عندما أعلن وزير الداخلية الإيراني نسبة الإقبال على الانتخابات البرلمانية الإيرانية، بأنها (42,6) لم توافق المعارضة الإيرانية على هذه النسبة، واعتبرتها مبالغاً بها، وأشارت إلى أن مقاطعة الانتخابات التي دعت إليها، كانت ظاهرة في مدن متعددة، لاسيما تلك التي شهدت قمعاً مفرطاً بعد الإضرابات والمظاهرات التي عمتها، وبينت في مواقعها أن مراكز متعددة لم تشهد في صناديقها منتخبين أكثر من عدد أصابع اليدين، واتهمت القائمين على الصناديق بالتزوير الذي أتاحه أمران، الأول: إلغاء الصور وعلامة الانتخاب، وتحديد مركز الناخب من البطاقة الانتخابية "وهذه طريقة يعرفها السوريون جيداً" بحيث يستطيع الناخب أن يُدلي بصوته في مراكز عدة، والثاني إقصاء لجنة تنظيم الانتخابات (والتي يسيطر عليها تيار الخامنئي) نصف المرشحين وهم جميعاً من الإصلاحيين.
ومع نداءات الخامنئي المتكررة لدفع الجمهور الإيراني لصناديق الانتخابات، لدرجة أنه اعتبر المساهمة تكليفاً شرعياً، وأن من يُخالفه يستحق العقوبة الإلهية، كانت نسبة الاقتراع وفق ما أعلنها وزير الداخلية نفسه أدنى نسبة عرفتها الانتخابات الإيرانية منذ إعلان الخميني نظام ولاية الفقيه المعصوم..
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد ملاحظة تلك الحالة، ما الذي جرى ويجري في إيران حتى كانت النتائج ليست بالمستوى الذي أرادته مؤسسات الخامنئي وأتباعه من التنظيمات الموالية، التي لاحصر لها سواء أكانت عسكرية أم مدنية؟
أما السيد الخامنئي وأجهزته الإعلامية ومؤسساته فتلقي المسؤولية على الشيطان الأكبر وأفاعيله بالحصار الاقتصادي، بل ادعت أن ظهور داء كورونا في إيران كان سبباً مهماً في رأيهم لبقاء الإيرانيين في بيوتهم.. ومع ذلك فقد صوَت الشعب الإيراني-كما يعلنون- لاستمرار نظام الولي الفقيه، فقد نجح 191 مرشحاً محافظاً من أصل 290 بينما لم ينل الإصلاحيون سوى 16 مقعداً "وهو أضعف عدد منذ قيام الثورة" واحتل المستقلون 43 مقعداً كما أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية في مواقعها المختلفة.
بصرف النظر عما تدعيه وسائل الإعلام سواء المعارضة منها أوالموالية، وعلى افتراض بأن كل ما تسوقه الأجهزة الرسمية الإيرانية من أسباب الاضطرابات الداخلية صحيح تماماً، فإن هناك ما يدفع لافتراض عاملٍ آخر قد يُساهم في فهم ما يحدث في إيران.
لقد لمس الشعب الإيراني نتائج سياسة تصدير الثورة، الفكرة التي قررها الخميني في دستور إيران بعد ثورته، ثم صمت الإصلاحيون عنها بعد وفاته واستلامهم للسلطة بل جاءت فترة زمنية أعلنوا فيها توقفهم عن الاستمرار بها، لكن عودة الخمينية على يد السيد الخامنئي، جعلها مرة جديدة على رأس أولوياته، لدرجة يفاخر علناً بإنجازاته الكبيرة فيها.. وإذا كانت تلك المهمة مرتبطة بالمذهب الجعفري كما جاءت في أدبيات الخميني، دون أن يُظهر وقتها العامل القومي فيها، فقد أصبح ذلك العامل واضحاً جداً في كلمات الخامنئي ومؤسساته التي باتت دوماً تفاخر بالاستيلاء على أربعة عواصم عربية، واعتبار بغداد عاصمتهم الساسانية التاريخية، ودمشق الولاية الخامسة والثلاثين ...الخ. والتسجيلات المتنوعة لهذه الأقوال ملأت برامج التواصل الاجتماعي باللغتين الفارسية والعربية، بل على افتراض أنً كلَ ما يُذاع يقصد التشويش على العلاقة العربية-الإيرانية- كما يقول أنصار الموالاة لسياسة الملالي- فإن الوقائع تُثبت ما سبق تماماً..
المقال هذا لا يُجادل في صحة ممارسات الملالي السياسية أو عدمها من وجهة النظر العربية، إنما يُحاول رصدها من خلال آثارها على الشعب الإيراني بعد العزل الافتراضي للعوامل الأخرى.. أي يحاول الإجابة على سؤال: هل توصل الشعب الإيراني إلى رؤية سراب الادعاءات الخمينية والخامنئية المغلفة بالغطاء الديني المذهبي والثارات التاريخية والطموح القومي، بإعادة الإمبراطورية الساسانية كما كانت قبل الإسلام؟؟
من يرصد الشعارات التي رفعتها التظاهرات الإيرانية في مدن إيران المختلفة سيلاحظ أمرين.
