في غضون أيام قليلة فقط، تحول ملف السوريين في تركيا من مجرد ورقة ضغط بيد المعارضة إلى محور مركزي على رأس أجندة مرشح "تحالف الأمة" الرئاسي كمال كليتشدار أوغلو، في خضم حملته لجولة الإعادة للانتخابات الرئاسية التي ستنعقد في 28 أيار/مايو الحالي.
ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها المعارضة ورقة السوريين لجذب الناخب التركي لا سيما اليميني أو الذي يعاني من أزمة اقتصادية، لكن حملة كليتشدار أوغلو المختلفة جذرياً عن حملته السابقة قبيل الانتخابات الأولى تجاوزت المتوقع وحتى الحدود الإنسانية، فليس من المعقول نصب لوحات دعائية ضخمة تستهدف ملايين الناس وتنتهك شعورهم الإنساني وكرامتهم.
يحاول كليتشدار أوغلو الذي حصل على 44.9% فقط في الجولة الأولى، تعويض النقص بأصوات ناخبي اليمين المتشدد الذين صوتوا لمرشح تحالف الأجداد، سنان أوغان
بينما كان يعد كليتشدار أوغلو بترحيل السوريين إلى بلدهم في غضون عامين "بالطبل والزمر وبدون عنصرية"، بات اليوم يستخدم لغة حادة وأرقاماً غير واقعية ويتحدث عن وجود 10 أو 13 مليون لاجئ، ويحذر من وصولهم إلى 30 مليون مستقبلاً، وينصب لوحات ضخمة في الشوارع يعد فيها بترحيلهم.
في غضون أيام قليلة فقط، تحول كليتشدار أوغلو من مرشح متسامح هادئ مبتسم يرسم إشارة القلب، إلى شاحب الوجه يستخدم لهجة حادة ولغة الكراهية والتضليل. لماذا؟
يحاول كليتشدار أوغلو الذي حصل على 44.9% فقط في الجولة الأولى، تعويض النقص بأصوات ناخبي اليمين المتشدد الذين صوتوا لمرشح تحالف الأجداد، سنان أوغان، ونسبتهم 5.2%، ومن جانب آخر، يسعى لتحريك الشريحة الصامتة التي لم تذهب لصناديق الاقتراع في الجولة الأولى، على أمل بعث مخاوفها بشأن اللاجئين وخطرهم على البلد، وفق تعبيره.
التحالف مع أوزداغ
بالطبع تحالف الأجداد انهار بعد انتخابات الجولة الأولى، وهو تحالف متطرف يقوده أوميت أوزداغ رئيس حزب النصر، واتفق التحالف على ترشيح سنان أوغان والذي حصل كما أشرنا على 5.2%، لكن الأخير وهو يميني متشدد كذلك أعلن مؤخراً دعمه لمرشح تحالف الجمهور رجب طيب أردوغان في جولة الإعادة.
في المقابل، أعلن أوزداغ دعمه لمرشح الطاولة السداسية كليتشدار أوغلو، إثر الاتفاق على "مذكرة تفاهم" من 7 مواد من ضمنها "ترحيل اللاجئين على رأسهم السوريون خلال عام على أبعد تقدير".
وبدا كليتشدار أوغلو متفائلاً من هذا الدعم وتحدث عن "نتائج جيدة" تم تحقيقها من المناقشات مع أوزداغ، وجدد وعده بترحيل السوريين والتحذير من خطر بقائهم واللاجئين عموماً.
وللعلم، البنود الأخرى ركزت على قضايا مثل مكافحة الإرهاب، ومواصلة العمل بقانون تعيين "أوصياء" على الإدارات المحلية مثل البلديات، بعد إقالة الرؤساء المنتخبين إذا ثبت تورطهم بدعم الإرهاب، وهذا البند بالطبع يستهدف رؤساء بلديات تابعين لحزب الشعوب الديمقراطي بالدرجة الأولى.
وعليه، فإن حزب الشعوب الديمقراطي الذي دعم كليتشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، تحت سقف تحالف "العمل والحرية"، لا يبدو مرتاحاً لهذا التحالف مع أوزداغ. وهذا ما يدفعنا لاستطلاع نتائج ذلك:
أولاً، نسبة كبيرة للغاية من الأكراد الذين دعموا كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى، لن يكونوا متحمسين لدعمه في جولة الإعادة، أو بالأحرى لن يجدوا أنفسهم مضطرين للذهاب إلى صناديق الاقتراع في ظل خطاب أوزداغ من جهة، ومعارضتهم لأردوغان من جهة أخرى.
إضافة لذلك، الناخب الكردي الداعم للشعوب الديمقراطي يجد أنه قد أدى المهمة في انتخابات الجولة الأولى حينما منح صوته لحزبه وأوصله للبرلمان بنسبة جيدة، ولذا فإن ذهابه الآن فقط للتصويت بين خيارين أحلاهما مرّ بالنسبة لهذه الشريحة لن يكون مدفوعاً بحماس أو معنويات عالية.
ثانياً، دعم أوزداغ لا يعني بالضرورة ضمان الحصول على نسبة الـ5.2% التي صوتت لسنان أوغان في الجولة الأولى، فهذه الشريحة هجينة وليست محسوبة على التيار اليميني بالضرورة، والدليل أن نسبة 2.2% فقط صوتت لحزب النصر الذي يقوده أوزداغ.
