهيبة التي عاشها الشعب السوري.

هذا الهجوم ليس مجرد حادثة عابرة، بل يُعدّ من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في العصر الحديث، حيث استخدم نظام الأسد أسلحة كيميائية محظورة دولياً ضد المدنيين العزل، ما أدّى إلى مقتل المئات، معظمهم نساء وأطفال.

إن استخدام الأسلحة الكيميائية يُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني ولحقوق الإنسان، ووفقاً لاتفاقية الأسلحة الكيميائية التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1993، فإنّ إنتاج أو تخزين أو استخدام هذه الأسلحة محظور تماماً لمعظم دول العالم الموقعة على هذه الاتفاقية.

ومع ذلك، شهدت 

الغوطة انتهاكاً واضحاً لهذه الاتفاقية من قبل النظام السوري، الذي لجأ إلى استخدام أسلحة كيميائية لاستهداف مناطق مدنية مكتظة بالسكان، متجاهلًا بذلك القانون الدولي وكل المعاهدات التي تهدف إلى حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، ورغم أن نظام الأسد لم يكن موقعاً على اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية عند استخدامه السلاح الكيميائي، وانضم للاتفاقية في عام 2013، إلا أنّ ذلك لا يلغي أنه استخدم أسلحة محرّمة دولياً ضد المدنيين العزل.

 

هذه الجريمة، التي تعتبر خرقاً واضحاً لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، ترقى إلى مستوى جريمة حرب وفقاً للقانون الدولي، كما أنّ الهجوم العشوائي على المدنيين العزّل يُعد جريمة ضد الإنسانية، وهي جريمة ذات طابع دولي لا تسقط بالتقادم، ما يستدعي ضرورة محاسبة المسؤولين عنها.

فشل المجتمع الدولي في المحاسبة

رغم مرور أكثر من عقد على هذه الجريمة، ما يزال المجتمع الدولي عاجزاً عن محاسبة الجناة، هذا الفشل يمكن تتبعه عبر عدة أبعاد، تعكس في مجموعها قصوراً خطيراً في نظام القانوني الدولي، وتعقيدات السياسة الدولية، بالإضافة إلى تقاعس الأطراف الفاعلة عن اتخاذ خطوات جادة لحماية حقوق الإنسان.

  • 1. الشلل في مجلس الأمن الدولي:

مجلس الأمن، الذي يعتبر أعلى هيئة دولية مسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين، شهد شللاً تامّاً في التعامل مع الملف السوري، حيث استخدمت روسيا، بدعم من الصين، حق النقض (الفيتو) بشكل متكرر لمنع أي قرار يدين النظام السوري أو يحيله إلى المحكمة الجنائية الدولية.

هذا الشلل السياسي منع اتخاذ أي إجراءات حاسمة كانت ستمنع وقوع مزيد من الجرائم أو تضع حدًا لاستخدام الأسلحة الكيميائية.

  • 2. تآكل آليات القانون الدولي:

تعرّض القانون الدولي لضغوط كبيرة نتيجة للصراع السوري، حيث أظهرت الأحداث مدى هشاشة المنظومة الدولية في فرض التزاماتها القانونية.

إنّ الفشل في إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية يعكس عجزاً في تطبيق مبدأ "عدم الإفلات من العقاب"، الذي يعتبر من الركائز الأساسية للقانون الدولي الإنساني.

  • 3. التراخي في تطبيق مبدأ "مسؤولية الحماية":

مبدأ "مسؤولية الحماية" (R2P)، الذي يهدف إلى حماية المدنيين من الجرائم الجماعية عندما تعجز دولهم عن ذلك أو ترتكبها بنفسها، تعرض لإهمال واضح في الحالة السورية.

لم يتمكن المجتمع الدولي من تفعيل هذا المبدأ بطريقة فعالة في سوريا، حيث تغلبت المصالح الجيوسياسية للدول الكبرى على الالتزامات الإنسانية والقانونية.

  • 4. قصور الجهود الدبلوماسية والإنسانية:

على الرغم من المحاولات العديدة لإيجاد حل سياسي للنزاع السوري، إلا أن الفشل في التوصل إلى تسوية شاملة يعكس ضعف النظام الدولي في التعاطي مع النزاعات المعقدة.

المبادرات الدبلوماسية لم تكن كافية، ولم تترافق مع ضغوط فعلية على النظام السوري لوقف انتهاكاته، مما أدى إلى استمرار الجرائم دون رادع.

  • 5. الازدواجية في المعايير الدولية:

يعاني النظام الدولي من ازدواجية في معاييره عندما يتعلق الأمر بتطبيق القانون الدولي، ففي الوقت الذي يتم فيه التعامل بصرامة مع بعض الدول أو الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم مشابهة، يتم تجاهل الجرائم المرتكبة في سوريا بسبب التحالفات السياسية والعسكرية.

هذه الازدواجية تزيد من تقويض ثقة الشعوب في النظام الدولي وتشجع على استمرار الجرائم.

جهود المحاسبة: خطوات نحو العدالة

رغم الفشل العام، شهدنا في السنوات الأخيرة بعض التطورات الإيجابية على صعيد المحاسبة القانونية. فقد أصدرت محكمة فرنسية مؤخراً مذكرة توقيف دولية بحق رأس النظام السوري بشار الأسد، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في خطوة تُعدّ سابقة قانونية مهمة.

هذا التحرك القانوني يُعدّ جزءاً من جهود أوسع لتفعيل العدالة الدولية ضد مرتكبي الجرائم البشعة في سوريا.

إضافة إلى ذلك، تعمل عدة منظمات دولية ومحلية سورية، مثل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والآلية الدولية المحايدة والمستقلة الخاصة بسوريا، على جمع الأدلة والشهادات حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.

هذه الجهود تهدف إلى إنشاء ملفات قانونية متكاملة يمكن تقديمها أمام المحاكم الدولية والوطنية، لضمان أن مرتكبي هذه الجرائم لن يفلتوا من العقاب.

إن ذكرى مجزرة الغوطة تفرض على المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية وقانونية لمواصلة السعي نحو تحقيق العدالة، فمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة ليست مجرد مطلب للعدالة للضحايا، بل هي أيضاً ضرورة لضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل.

يجب أن تبقى هذه الذكرى حية في الذاكرة الجماعية كرمز للتحديات التي تواجه القانون الدولي في تطبيق العدالة، والأمل ما زال قائماً في أن تتكلل الجهود الحالية بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، لتحقيق عدالة حقيقية وضمان عالم أكثر أماناً وإنصافاً للجميع.