يبقى موضوع لقاء ممثلين عن رئيس النظام السوري بشار الأسد بوفد إسرائيلي في قاعدة حميميم برعاية روسية، شهر كانون الأول الماضي، مثاراً للترقب والتساؤل حول ما قد ينتج عنه من مسار للتواصل الإسرائيلي-السوري.
من المبكر الجزم بحدوث اتفاقية سلام/تطبيع بين نظام الأسد وإسرائيل، فبغض النظر عن النفي أو التأكيد من قبل النظام أو إسرائيل بحدوث مثل هذا اللقاء الذي قال عنه مركز أبحاث سوري بأنه ضمّ من الجانب السوري مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك، والمستشار الأمني في القصر الجمهوري بسام حسن، ومن الجانب الإسرائيلي غادي إيزنكوت من الأركان، بحضور قائد القوات الروسية في سوريا ألكسندر تشايكوف.
النفي أو التأكيد لا يعني شيئا في الوقت الحالي حول هذا اللقاء، فللنفي محطات عديدة في الأحداث التي تكون دمشق طرفاً فيها، بينما حكومة الاحتلال الإسرائيلي لا يهمها حاليا الإعلان عما تتحرك باتجاهه حيال مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، ولعل الضربات المستمرة غير المعلن عن تبني أغلبها في سوريا والتي استهدفت مواقع عسكرية إيرانية أكبر مؤشر عن استراتيجية تل أبيب في هذا السياق.
حدوث اللقاء أمر منطقي بفعل عدة أسباب ويقوي هذا الاحتمال توقيت اللقاء والطرف الراعي له، فروسيا التي باتت ترى أن الوجود الإيراني يعطل أي تطور في مرحلة الحل الناجع في سوريا، خاصة أن موسكو تستعجل إنجاز ما يتصل بمرحلة إعادة الإعمار، لذا فإن التقارب مع واشنطن أمر صعب الوصول إليه في ظل وجود النفوذ الإيراني، ومن ناحية ثانية ترى موسكو أن تفاهماتها مع أنقرة أجدى وأكثر قيمة في الملف السوري بشكل رئيسي.
يمكن تسمية إسرائيل باللاعب الخفي في الملف السوري، فعلى مر السنوات الماضية كان للإسرائيليين دورهم في مسائل تتصل بالجنوب السوري، فضلا عن تأثيرها بتوازنات الملف السوري بالعموم بفضل انتهاجها سياسة المواجهة مع الإيرانيين وصولا إلى مرحلة "قصم الظهر" والتي باتت قريبة على ما يبدو.
واضحة هي المطالب الإسرائيلية في سوريا أكثر من أي طرف آخر، فالمعلن منها يتمثل بإخراج نفوذ إيران تماما من سوريا، وهذا ما تم طرحه في اللقاء وفق ما رشح عنه في التقارير الصحفية، فيما يتعلق الجانب غير المعلن بما سعى إليه رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عبر نجاحه في تأمين اعتراف أميركي بسيادة إسرائيل على الجولان.
هو اعتراف قد لا يكون له قيمة أممية بحسب قرارتها المعلنة مؤخرا باعتبار الجولان أرضا سورية محتلة، لكن ذلك الاعتراف الترامبي (آذار 2019) سيكون ورقة مهمة في يد إسرائيل باختلاف الحزب الحاكم للسلطة خلال الفترة المقبلة، فورقة الجولان التي أبدى رغبته بشار الأسد بحيازتها مقابل سلام مع إسرائيل، خلال تصريحات صحفية مؤخرا له، تعتبر دافعا لكلا الطرفين في إحراز تقدم بمسار المباحثات/ المفاوضات.
ذلك المسار يبدو منطقيا لسبب آخر وهو أن بشار الأسد وفي فترة تشهد تطورات ميدانية وإقليمية، بات يرى أن مصالحه تقترب أكثر من روسيا التي تعمق نفوذا أكبر في سوريا ترضى عنه الولايات المتحدة، في حين أن مطالبه بدعم مالي يسدد به ديون إيران مقابل تعويمه سياسيا واقتصاديا، بمعنى عودة علاقاته مع المحيط ورفع العقوبات الغربية عنه، سيعني الوصول لحل سياسي قد يرضي كلاً من واشنطن وموسكو في الوقت ذاته.
تمثل الانتخابات الرئاسية المقبلة هاجسا لدى الأسد، فهو يرى بعقدها تحديا سياسيا سينجح به في وجه الغرب "إعلامياً" داخل بيئته الحاضنة، لكن التقارب مع إسرائيل بعد مضي أكثر من 10 سنوات على آخر المفاوضات المعلنة من أجل تطبيع كاد أن يثبت من حكم الأسد في فترة مضت، قد يعيد إحياء نفوذه ولو بشكل أضعف هذه المرة.
خاصة أن المطلب الإسرائيلي المعلن من خلال اللقاء الأخير برعاية روسية يتفق مع ما قد تذهب إليه موسكو ويتمثل بحكومة تضم شخصيات من المعارضة، تطلق عليها موسكو حكومة انتقالية وتمنح رئاستها صلاحيات أوسع تنسجم ومسودة الدستور الروسي التي كانت طرحتها موسكو منذ 4 سنوات.
من الخطأ تقييم إيجابية أي اتفاق بين الأسد ونتنياهو خلال الوقت الحالي واعتباره اتفاقا منفردا عمل عليه الأسد انطلاقا من قدرته كرئيس دولة بقدر ما سيكون الأخير حجر شطرنج بيد الروسي، فبالنهاية إن أي تطور يحصل داخل الملف السوري هو شأن لا بد أن تتفق عليه باقي القوى المتدخلة في سوريا، حيث لا يمكن أن ننظر إلى تطور مسار التفاوض السوري الإسرائيلي دون ضوء أخضر أميركي، فواشنطن مهما تبدلت إدارات البيت الأبيض تبقى قِبلتها إسرائيل في سياساتها الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط.