توجهت أنظار الناخب التركي نحو ما سيقوله الرئيس رجب طيب أردوغان في خطاب الشرفة بعد إعلان نتائج الانتخابات المحلية ليلة 31 آذار المنصرم، وما سيفعله في اليوم التالي لفرز الأصوات وظهور أرقام تراجع حزبه لصالح "حزب الشعب الجمهوري " المعارض.
قبِلَ الرئيس التركي النتائج لكنه لم يقبل توصيف ما جرى على أنه خسارة أو هزيمة. اختار إعلان أن حزب العدالة سيتعامل بواقعية وعملية مع قرار الصناديق وسيبحث عن أسباب ما حدث في إطار خيارات جديدة مصحوبة برسم خارطة طريق بحسب متطلبات المرحلة لاسترداد ما فقده حزبه بأسرع ما يكون، مع أن الوقائع والأرقام تذهب باتجاه آخر وتقول ما هو أبعد وأهم من ذلك.
أسباب تراجع أصوات حزب العدالة معروفة للجميع، ارتدادات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العاصفة بالبلاد. غضب ملايين المتقاعدين بسبب عدم حصولهم على زيادة المعاشات التي كانوا يتطلعون إليها. تأخر أنقرة في تحديد موقفها من حكومة نتنياهو وخطوة تجميد تصدير العديد من السلع الحيوية إلى إسرائيل.
لكن ما جرى حسب حزب الشعب ورئيسه الجديد أوزغور أوزال الذي أزاح كمال كيليشدار أوغلو عن منصبه في تشرين الثاني المنصرم، هو نجاح الرئيس الجديد في تحقيق وعوده الانتخابية حول الاحتفاظ ببلديات المدن التي يقودها حزبه إلى جانب إضافة بلديات جديدة، فلم لا يستقبله أردوغان لمدة ساعة ونصف في مقر حزب العدالة مع رفض الجانبين الكشف عن الكثير من تفاصيل ما جرى بهدف عدم إفساد الحوار قبل أن يبدأ؟
لقاء قابل للتحول إلى معادلة حزبية وسياسية جديدة تضر بمصالح وحسابات الذين يعتاشون على التوتير والشحن وعلى زرع الخصومة والتناحر بين جناحي الحكم والمعارضة في تركيا.
تسبب اللقاء - المفاجأة بخيبة أمل كبيرة في صفوف المراهنين على استحالة دخول قيادات الحكم والمعارضة في حوار انفتاح وتقارب استجابة لقرار الصناديق خلال 10 أشهر في تركيا حزب العدالة يبقى على رأس الحكم بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وحزب الشعب الجمهوري يفوز في معركة البلديات ويخرج متقدما على حزب العدالة بفارق الأصوات.
لقاء قابل للتحول إلى معادلة حزبية وسياسية جديدة تضر بمصالح وحسابات الذين يعتاشون على التوتير والشحن وعلى زرع الخصومة والتناحر بين جناحي الحكم والمعارضة في تركيا.
تعكس قمة أردوغان - أوزال حقيقة قبولهما للمشهد السياسي الجديد وهو الالتزام بقرار الناخب التركي وإعطائه ما يريد حول ضرورات التعامل بأسلوب حزبي وسياسي مغاير بهدف إخراج البلاد من أزماتها: يعمل حزب العدالة منذ أيار 2023 للبقاء على رأس الحكم، لكن نعم أخرى للجلوس أمام المعارضة التي يقودها حزب الشعب حول طاولة مشتركة لصناعة السياسات.
قد لا يعني ذلك طبعاً فتح الأبواب أمام سيناريو تشكيل ائتلاف حكومي جديد يمثل الحزبين، لأن أردوغان لن يتخلى بسهولة عن حليفه اليميني القومي دولت بهتشلي.
وقد لا تصل الأمور إلى درجة التفاهم حول انتخابات مبكرة خلال عامين لأن ذلك ليس مطلب الناخب اليوم.
وسيكون من الصعب تسجيل أي اختراق حقيقي حول صناعة دستور جديد ينتظره الأتراك منذ 4 عقود بسبب التباعد في القراءات والمواقف. لكن كلا الطرفين أعلن قبوله لمسار جديد وهو فتح الطريق أمام ضرورة التفاهم على إخراج البلاد من مشاكلها السياسية والاقتصادية والمعيشية وهو مطلب المواطن اليوم وأولويته التي يجب أن تكون فوق أولويات القيادات والأحزاب.
أوزال يريد أن يغير الأمور، لذلك حمل معه جملة من الملفات التي تتعلق بسياسة تركيا الخارجية إلى طاولة الحوار مع أردوغان.
من سيغادر الطاولة قبل الآخر هو الذي سيدفع الثمن لاحقاً وهو ما يعرفه أردوغان وأوزال اللذان سيتمسكان بإرضاء المواطن حتى موعد ولادة فرص مناورات سياسية جديدة من الشد والجذب.
كانت وما زالت مشكلة أحزاب المعارضة التركية حتى اليوم هي ابتعادها عن الملفات الخارجية التي تعني تركيا وعدم تواصل قياداتها مع الخارج منذ سنوات.
أوزال يريد أن يغير الأمور، لذلك حمل معه جملة من الملفات التي تتعلق بسياسة تركيا الخارجية إلى طاولة الحوار مع أردوغان.
هو يعد نفسه لجولات بأكثر من اتجاه ويريد من الرئيس أن يسهل له التواصل مع أركان الدبلوماسية التركية لمناقشة الكثير من القضايا الخارجية.
الشعب الجمهوري هو الحزب الأول اليوم على ضوء نتائج أواخر آذار المنصرم وبعد 47 عاماً من الانتظار، يريد أن يكون جاهزاً لسد هذا الفراغ الذي يعاني منه في حال وصوله إلى السلطة كما يأمل.
ما جرى في تركيا بعد ظهر الثاني من أيار الحالي ليس حدثاً عادياً، فهو يقع للمرة الأولى منذ 8 سنوات. اعتمد أردوغان مصطلح الليونة في توصيفه بينما اختار أوزال مصطلح التطبيع.
بعض الوقت ونعرف عملياً نتائج اللقاء الأخير ومدى تأثيره في التقريب بين الملفات الخلافية التي لا تعد ولا تحصى بعد تقارب الرجلين.
أردوغان نجح في الإمساك بمقود إدارة اللقاء رغم أن أوزال هو من قرع باب الحزب الحاكم أولاً بعد فشل أكثر من محاولة مع الرئيس التركي.
لكن ذلك لن يعني أنه سينسى موقعه ودوره الحزبي ومع من نسق انتخابياً للفوز، وأنه يجلس فوق مقعد قيادة المعارضة التي لها واجباتها وعليها التزاماتها حيال قواعدها التي لا يستطيع الابتعاد كثيراً عنها، مثل هدف الوصول إلى السلطة.