ليس بجديد سعي كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحليفه رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى استغلال نكبات الدول والمدنيين لتجييرها من أجل خدمة مصالحهم السياسية.
بغض النظر عن الأسباب والموجبات التي دفعت حركة "حماس" لإطلاق عملية "طوفان الأقصى"، وهي أكبر عمل عسكري تبرز تداعياته بشكل ملموس منذ بدايات تأسيس الكيان الصهيوني، إلا أن المراقب لسير الأحداث وسخونة ومعاني التصريحات الديبلوماسية والتحركات السياسية أو حتى التقارير الصحفية الوازنة المتعلقة بها؛ يدرك تماما المطامع السياسية الآثمة التي تدور في أذهان بوتين والأسد واستغلال دماء المدنيين الفلسطينيين.
في الوقت الذي لم تخرج فيه دمشق بشكل رسمي عن إطار البيانات الاستنكارية لأحداث التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة الفلسطيني، ذكرت تقارير صحفية أن مسؤولين إماراتيين (أبو ظبي حليفة حالية موثوقة لدمشق) حذروا السوريين من إشعال أي جبهة ضد الإسرائيليين خلال فترة "طوفان الأقصى" وما يليها، وبأن أبو ظبي أبلغت الإدارة الأميركية في واشنطن بتفاصيل ما جرى في إطار هذا التنسيق.
إذا ما صحت تلك التقارير فإن ذلك يعتبر بمثابة خدمة قيمة قدمتها أبوظبي للأسد، فالأخير الذي يستجدي أي تطبيع عربي لتحصيل مكاسب تقربه من رضى واشنطن وتخفيف العقوبات على نظامه سيجد فرصة ثمينة بذلك من أجل الادعاء بأنه التزم بمطالب الإمارات وبالتالي القدرة على التفاهم معه لاحقا وحتى الوصول إلى ملف تطبيع مشترك بين دمشق وتل أبيب إذا دعت الحاجة والظروف.
انكشفت هزالة القدرات العسكرية لدى النظام بمواجهة الإسرائيليين خلال السنوات الحالية إثر تكرار عمليات القصف والاستهداف الإسرائيلية لعموم المناطق السورية دون رقيب أو أي مستوى جدي من إمكانات الرد
عمليا يدرك الأسد أنه قد يحقق مكسب سياسي من لا شيء تماما، فأي قدرة لديه يمكن أن تواجه أو تحرك جبهة لم تتفعل ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجولان خلال فترة العقود الماضية، وكذلك الحال أيضا فقد انكشفت هزالة القدرات العسكرية لدى النظام بمواجهة الإسرائيليين خلال السنوات الحالية إثر تكرار عمليات القصف والاستهداف الإسرائيلية لعموم المناطق السورية دون رقيب أو أي مستوى جدي من إمكانات الرد.
في حين أن الدور الإيراني قد يكون شبه غائب في التأثير من خلال الجبهة السورية، فطهران التي دائما ما تعلن عنها دعم "حماس" قد تكتفي بدعم تحريك الجبهة الفلسطينية، فالتصعيد الواسع قد لن تكون بوارده حتى على صعيد جبهة جنوب لبنان وإن كان "حزب الله" قد قام ببعض التصعيد إلا أنه لن يتجاوز مستويات أعلى كون التصعيد من قبل أذرع النفوذ الإيراني سيضر بعديد الملفات، لا سيما ملف المفاوضات النووية الإيراني، وكذلك احتمالات تزايد التقارب السعودي الإيراني، فضلا عن أزمة الملف اللبناني المستمرة سياسيا واقتصاديا، والتي قد تضر الحزب المدعوم إيرانيا في حال دخل على خط المواجهة المشتعلة حاليا، سيما وأن واشنطن كانت قد أطلقت مؤخرا تحذيراتها لإيران بعدم التدخل بالتطورات العسكرية الأخيرة في الأراضي الفلسطينية.
موقف روسيا أكثر وضوحا حيال مسألة تتعلق بالتطورات الأخيرة في غزة، والموقف غير مستغرب عن خباثة المطامع الروسية ومشاريعها في المنطقة
بالمقابل فإن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والمسؤولين الروس انتهجوا خطابا أكثر وضوحا حيال قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال اهتمامهم بمآسي الشعب الفلسطيني والدمار البشري والمكاني الذي تتسبب به آلة القصف الإسرائيلية بعد كل عملية تصعيد ضد الفلسطينيين، ولكن هذه المرة كان موقف روسيا أكثر وضوحا حيال مسألة تتعلق بالتطورات الأخيرة في غزة، والموقف غير مستغرب عن خباثة المطامع الروسية ومشاريعها في المنطقة، حيث لم ينفك الروس عن تحميل مسؤولية ما يحصل لواشنطن، معتبرين أن هذا الصراع سببه فشل واشنطن وبأنه لا خيار عن دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. ولكن السؤال هنا هل هذا الموقف من أجل القضية الفلسطينية؟ بالتأكيد فإن الموقف الروسي ينطلق من سببين لا ثالث لهما، الأول مهاجمة الأميركان في ملف جديد لخلق موقف سلبي ضد الولايات المتحدة ضمن إطار الصراع السياسي غير المباشر المشتعل بينهما بسبب عدة ملفات كبرى، ليست الحرب في أوكرانيا وحدها متسببة بهذا الصراع السياسي. وكذلك اتصالا بهذا الجانب فإن روسيا التي اعترفت بعلاقاتها الإيجابية مع الإسرائيليين وقد ظهر ذلك جليا في مواقف كثيرة أكبر من أن تحصى خلال السنوات الماضية، لكنها تريد تسجيل موقف ضد واشنطن وفي الوقت نفسه فإنها تدعم ضمنيا حربا طويلة الأمد ضد غزة حتى ولو كانت على حساب المدنيين الفلسطينيين، وذلك طمعا في تأجيج الفوضى وخلق منطقة توتر جديدة في المنطقة، وضمان خلق منطقة صراع عسكري آنية تهم الولايات المتحدة بشكل مباشر، وذلك من أجل تخفيف الضغط الموجود على روسيا منذ بداية غزوها للأراضي الأوكرانية.