هل يفعلها الألمان الجدد ويوقفون صعود حزب البديل؟

وصل إلى ألمانيا وحدها في أعوام 2014 و2015 وحتى بداية 2016 ما يقارب 700 ألف لاجئ سوري، ومع عمليات لمّ الشمل التي حصلت لآلاف العائلات وصلت أعداد السوريين وحدهم في ألمانيا إلى ما يقارب مليون لاجئ.

ولا نبالغ إذا قلنا إنّ قسماً من هؤلاء وصلوا إلى هنا ولم يسمعوا بالنازية عموماً، لكنهم بالتأكيد عرفوا وهربوا من النازية الأسدية ومشتقاتها من تنظيمات راديكالية إسلامية من أمثال داعش وجبهة النصرة وغيرها.

لم يعرفوا شيئاً عن النازية التي تسببت في الحرب العالمية الثانية، وجرّت ألمانيا ومعها بلدان أخرى إلى الحرب وخسائرها المروعة من بشر وحجر ومجازر ومآسٍ.

ملايين اليهود تمّ إحراقهم في الهولوكست تناغماً مع أفكار النازية التي تريد فقط للعرق الآري أن يسود العالم ويسيطر، كما تمّ إحراق آلاف الضحايا من الغجر وغيرهم من الإثنيات العرقية ومعهم آلاف الضحايا من ذوي الإحتياجات الخاصة، لأن النازية ترى أن الأسرة الألمانية المثالية، يجب أن تتكون من أمّ ألمانية جميلة تعتني بأطفالها ومن أطفال أصحّاء وجميلين وأقوياء وأب ذي جسم قوي ورياضي.

انتهت الحرب العالمية الثانية وخسرت ألمانيا الحرب وانتحر هتلر. لكن النازية للأسف حتى تاريخه لم تمت كإيديولوجية. فالنازية هي نفسها حزب البعث العربي الاشتراكي الذي استبعد من منطلقاته معظم مكونات الشعوب في منطقتنا

كل هذه المجازر والمآسي حصلت في ألمانيا والعالم، لأنّ هناك ملايين من الألمان اقتنعت في الماضي"غصباً أو عن قناعة" بالنازية، فرأت أن ألمانيا يجب أن تكون فوق الجميع.

انتهت الحرب العالمية الثانية وخسرت ألمانيا الحرب وانتحر هتلر. لكن النازية للأسف حتى تاريخه لم تمت كإيديولوجية. فالنازية هي نفسها حزب البعث العربي الاشتراكي الذي استبعد من منطلقاته معظم مكونات الشعوب في منطقتنا. فالكل بحسب منطلقاته النظرية يجب أن يكونوا عرباً وإلا فمصيرهم الاعتقال أو التجاهل والتهميش. النازية كإيديولوجية هي نفسها كل حزب شمولي وكل فكر سياسي أحادي أراد تهميش الجميع ليعلو صوته وحده ويسود. فالإخوان المسلمون وعلى رأسهم تنظيم الطليعة المقاتلة مثلاً قاتلوا النظام السوري في ثمانينيات القرن الماضي وغايتهم الدفاع عن السنّة فقط من المسلمين، ولأن النظام بحسب إيديولوجيتهم علوي.

وصل اللاجئون إلى ألمانيا وغالبيتهم ساروا في طريق الاندماج وتعلموا اللغة الألمانية، ودخلوا سوق العمل، وبدأ الآلاف منهم يحصلون على الجنسية الألمانية، وخلال هذه الأعوام كان بينهم وضدهم ينشط حزب البديل الذي يعادي المهاجرين ويرى في كل مهاجر شخصاً معادياً لألمانيا. حزب البديل الذي يستغل كل السلبيات والجرائم التي تقع بين المهاجرين لكسب أصوات جديدة بين الناخبين، حتى وصلت شعبيته بحسب آخر استطلاعات الرأي في ألمانيا إلى 22% وهذا رقم مخيف في اللعبة السياسية الألمانية، وبسبب هذه الأرقام تصاعدت مؤخراً حدة راديكالية الخطاب السياسي الألماني وبعضُ قياداته صار يتحدث عن قدرة حزب البديل على اختيار المستشار من بين أعضائه في الانتخابات المقبلة في ألمانيا. وفي مدينة قريبة من مدينتنا ينظم حزب البديل مظاهرة أسبوعية لينقد الحكومة الحالية ويشتم بقية الأحزاب الألمانية وبرامجها السياسية.

إذاً يجري الحريق السياسي تحت أقدام المهاجرين وربما قسمٌ كبيرٌ منهم لا يدرك خطورة ما يحدث حوله ومعه. نعم إنه حريق سياسي بدأت غالبية الأحزاب الألمانية بالتصدي له عبر نشاطاتها السياسية والإعلامية، بينما مجتمع المهاجرين عموماً شبه غائب عن العملية السياسة. أمّا المطلوب فهو العكس تماماً، أي أن يشاركَ المهاجرون في العملية السياسية ويبدؤوا في ممارسة حقهم في كل عمليات الانتخاب من أجل التصدي لصعود حزب البديل. فالغياب عن عمليات الانتخاب هو بحدّ ذاته سلبية سياسية سوف يستغلّها حزب البديل ليحقق ما يريد. أعرف أن العملية السياسية في ألمانيا مركبة بطريقة لا تسمح إطلاقاً لأي حزب سياسي أن يتفردّ في الحكم، وهذا يعني أن حزب البديل لن يتمكن إطلاقاً من العودة إلى زمن النازية، مع ذلك فخطورته على الحياة السياسية الألمانية والأوروبية كبير.

تشير أرقام المكتب الاتحادي للإحصاء إلى حصول 168 ألف مهاجر عام 2022 على الجنسية الألمانية، وقد حقق السوريون المركز الأول من نسبة الحاصلين على الجنسية وكانت أعدادهم هي 48 ألفاً و300 إنسان، أي ما يعادل 29% من النسبة المئوية العامة

كما قلت: بإمكان كل مهاجر حصل على الجنسية الألمانية المشاركة في الانتخابات السياسية المقبلة وأدعو من هنا جميع من له الحق للمشاركة في الانتخابات، للمساهمة في قطع الطريق على هذا الصعود السياسي لحزب البديل.

وفي دعوتي هذه أنا أستند إلى أرقام متفائلة، فتشير أرقام المكتب الاتحادي للإحصاء إلى حصول 168 ألف مهاجر عام 2022 على الجنسية الألمانية، وقد حقق السوريون المركز الأول من نسبة الحاصلين على الجنسية وكانت أعدادهم هي 48 ألفاً و300 إنسان، أي ما يعادل 29% من النسبة المئوية العامة.

قال لي أحدهم حين أخبرته في هذه الفكرة عن إمكانية التصدي لحزب البديل عبر أصوات الألمان الجدد القادمين من أصول مهاجرة: وربما ينتخب بعض هؤلاء حزب البديل! قلت ربما نعم وربما لا.

الديمقراطية في ألمانيا قوية وراسخة وعموم الناس هنا تعرف تماماً حقوقها وواجباتها، وتعرف كيف تدافع عن العملية الديمقراطية، ومع ذلك هناك من يستغل الحريات العامة والديمقراطية مثل حزب البديل معتقداً أنه سيتمكن من الفوز. فهل يفعلها الألمان الجدد ويوقفون صعود البديل؟ ودعوتي بالتأكيد لا تقتصر فقط على السوريين إنما على كل المهاجرين.