كل يوم يستيقظ الناجون من مجزرة الكيماوي وكأنهم يستنشقون الموت من جديد، لم تغادرهم تلك اللحظات المرعبة. تلك الطفلة التي نجت بأعجوبة من مجزرة الكيماوي أصبحت شابة اليوم، لكنها تنهض كل ليلة مرعوبة تصرخ وتختنق، لا تستطيع التنفس، تتلفت حولها تسحب شهيقاً بصعوبة تبحث عن قطعة قماش مبللة لتضعها على وجهها، لا تستطيع التمييز إن كان الهواء نقياً أو ملوثاً بغاز السارين.
10 سنوات مرت على مجزرة الكيماوي؛ تلك الليلة حيث جاء الموت صامتاً فلم يسمع الضحايا صوت الطائرات ولا القصف، بل تسلل إلى رئاتهم وهم نائمون.
10 سنوات والقاتل ما زال طليقاً يمارس حياته اليومية بشكل طبيعي، يشرب القهوة واقفاً على شرفة قصره ينظر للغوطة ويستمتع بتذكر اللحظات التي خنق فيها مئات الضحايا في جريمة من أبشع المجازر بهذا العصر، ثم يجري اللقاءات التلفزيونية ويتبجح بانتصاراته المزعومة على جثث الأطفال بكل الأسلحة، حتى المحرمة دولياً وكأن شيئا لم يكن.
بتاريخ 27 من أيلول/ سبتمبر 2013 صدر القرار 2118 المتعلق بالقضاء على برنامج الأسلحة الكيماوية لنظام الأسد، الذي جاء على خلفية الاستخدام الوحشي للأسلحة الكيماوية ضد السكان المدنيين في الغوطة الشرقية بريف دمشق يوم 21 من آب/ أغسطس 2013.
يستمر إفلات نظام الأسد من المحاسبة والعقاب رغم أن التقارير الحيادية أثبتت مسؤوليته عن مئات جرائم الحرب
القرار 2118 (2013) كان نتيجة اتفاق "إطار عمل لإزالة الأسلحة الكيماوية السورية" (S/2013/565) الذي تم التوصل إليه في جنيف في 14 من أيلول/ سبتمبر 2013 بين وزير خارجية الولايات المتحدة "جون كيري" ووزير خارجية روسيا "سيرغي لافروف" وأقرت فيه روسيا أنه في حال عدم الامتثال من جانب نظام الأسد، فإنه ينبغي لمجلس الأمن فرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح لمجلس الأمن استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، إلا أن روسيا عطلت تنفيذ هذا الإطار، كما عطلت تنفيذ القرار 2118 واستخدمت الفيتو ضد إدانة نظام الأسد في استخدام الأسلحة الكيماوية، وادعى النظام أنه سلم السلاح الكيماوي، لكن هل يعقل أن تسليم سلاح الجريمة يعفي القاتل من المسؤولية؟
قدمت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية حتى الآن 118 تقريراً شهرياً لمجلس الأمن، وترفض روسيا مبدأ تحديد المسؤولية، ويأتي استمرار إفلات نظام الأسد من المحاسبة والعقاب رغم أن التقارير الحيادية أثبتت مسؤوليته عن مئات جرائم الحرب، كما أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية مسؤولية نظام الأسد عن جرائم باستخدام السلاح الكيميائي في مناطق سراقب واللطامنة ودوما، غير أن المجتمع الدولي ما يزال غير قادر على محاكمة النظام الذي ارتكب جرائم حرب.
وبدل أن يحاكم في المحاكم ها هو متروك طليقاً ليكمل جرائمه ويتفنن بقتل السوريين.
كل الشهادات التي قُدمت والأدلة والإدانات والإثباتات لم تكن كافية لإيجاد طريقة لمحاكمة القاتل. لا بل إن البعض قام بمكافأته وجاءت محاولات تعويمه على بحر دمائنا وكأن العالم يعطي إذناً للوحوش بنهش لحم شعوبها وإعفائهم من المحاسبة، كما يظهر العجز الدولي أمام البشرية وعدم قدرتهم أو ربما عدم إرادتهم المحاسبة.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان قالت في تقرير عام ٢٠٢١ صدر بمناسبة يوم إحياء ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيميائية: إنَّ نظام الأسد هو أكثر من استخدم الأسلحة الكيميائية في القرن الحالي، متسبباً في مقتل ما لا يقل عن 1510 مواطنين سوريين بينهم 205 أطفال و260 سيدة، وإصابة قرابة 12 ألف مواطن ما يزالون ينتظرون محاسبة نظام الأسد، الذي نفَّذ ضدَّ شعبه. ولأن النظام سلم من العقوبة والمحاكمة إلى يومنا هذا، فقد قام بمجازر وبالسلاح الكيماوي مرات كثيرة بعد ما فعله بالغوطة.
السياق التاريخي وعبر العصور يؤكد أن المحاسبة تأتي على المجرمين حتى لو بعد حين، إنها لعنة الدم دم الأبرياء. لن يهدأ ذوو الضحايا ولن يستكين فيضان الألم في صدروهم إن لم يحاسب من قتل أحبتهم.
إفلات المجرمين من العقاب يؤدي إلى عدم الاستقرار ويهيئ البركان للانفجار في أي لحظة.