ولذا فإن مراهنة كليتشدار أوغلو في جذب أصوات اليمينيين له من خلال الحصول على دعم أوزداغ يخالف الواقع والمنطق على حد سواء.
ثالثاً، دعم أوزداغ وخطابه التحريضي والعنصري أزعج شرائح واسعة من الأحزاب المحافظة الصغيرة الداعمة لكليتشدار أوغلو مثل السعادة، المستقبل، الديمقراطية والتقدم، ورأينا ردات فعل عبر انشقاق بعض مسؤولي هذه الأحزاب عقب إعلان أوزداغ دعمه لمرشحهم الرئاسي في الجولة الأولى.
لا سيما وأن خطاب أوزداغ لا يتفق مع أدبيات وعقيدة التيار المحافظ، وعليه فمن المرجح أن تمتنع نسبة كبيرة من الذين صوتوا لهذه الأحزاب عن دعم كليتشدار أوغلو في الجولة الثانية، والعزوف عن الذهاب للتصويت من الأساس.
رابعاً، خطاب أوزداغ وكذلك كليتشدار أوغلو من حيث الوعود بترحيل السوريين، يُزعج بالضرورة أصحاب رؤوس الأموال والمعامل والمصانع الذين يعتمدون على تشغيل اللاجئين والسوريين بشكل خاص بنسبة كبيرة.
خامساً، تحالف كليتشدار أوغلو مع أوزداغ وتوقيعهما على مذكرة تفاهم تناقض بنسبة كبيرة خطاب كليتشدار أوغلو الهادئ والمتسامح الذي كان تبناه في حملة الجولة الأولى، وهذا التحول السريع والراديكالي يخلق نوعاً من عدم الثقة لدى الناخبين المعارضين بالدرجة الأولى.
الناخبون الموالون للحكومة لن يُقنعهم كليتشدار أوغلو خلال أسبوعين وهي المدة الفاصلة بين الجولتين في السباق الرئاسي، أما الناخبون المعارضون الذين صوتوا لكليتشدار أوغلو في الجولة الأولى فلا شك أن جزءاً جيداً منهم يشعرون بعدم ثقة بإدارة كليتشدار أوغلو للأمور.
سادساً، الناخب اليميني الذي تحول كليتشدار أوغلو لأجله لا يزال يضع إشارات استفهام حول العلاقة مع حزب الشعوب الديمقراطي المتهم بتبعيته السياسية لحزب العمال الكردستاني، وحول نظام الحكم برئيس و7 نواب، وتقاسم السلطات والوزارات والمناصب، إلى جانب نقاط عديدة لا تزال تمنع هذا الناخب المعارض اليميني من التصويت لكليتشدار أوغلو، إلا أن الأخير مقتنع بأن الوعد بترحيل السوريين سيضمن له الحصول على هذه الأصوات.
ماذا عن الشريحة الصامتة؟
كما تعلمون، بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 أيار/مايو نحو 89%، ما يعني أن هناك 11% من الناخبين لم يصوتوا ويقدّر عددهم بنحو 8 ملايين في الداخل والخارج، فما قصتهم. وهل سيحسمون الفوز في الجولة الثانية؟
في الحقيقة، منذ 2002 إلى الآن أي طيلة عهد العدالة والتنمية وأردوغان، هناك ما يقارب من 7 إلى 8 ملايين لا يذهبون إلى صناديق الاقتراع، ورغم زيادة النمو السكاني فإن هذا الرقم لا يتغير بشكل كبير.
وليس من المتوقع أن يختلف الأمر الآن في جولة الإعادة، لكن بما أنها المرة الأولى التي تشهد فيها تركيا جولة إعادة، قد نتفاجأ بزيادة الإقبال على التصويت، لكن مع ذلك سيكون الأمر منضبطاً، مثل أن تصل نسبة المشاركة إلى 90% أو أكثر بقليل، والسبب هو أن هذه الشريحة ليست مقتنعة بأحد وعازفة عن التصويت لأسباب مختلفة من الصعب أن تتخلى عنها فجأة.
لكن كليتشدار أوغلو يعول على هذه الشريحة الصامتة لحسم فوزه في جولة الإعادة، ولذلك فهو يركز على قضيتي الاقتصاد والسوريين، لكن السؤال الأهم؛ هل هذه الشريحة يمينية بالضرورة؟ وهل ستغير رأيها فجأة بعد رؤيتها لوحات الوعود بترحيل السوريين في الشوارع؟ لا أعتقد.
القضية أكبر من ذلك، وأسباب العزوف جذرية ومن الصعب تغييرها في أسبوعين.
خلاصة القول؛ أعتقد أن نسبة لا بأس بها من الذين صوّتوا لكليتشدار أوغلو في الجولة الأولى قد يمتنعون عن التصويت في الجولة الثانية.
في المقابل، الذين صوتوا لأردوغان هم شريحة صلبة، بدليل وجودهم في كتلة واحدة جميعاً هي "تحالف الجمهور"، ولأنهم سيطروا على البرلمان فإن الدافع عندهم سيكون قوياً لدعم مرشحهم أردوغان في جولة الإعادة للحفاظ على هذا المكتسب.