هل سيعيد التاريخ نفسه بين روسيا وألمانيا؟

2023.02.07 | 05:55 دمشق

وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس يزور كتيبة الدبابات الألمانية في أوغستدورف
+A
حجم الخط
-A

يعرف المؤرخون المعاصرون بأن الحرب العالمية الأولى (1914-1918) نشبت بمبادرة ألمانية وكانت موجهة أساساً ضد الإمبراطورية الروسية التي دخلت الحرب ضد ألمانيا، فقامت الأخيرة بتقديم دعم سخي لحزب البلاشفة بقيادة فلاديمير لينين للقيام بانقلاب أكتوبر  1917 الذي أسقط النظام القيصري وأعلن خروج روسيا من الحرب.

واشتعلت الحرب العالمية الثانية بمبادرة من الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر الذي أراد بناء الرايخ الثالث، الذي أعلن الحرب على العالم، وهاجم الاتحاد السوفييتي، وحصدت تلك الحرب أرواح 27 مليون مواطن سوفييتي من مختلف القوميات أغلبهم من الروس. وقد دعمت الولايات المتحدة في البداية هتلر وشجعته للهجوم على النظام الشيوعي في موسكو، ولكنها فيما بعد دعمت جوزيف ستالين لإيقاف هتلر من التوسع في العالم.

وفي التاريخ الألماني شهد العالم أجندات جيوسياسية كبرى لتأسيس ألمانيا الكبرى (الرايخ الرابع)، والذي أراد أنصاره منذ أسابيع القيام بمحاولة انقلابية، ولم ينجحوا، على الحكومة الألمانية باستخدام القوة العسكرية.

وكان انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إضعافا له، حيث أصبح تحت رحمة أقوى دولة أوروبية من الناحية الاقتصادية والتكنولوجية وهي ألمانيا والتي يصفونها بأنها تجر قطار أوروبا الاقتصادي.

روسيا وألمانيا

وخلال العقدين الأخيرين تعززت العلاقات بين روسيا وألمانيا وخاصة في مجال تزويدها بالغاز الطبيعي الروسي الرخيص نسبيا مقابل الاستيراد الهائل للسلع والصناعات الألمانية وكذلك في استقطاب مئات الشركات الألمانية للاستثمار في السوق الروسية. لدرجة أن صداقات شخصية نشأت بين الرئيس بوتين والمستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودر، الذي تم تعيينه موظفا رفيعا في شركة "روس نفط" الروسية، براتب كبير جدا مكافأة على تعاطفه مع روسيا وعلاقاته الحميمة مع بوتين. إلى أن جاءت الحرب في أوكرانيا فضغط القايدة والنخبة السياسية في ألمانيا على شرودر فاضطر للاستقالة من منصبه الروسي حفاظا على سمعته ومكانته السياسية في ألمانيا كمستشار سابق. وكذلك كانت العلاقات جيدة بين بوتين وأنجيلا ميركل وتحسنت في عهديهما العلاقات الروسية الألمانية.

ولكن الأمور انقلبت بعد 24 من فبراير/شباط 2022 عندما بدأ الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، الذي قوبل بدعم غربي واسع لأوكرانيا وخاصة في المجال العسكري.

ومن أهم نتائج الحرب الروسية على أوكرانيا هو قرار المستشار الألماني بتسليح الجيش الألماني بمبلغ 100 مليار يورو وتخصيص ميزانية سنوية ضخمة لهذا الغرض. ومن المعروف أن ألمانيا وهي الأقوى اقتصاديا في أوروبا كلها، التي اتفق ممثلو الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وبريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية بمنع قيام جيش ألماني ومنع تصدير الأسلحة الألمانية خوفا من خطر بروز نزعة حربية وتوسعية لدى القيادة الألمانية. وهنا بدأ الروس يدقون ناقوس الخطر لهذه التوجهات الألمانية التي يعرفون إلى أين يمكن أن تصل.

ومنذ بدء الحرب في أوكرانيا قدمت ألمانيا عشرات المليارات من اليورو على شكل أسلحة متطورة ومساعدات مالية لأوكرانيا، وكان آخرها وأخطرها الموافقة على إرسال عشرات الدبابات من نوع ليوبارد وكذلك سمحت للدول الأخرى بتوريد دبابات ليوبارد الألمانية إلى أوكرانيا.

وبشكل عام رفع الغرب مؤخراً نوعية دعمه العسكري لأوكرانيا إلى مستوى جديد بموافقته على تزويد قواتها بدبابات متطورة يتوقع أن يصل عددها في المرحلة الأولى إلى نحو 140 قطعة بينها "ليوبارد 2" الألمانية و"أبرامز" الأمريكية و"تشالينجر" البريطانية لرفع القدرات الهجومية الأوكرانية. ويجري الحديث عن تقديم صواريخ متطورة بعيدة المدى وكذلك طائرات مقاتلة. وفي كل المساعدات تلعب ألمانيا دوراً متميزاً.