الأول: أن سياسة الملالي السابقة لم تستطع تقديم أي حلٍ للمشاكل التنموية التي يعاني الشعب الإيراني منها، وأن سياسة القمع والتكفير التي يمارسونها، لم تعد تُجدي بالتوازي مع الوضع الذي يُفرض عليهم تحت أي شعار، أو هدف ٍتداعب مؤسسة الخميني به أحلام المراهقة السياسية.. وأن ذلك كله لم يحجب أعين الإيرانيين عن الفساد المستشري بمؤسساتها كلها حنى الحلقة الأولى منها.. ولا عن نسبة الإيرانيين الذين يقبعون تحت خط الفقر، بل أصبح لسان حالهم يقول: من أجل من نحن نضحي؟؟ وما الفائدة من المليارات التي تصرفها القيادة على حزب الله وتجنيد الفصائل
المظاهرات التي عمّت في العراق ولبنان وساهم بها الشيعة المتقاربون أو الموالون للمذهب الرسمي الخميني، عكست بوضوح رفض شعوب المنطقة للسياسة الخامنئية
الشيعية المقاتلة في سوريا والعراق واليمن ...الخ.. والشعب بأمس الحاجة إليها؟؟ لقد تحولت شعوب المنطقة إلى مواضع العداوة لنا بدل الصداقة التاريخية، وساهمنا باضطراب كبير في المنطقة لم يستفد منه إلا الشياطين الكبار؟ وسلطة الملالي هي المسؤولة الأولى، فكيف نستمر بالخضوع لها؟؟؟
من يعتقد أن تلك الأفكار لم تكن خلف الشعارات التي رفعوها في مظاهراتهم وخلف مقاطعة الأكثرية للانتخابات، يكن مجانباً للحقيقة.
الثاني: أن المظاهرات التي عمّت في العراق ولبنان وساهم بها الشيعة المتقاربون أو الموالون للمذهب الرسمي الخميني، عكست بوضوح رفض شعوب المنطقة للسياسة الخامنئية، ودفعتهم لمعاداة الإيرانيين جميعاً حتى أصبح الشعار المعمم لديهم (لتخرج إيران من بلادنا) وقد لمس الشعب الإيراني أن كل ما كان يُصرف من مليارات الميزانية الإيرانية عدا عما تنهبه الملالي من ميزانية العراق، لم يجعل شعوب المنطقة موالية لهم، وأن ما كان الملالي يُفاخرون به من اختراعات عسكرية وتقدم يُزعج الشيطان الأكبر لم يكن أكثر من غطاء للممارسات الخامنئية الفاشلة داخلياً وخارجيا.ً وأوراق مساومة للإبقاء على سلطتهم المطلقة، وأصبح من المبرر للمعارضة الإيرانية أن ترفع شعار إسقاط النظام كما فعلت معظم شعوب المنطقة.. وأن تُجاهر برفض الأغطية المذهبية والقومية للاستبداد والفساد والتخلف الحضاري والثقافة الأسطورية.
قد تكون المظاهرات التي عمت العراق ولبنان وأفواج القتلى القادمين من سوريا الضوء الذي أضاء الحقائق لمعاناة الشعب الإيراني، كما حدث من مسلسل الثورات العربية بعد تونس، ولِمَ لا؟ ألم يكن الشعب الإيراني دوما عاملاً رئيساً من عوامل بناء الحضارة العربية الإسلامية؟ وأن من مصلحة شعوب المنطقة كلها أن تتكاتف لتستطيع التنمية والتقدم مخترقة نظام المافيات العالمية الجديد، وليستطيع صوتها أن يُعبر عن مصالحها في الحرية والكرامة والتقدم.
إن ما حصده الشعب الإيراني من سياسة الملالي كان هشيماً، ومتى كان حصاد الأنظمة الثيوقراطية غير الهشيم؟؟! لكن في منظور العبرة التاريخية كان حصاده سنابل يانعة، تقول أولاها: إن أي طموح لشعب في السيطرة والهيمنة على شعب آخر تحت أي مسمى لن يٌفيد الشعب نفسه وسيُمزق أية إمكانية للخلاص من براثن النظام العالمي الجديد.. والسنبلة الثانية تُخبرنا بوضوح إن شعوب منطقة الشرق الأوسط العربية ومن يحيط بها بالعمق التاريخي، هي كالأواني المستطرقة، مايحدث بإحداها من خراب أو اضطراب أو تنمية وتقدم يُصيب الأخرى، وذلك مهما كانت نوع الأنظمة أو مواقع الاثنيات فيها، فهل نستفيد من حصاد الهشيم الإيراني ليخضرً الحصاد العربي؟؟