عندما تقابل مسؤولين عرباً غالباً ما يثيرون التساؤلات حول ادعاءات المعارضة بأن النظام السوري بجميع أجهزته يعمل على تصنيع المخدرات لأنها تجلب له عائدات ضخمة من العملة الصعبة يصل تقديرها بين 2 و5 مليار دولار، وعندما تجيبهم أن المسألة ليست ادعاءات معارضة فحسب بل هناك مئات التقارير الدولية التي تتحدث عن هذا الموضوع وأن هناك قانوناً كاملاً في الكونغرس يعاقب نظام الأسد على تجارة المخدرات، فإنك تجد الجواب بأن كل هذه التقارير مسيسة.
نعم، في الحقيقة من الصعب تصديق أن دولة تسخر كل أجهزتها من أجل صنع المخدرات ويكون هذا التصنيع عصب اقتصادها الرئيسي، لكن للأسف هذه هي الحقيقة وأن هذه الدولة موجودة على الأرض وهي سوريا ويحكمها نظام الأسد، الذي استخدم كل الأسلحة لقتل شعبه بما فيها استخدام الأسلحة الكيماوية وبالتالي إذا ما كان من الصعب تصديق تصنيع المخدرات فمن الصعب تصديق استخدام الأسلحة الكيماوية أكثر من 35 مرة ضد المدنيين السوريين.
قام الأسد بالكثير من اللامعقول من أجل قتل السوريين وإبادتهم بكل الطرق المتوقعة والخيالية وأصبح مثالاً يحتذى في طرق قمع الثورات عبر الاستخدام الأقصى للعنف دون أية محاسبة أو مساءلة من العالم أو المجتمع الدولي.
تكثر التحليلات والاقتراحات داخل مراكز الدراسات في واشنطن حول كيف يمكن حكم سوريا اليوم، وتصب معظم هذه التحليلات على فرضية تقوم على تقسيم سوريا
لكن الأسد لم يكتف بذلك بل هو يبدو متصالحاً تماماً مع تقسيم سوريا كما هو حالها اليوم، مقابل بقائه في الحكم مهما كان الثمن، فسوريا مقسمة اليوم إلى أربع مناطق تحكم بطرق مختلفة فالمناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد ومناطق قسد التي تدعمها الولايات المتحدة والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية وتدعمها تركيا أما المنطقة الأخيرة فهي إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام.
تكثر التحليلات والاقتراحات داخل مراكز الدراسات في واشنطن حول كيف يمكن حكم سوريا اليوم، وتصب معظم هذه التحليلات على فرضية تقوم على تقسيم سوريا، البعض يذهب إلى الحد الأقصى بالمطالبة بالتقسيم الجغرافي وآخرون يقترحون تقسيماً مناطقياً على أساس حكم ذاتي، وربما كان آخر هذه الاقتراحات من معهد بروكينغز الشهير، إذ طالب مايكل اوهانلون مدير البحوث والسياسة الخارجية في المعهد طالب "بأن تسعى الولايات المتحدة إلى إقامة العديد من المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي في شمالي وشرقي سوريا" ورغم أنه يقر بأنه على الولايات المتحدة "أن لا تقبل بأي حال من الأحوال الدول المستقلة السورية التي قد تنفصل رسمياً عن مركز البلاد" فإنه يقر بأن "هذه المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي قد تساعد في بناء مرحلة انتقالية تضمن خروج الأسد يوماً ما من السلطة، وعندها يمكن أن ينظر مؤتمر دستوري بين السوريين في خياطة البلاد معاً في اتحاد أقوى".
ويضيف "على النقيض من قضية كردستان العراق، فإن الولايات المتحدة سوف تصر على أن يكون هناك على الأقل اثنتان من مناطق الحكم الذاتي الكردي في سوريا المنفصلة التي لن تتمكن من الانضمام أو الاستقلال بسبب وجود القوات التركية حالياً في سوريا لضمان مثل هذا الفصل". ولذلك يشير إلى أنه "على واشنطن أن تؤكد دعمها لهذا الوجود العسكري التركي إلى أجل غير مسمى داخل سوريا، وذلك للسماح لأنقرة بمراقبة الأكراد وضمان استمرار انفصالهم إلى كيانين منفصلين. هذا الوجود التركي في شمالي سوريا يمكن أن يساعد أيضاً في مراقبة حركة الأشخاص والأسلحة عبر الحدود السورية التركية، مما يخفف من مخاوف أنقرة من أن الأكراد في سوريا سيساعدون عسكرياً الانفصاليين الأكراد و/ أو الإرهابيين في تركيا". وينتهي إلى أن "القوات التركية ستكون في نهاية المطاف جزءاً من قوة حفظ السلام الدولية التي تتفاهم مع القوات الروسية الموجودة في القطاعات الغربية للبلاد، مما يحسن من احتمالات أن تتطابق موسكو مع هذا النوع من المفهوم".
في النهاية لم يدمر الأسد سوريا فقط عبر تقسيمها وإنما دمر المجتمع السوري عبر إنتاج المخدرات وتصنيعها بما تتركه من أثر كبير على المجتمع السوري اليوم وغداً
وهو لذلك في النهاية يقترح تقسيم سوريا مناطقياً ومؤقتاً على الأقل إلى ثلاث مناطق: الشمال السوري تحت سيطرة الكرد ومن خلفها القوات الأميركية وتتقاسم النفوذ مع القوات التركية، والغرب تحت سيطرة القوات الروسية، والجنوب يبقى تحت سيطرة النظام السوري لكن تحت مراقبة وعيون إسرائيلية لحساسية هذه المنطقة لإسرائيل وتضمن روسيا المصالح الإسرائيلية هناك.
في جزء كبير من هذا التحليل هو ما تجري عليه الأمور على الأرض، فالولايات المتحدة تدعم القوات الكردية متمثلة في قوات سوريا الديمقراطية وتدعم سيطرتها على مناطق عربية صرفة، مثل دير الزور والرقة.
في النهاية لم يدمر الأسد سوريا فقط عبر تقسيمها وإنما دمر المجتمع السوري عبر إنتاج المخدرات وتصنيعها بما تتركه من أثر كبير على المجتمع السوري اليوم وغداً.