في خطوة مفاجئة، أعلنت السعودية وإيران، اتفاقهما على استئناف العلاقات بعد قطيعة دبلوماسية استمرت سبع سنوات، وجاء الإعلان عن الاتفاق بعد محادثات غير معلنة، استمرت أربعة أيام، جرت في بكين بين كبار مسؤولي الأمن من البلدين، حيث رأسَ الوفد السعودي، مساعد بن محمد العيبان، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء ومستشار الأمن الوطني السعودي. والوفد الإيراني علي شمخاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
وكانت المملكة العربية السعودية قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران عام 2016، بعد اقتحام سفارتها في طهران، إثر إعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر باقر النمر، الذي اتهمته الرياض بقيادة نشاطات تهدد أمنها القومي.
لم يكن التدخل الإيراني في الشأن الداخلي السعودي، على أهميته وحساسيته، السبب الوحيد في توتر العلاقات بين البلدين. حيث كان الصراع (بالوكالة) محتدماً بينهما في كل من اليمن وسوريا ولبنان والعراق، خصوصا عندما سعت إيران إلى تطويق السعودية من خلال نفوذها القوي المباشر في الأقطار العربية الأربع سالفة الذكر.
ولم يكن الاتفاق ليحظى بهذا القدر من المتابعة والاهتمام لولا الرعاية الصينية له، فقد تسببت هذه الرعاية بزلزال شديد الصدمة في واشنطن، التي تدرك جيداً أنّ رعاية بكين للاتفاق نابع من مصالحها الاستراتيجية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالشرط الأوسط، ذي المعادلات بالغة الأهمية والتعقيد، وتحديدا ما يتعلق بأمن الممرات البحرية والطاقة وتأثيرها على الاقتصاد العالمي.
ردود الفعل الأميركية على الاتفاق
أفردت وسائل الإعلام الأميركية مساحات واسعة للاتفاق السعودي الإيراني، وركزت على الرعاية الصينية له، معتبرة نجاح بكين دليلاً على تعاظم الدور الصيني اقتصادياً وسياسياً في الشرق الأوسط، مقابل انحسار النفوذ الأميركي وضعفه في تلك المنطقة، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
كما ركزت صحيفة "واشنطن بوست" على دور الوساطة الذي قامت به بكين بالنسبة للاتفاق الذي تضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران "وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران"، وكذلك التأكيد على "احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية"، فضلا عن الاتفاق على عقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين قريباً "لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما"، كما نص الاتفاق على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بينهما عام 2001، وكذلك اتفاقية اقتصادية موقعة عام 1998 .
ووصفت الصحيفة هذا التطور بأنه "اختراق كبير لتنافس مرير لطالما قسّم الشرق الأوسط"، ولفتت إلى فشل محاولات إدارة الرئيس باراك أوباما إصلاح العلاقات بين السعودية وإيران، الذي كان يرى أن الصراع بينهما يمثل "مصدراً للتوتر الطائفي في المنطقة".
المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، حاول التقليل من أهمية الاتفاق بقوله "إنه ما زال مبكرا الحكم على صمود هذا الاتفاق" وأنه "يبقى أن نرى ما إذا كان الإيرانيون سيلتزمون به.
تقليل البيت الأبيض من شأن الاتفاق، لن يحول دون حصول تداعيات كبيرة لهذا التحول الاستراتيجي داخل أمريكا، سواء من قبل الجمهوريين، أو بعض الديموقراطيين، الذين سيتهمون البيت الأبيض بالتسبب في توسع دور الصين في المنطقة والعالم، على حساب أمريكا والغرب.
الصين أضحت شريكاً استراتيجياً في منظومة أمن الشرق الأوسط
ثمة اتفاق بين المحللين الاستراتيجيين على نجاح بكين في فرض نفسها كلاعب استراتيجي في الخليج، وأنها باتت تشكل أكبر تحد جيوسياسي لواشنطن في القرن الـ21، وأنّ الاتفاق السعودي الإيراني شكل منعطفاً تاريخياً غير مسبوق، من حيث كونه بداية للعهد الصيني في الشرق الأوسط وربما العالم. إذ يعني أن أي اعتداء إيراني على السعودية، ستقوم الصين (التي أصبحت تكفل لحد ما أمن الرياض) بردعه لا الولايات المتحدة. وبتعبير أدق فقد أصبح الأمن الخليجي عموما والسعودي خصوصاً، من حصة الصينيين، بعد أن كان في السابق من حصة الأميركيين.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذا التحول الاستراتيجي لم يحصل بين عشية وضحاها، إنما هو نتيجة طبيعية لتخلي واشنطن عن تعهداتها والتزاماتها مع دول المنطقة، وعدم ملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه غزوها واحتلالها للعراق عام 2003.
صحيح أن الصين لا تمتلك قوة الولايات المتحدة العسكرية، وهي لا تستطيع منافسة واشنطن في هذا المجال، لكن الولايات المتحدة هي من نأت بنفسها، وتركت الميدان فارغا لبكين، وسنة الحياة لاتقبل الفراغ.
ومن البديهي جدا أن يكون لهذا التحول الاستراتيجي تداعيات كبيرة داخل أمريكا، سواء من قبل الجمهوريين وحتى بعض الديموقراطيين الذين سيتهمون البيت الأبيض بالتسبب في توسع دور الصين في المنطقة والعالم.
البحث عن عالم جديد متعدد الأقطاب
في وقت سابق من العام الماضي، أبدت العديد من الدول الرغبة بانضمامها إلى مجموعة البريكس، مثل: الأرجنتين، وإندونيسيا، والمكسيك، وتركيا، وإيران، كما شارك رئيس تركيا رجب طيب أردوغان في القمة العاشرة في جنوب أفريقيا.
وتضم دول البريكس مجموعة من البلدان التي تمثل بعض الاقتصادات الأسرع نموا في العالم، وتشكل مساحة هذه الدول ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب 40% من سكان الأرض، وتمتلك 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتسعى هذه الدول لتشكيل حلف أو نادٍ سياسي فيما بينها مستقبلاً. وتعمل معا لتعزيز نظام عالمي متعدد الأقطاب وتحدي هيمنة القوى الغربية التقليدية.