إذا كان من نص مرجعي لمهمة مجموعة الدول الخمس في الملف اللبناني، فهو بيان وزراء خارجية هذه الدول، الذي صدر إثر اجتماعهم في الدوحة، وبالتحديد البند الخامس من هذا البيان، الذي لوح بعقوبات قد تطول من يعطلون انتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان.
العودة إلى هذا البيان المرجع، تشكل استعادة لجوهر مبادرة الدول الخمس، إذا ما كان هناك من قرار فعلي لدى هذه المجموعة بمساعدة لبنان، على الخروج من أزمته الطويلة والمزمنة، التي تراوح مكانها، على وقع حرب إسرائيلية مستمرة في غزة، وجبهة مساندة قرر حزب الله شنها من لبنان، أدت عملياً إلى وضع الملف اللبناني كله، في عنق زجاجة المنطقة العالقة بدورها في أتون الحرب.
صحيح أن الفراغ الرئاسي سبق الحرب على غزة، وصحيح أن هذا الملف لم يكن نتيجة لانفجار الحرب، لكن الدقيق أيضاً أن الممسك الحقيقي بقرار لبنان، ربط كل الحلول بانتهاء الحرب في غزة، فأصبح الوضع في لبنان معلقاً، بسلسلة متتالية من الممرات الإجبارية، التي قد تؤدي في النهاية أو لا تؤدي، إلى انتخاب رئيس، وانتظام ولو بالحد المعقول، لعمل المؤسسات، والبدء بالإصلاح السياسي والاقتصادي المؤمل تنفيذه.
تنطلق مجموعة الدول الخمس، من مجموعة من المبادرات التي يحاول فيها المبادرون، أن يجدوا ثغرة في الجدار الصلب.
الممر الإجباري الأول، وقف إطلاق النار والعودة على طرفي الحدود، لمن غادروا بلداتهم ومستوطناتهم. والثاني بدء التفاوض حول ترتيبات أمنية وفقاً للقرار 1701، أما الثالث فهو عملية الإعمار التي لا يملك حزب الله، ولا الدولة اللبنانية، القدرة على تنفيذها، وبعد ذلك كله، من المتوقع أن يكون الملف الرئاسي ثمرة كل هذه الحلول.
تنطلق مجموعة الدول الخمس، من مجموعة من المبادرات التي يحاول فيها المبادرون، أن يجدوا ثغرة في الجدار الصلب.
بات بحكم المؤكد لدى الخماسية، أن حزب الله ماض في عملياته عبر الحدود، ما دامت حرب غزة مستمرة، ولذا هم أقلعوا عن محاولة ثنيه عن الاستمرار بعملياته، فتراجعوا إلى مطلب فصل الاستحقاق الرئاسي، عما يجري في الجنوب، ومحاولة التوصل إلى رئيس توافقي، يشكل وصوله إلى القصر الرئاسي، جزءاً من جاهزية سياسية مطلوبة، في حال دقت ساعة التسوية في المنطقة.
المحاولة القطرية، فهي تنطلق عملياً مما سبق أن حققته قطر في الدوحة، حيث تم الانتهاء من عملية 7 أيار، وانتخب قائد الجيش حينها ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، ووقع ما بات يعرف فيما بعد، باتفاق الدوحة الشهير، الذي ما زال مفعوله سارياً إلى اليوم.
الأبرز في المحاولات الخماسية، المبادرتان الفرنسية والقطرية. تتحرك فرنسا بطريقة تبدو انفرادية، لكن في الواقع تنسق مسبقاً مع الإدارة الأميركية والقيادة السعودية، وتحاول من خلال الاتصالات التي تقوم بها، أن ترتب حواراً لبنانياً في باريس، يضمن مشاركة الأفرقاء كافة، وقد استبق المحاور باسم الثنائي الشيعي، رئيس مجلس النواب نبيه بري الفكرة الفرنسية، بإطلاق النار عليها مبكراً، فالثنائي يريد حواراً في المجلس برئاسة وإدارة بري، يقود عملياً إلى انتخاب سليمان فرنجية، أو من يشبهه رئيساً للجمهورية.
أما المحاولة القطرية، فهي تنطلق عملياً مما سبق أن حققته قطر في الدوحة، حيث تم الانتهاء من عملية 7 أيار، وانتخب قائد الجيش حينها ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، ووقع ما بات يعرف فيما بعد، باتفاق الدوحة الشهير، الذي ما زال مفعوله سارياً إلى اليوم.
ما يعطي محاولة قطر بعداً مختلفاً عن عام 2008، أن مبادرتها تتم بتشاور منسق مع السعودية والولايات المتحدة الأميركية وإيران، وذهبت قطر إلى الترجمة العملية، من خلال دعوة قيادات لبنانية إلى زيارة الدوحة، ومن المرجح بعد زيارة وليد جنبلاط أن تحصل زيارات أخرى لقادة القوى السياسية، وهذا يشكل بحد ذاته جهداً يتخطى معادلة شراء الوقت، إلى ممارسة ضغط لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، في حلول شهر تموز المقبل.
تعمل الخماسية على فصل انتخاب الرئيس، عن أحداث المنطقة ولبنان، وعملياً باتت الطابة في ملعب حزب الله، الذي يصر على ربط كل الملفات، بما يجري في الجنوب، لكن مصادر دبلوماسية مطلعة تكشف أن نافذة يمكن أن تفتح على الحلول، من زاوية ملف ثقيل يصعب على الحزب معالجته، وهو ملف إعادة الأعمار، الذي يفوق قدرة إيران المحاصرة اقتصادياً، أو حزب الله المرتبط بدوره بالمساعدات الإيرانية.
ملف الإعمار، لا يمكن إلا لدول الخليج العربي أن تتولاه، لكن هذه المرة لن تكون إعادة الإعمار مقابل التفرج على التعطيل، بل ستكون نتيجة للقبول بانتخاب رئيس، وقطر لم تعد بعيدة عن هذه المعادلة.