في ظل الأحداث المتسارعة في المنطقة، تستعد تركيا لإجراء انتخاباتها المحلية، والتي من المزمع انعقادها يوم الأحد، ضمن 81 ولاية، والتي ستمثل نقطة تحول حاسمة في مسيرة وتجارب الديمقراطية في تركيا، هذه الانتخابات من المتوقع أن تقدم صورةً نمطية تُجسّد التغيرات والاستقطابات السياسية والاجتماعية الثقافية الجديدة في الدولة والمجتمع.
فقد بدأت الأحزاب السياسية التركية تُعيد تشكيل تحالفاتها بما يتوافق مع مصالحها في انتخابات ستحدد من سيتولى مناصب رئاسة البلديات وعضوية المجالس البلدية، بالإضافة إلى مخاتير القرى والأحياء، لكن هذه الانتخابات المحلية تأتي عقب معركة الانتخابات الرئاسية التي شهدت منافسة شديدة بين تحالف الشعب وتحالف الأمة، والتي أسفرت عن فوز تحالف الشعب ورئيسه رجب طيب أردوغان بأكثر من 52% من أصوات الناخبين. ما عزز من الوجود البرلماني لحزب "العدالة والتنمية" بالفوز بـ 268 مقعداً من أصل 600 مقعد في البرلمان.
سيخوض "الرفاه مجدداً" غمار الانتخابات في قائمة تضم 617 مرشحًا مما يعكس تطلعات الحزب الفعلية لتوسيع نفوذه
في هذه الانتخابات المحلية تبرز أحزاب منفردة صغيرة ستخوض غمار الانتخابات بعيداً عن التحالفات التي اعتادت أن تكون ضمنها، هذه الأحزاب تحمل تطلعات جديدة وتسعى إلى أن تكون أحزابا مؤثرة ومسيطرة في الحياة السياسية التركية، ومن المؤكد وحسب اللوائح المعلنة قبيل الانتخابات هو دخول حزب " الرفاه مجدداً " بمرشحين جدد بمعزل عن العدالة والتنمية، حيث سيخوض "الرفاه مجدداً" غمار الانتخابات في قائمة تضم 617 مرشحًا مما يعكس تطلعات الحزب الفعلية لتوسيع نفوذه في طريق مغاير عن تحالف الشعب وحزب العدالة والتنمية.
على الرغم من أن المحافظين يشكلون القاعدة الشعبية الأساسية لحزب "الرفاه"، وعدم تقديمه مرشحين بالانتخابات المحلية كان سيزيد من أصوات "حزب العدالة والتنمية" الذي يمتلك قاعدة شعبية كبيرة أيضاً من المحافظين، وهذا ما يؤكد نية "حزب الرفاه" بأن هذه الانتخابات ستكون مؤشرا على مدى قدرة حزبه على الوصول إلى أهداف وطموحات الحاضنة الشعبية التي سئمت من الأحزاب التركية المسيطرة بعد أن فشلت في تحقيق وعودها.
وعلى الطرف الآخر أعلن كل من زعيم "حزب النصر " التركي أوميت أوزداغ الذي يتخذ موقفا مناهضا للاجئين والمهاجرين والعرقيات الأخرى، وزعيمة "الحزب الجيد" ميرال اكشنار بأن أحزابهم ستخوض الانتخابات المحلية بمرشحي حزبيهما دون تحالفات مع حزب الشعب الجمهوري والأحزاب الأخرى المعارضة.
وكان حزب "الشعب الجمهوري" يعوّل على تغيير "الحزب الجيد" موقفه بالترشح منفرداً في الانتخابات المحلية، التي تجري في نهاية هذا الشهر مارس/آذار، لأن ذلك سيؤدي إلى انقسام أصوات المعارضة أيضاً مما سيعطي فرصة سانحة لحزب "العدالة والتنمية" وحزب "الحركة القومية" بانتزاع بعض الأصوات التي كانت من الممكن أن تذهب باتجاه أحزاب المعارضة وخصوصاً بعد قوة وفاعلية أسماء مرشحي حزب العدالة والتنمية وخصوصاً في الولايات الكبرى.
مفترق طرق
إذا لم تتمكن حكومة حزب "العدالة والتنمية " من الفوز بولايتي أنقرة وإسطنبول، وخسرت في الوقت نفسه عددًا قليلاً من البلديات الحالية، فسيتم حينها مناقشة فوز الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية في 28 مايو 2023 بجدية، ومن الممكن حينها الحديث عن إجراء انتخابات عامة مبكرة بسبب تأثير عوامل سلبية مثل المشكلات الاقتصادية التي تواجهها البلاد والحياة اليومية الصعبة للمجتمع، وستدرك حينها الأحزاب المعارضة بأنها تمتلك القوة اللازمة للإطاحة بحزب "العدالة والتنمية" ورئيسه أردوغان بعد سيطرته على الحكومة لأكثر من عقدين من الزمن.
والمعنى الآخر لذلك هو أن تحالف حزب "العدالة والتنمية "وحزب "الحركة القومية" سيقومون باستخدام كل سلطات وإمكانيات الدولة من أجل استعادة بلديات العاصمة أنقرة وإسطنبول، لدرجة أن الرئيس أردوغان أعطى أهمية للفوز في أنقرة وإسطنبول بقدر ما أولاه للانتخابات الرئاسية، وإذا لم يتم الفوز في البلديات الكبرى، وخاصة إسطنبول وأنقرة، فإن سلطة الحزب الحاكم ورئيسه ومستقبله السياسي سوف يصبحان موضع نقاش متعدد الأوجه.
إذا لم يتمكن إمام أوغلو من الفوز بمنصب رئيس بلدية إسطنبول مرة أخرى، فمن الممكن أن يكون قد استُهلك سياسياً مما قد يجعل طريقه إلى منصب الرئاسة التركية مغلقًا
وعلى النقيض فقد استعد حزب "الشعب الجمهوري" للانتخابات المحلية في مارس 2024 بسياسة الضغط على نقاط ضعف حزب "العدالة والتنمية " وتحالف الشعب دون أن يكون له برامج حقيقية كتلك التي يقوم حزب "العدالة والتنمية" بتسليط الضوء عليها أهمها إعادة التمدين، خصوصاً بعد فاجعة الزلزال الذي كبد تركيا خسائر فادحة في البنية التحتية والثروة البشرية، وفي الوقت نفسه تزداد الضغوط على حزب "الشعب الجمهوري" بسبب عدم قدرته على تقديم برامج ترضي تطلعات الشارع التركي أولاً و صعود أحزاب معارضة جديدة قد تهدد مكانته في كونه الحزب الرئيسي للمعارضة في البلاد ثانياً، ومن ناحية أخرى إذا لم يتمكن إمام أوغلو من الفوز بمنصب رئيس بلدية إسطنبول مرة أخرى، فمن الممكن أن يكون قد اتُهلك سياسياً مما قد يجعل طريقه إلى منصب الرئاسة التركية مغلقًا لكونه كان الشخصية الأبرز في حزب الشعب الجمهوري خلال الآونة الأخيرة.
وفي هذا الصدد، لن تكون الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في نهاية الشهر الجاري مارس 2024 انتخابات محلية فقط ولكنها ستكون انتخابات عامة وميزاناً قد يعطي مؤشرات حقيقية عن المستقبل السياسي القادم لتركيا.