تصعيد خطابي روسي ضد ألمانيا

يتوقع بعض الخبراء العسكريين والسياسيين احتمال قيام روسيا بهجوم عسكري واسع في الربيع القادم، وكذلك يتوقعون بالمقابل هجوماً عسكرياً أوكرانياً كبيراً باستخدام الأسلحة الغربية الحديثة، التي سيستلمها الأوكرانيون خلال الشهرين القادمين، والتي قد تغير من موازين القوى في المعركة.

ويرى هؤلاء الخبراء بأن الأسلحة الحديثة التي قدمتها أغلب الدول الغربية بما فيها صواريخ باتريوت الأميركية ودبابات ليوبارد الألمانية ودبابات تشالنجر البريطانية والصواريخ بعيدة المدى والطائرات المقاتلة من ميك-29 وإف-16 وغيرها، ستخلق واقعا خطيرا جدا في أرض الميدان.

وأدت الخطط لإرسال مئات الدبابات الألمانية الحديثة، وخيبة ظن الروس من توقف ألمانيا بالذات عن المضي بتقديم أحدث الأسلحة لأوكرانيا، كونها أيضا تخلت عن استيراد الطاقة الروسية وهي أكبر دولة مستوردة للنفط والغاز الطبيعي الروسي، أدى ذلك إلى ردة فعل روسية شديدة اللهجة على المستوى الرسمي والسياسي والإعلامي.

فأصبحت ألمانيا عرضة لانتقادات قوية من بعض المسؤولين الروس الذين بدؤوا يذكرون ألمانيا بانتصار الاتحاد السوفييتي (روسيا) على جيش هتلر الألماني في الحرب العالمية الثانية.

وقام المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في 1 من شباط، بتوجيه تهديد بأن القوات الروسية "ستحرق" كل الدبابات الغربية التي سيتم تزويد الجيش الأوكراني بها. وحذر بيسكوف، تعليقا على إمكانية توريد الولايات المتحدة صواريخ طويلة المدى لأوكرانيا، من أن مثل هذه الإجراءات تمثل "طريقا مباشرا نحو زيادة التوتر ورفع مستوى التصعيد"، وأن هذا الدعم "لن يغير مجرى الأحداث"، وأن "العملية العسكرية الخاصة ستستمر... والهدف الرئيسي يكمن في تحقيق المهمات التي وضعها رئيس الدولة".

وصرح رئيس مجلس النواب الروسي، فياتشيسلاف فولودين، في يوم 2 من شباط / فبراير ما يلي: "كانت ميركل خلال عملها كمستشارة تخدع المجتمع الدولي وشعبها وتساعد نظام كييف في الاستعداد للحرب. وذهب المستشار الحالي شولتس أبعد من ذلك مقرراً إرسال دبابات ألمانية لمحاربة روسيا. مصيرها سيظل كما كان قبل 80 عاماً. سيتم حرق "ليوبارد" لتكرر مصير "تيغر" الفاشية".

كما انتقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المستشار الألماني، الذي يصرح بأن ألمانيا لن تزوّد أوكرانيا بمقاتلات واتهمه بأنه "معروف بقدرته على تغيير مواقفه بسرعة كافية". وفي مقابلة مع وكالة "نوفوستي" يوم 2 من فبراير قال: "نرى كيف يحاربنا الناتو بأكمله... وإن روسيا تقع حاليا في "مركز صراع جيوسياسي ولا يجب الشك في ذلك"، وأكد أن القوات الروسية تعمل على منع تهيئة الظروف الملائمة للهيمنة الكاملة للولايات المتحدة. وأكد لافروف بأن الغرب يأمل تكبيد روسيا هزيمة إستراتيجية حتى لا تكون قادرة على التعافي لعقود، لكنه حذر من أنه "كلما زاد مدى الأسلحة التي يتم توريدها لكييف، زادت الحاجة لإبعادها عن أراضي بلادنا".

ويبدو أن التاريخ قد يعيد نفسه. فمن أخطر نتائج الحرب الدائرة في أوكرانيا قد يكون هو إعادة بناء جيش ألماني قوي وتسليحه بأحدث الأسلحة، علما أن ألمانيا لن تكون الدولة الأقوى اقتصاديا في أوروبا وحسب، بل الأقوى عسكريا أيضاً في أوروبا.

قد ينتقل الصراع بين روسيا وأوكرانيا بدعم غربي جماعي إلى صراع بين القوات الروسية وقوات الناتو وفي مقدمتها القوات الألمانية وحينها ستكون الحرب العالمية الثالثة المدمرة.